نشر موقع (منتدى التفكير الإقليمي) العبري؛ مقالاً تحليلياً للخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط، “روني كوهين”، تناول فيه مستقبل سوريا في ظل التنافس بين موسكو وطهران على بسط نفوذهما في تلك الدولة العربية، التي أنهكتها الحرب الأهلية. وتنبأ الخبير الإسرائيلي بأن الغلبة لن تكون لإيران في ذلك التنافس، لأن “بشار الأسد” سيفضل الإعتماد على موسكو بدلاً من طهران.
روسيا ستبسط هيمنتها في سوريا على حساب إيران..
يقول “كوهين”: إن الإعتقاد السائد لدى الإسرائيليين؛ هو أن المحور الشيعي في الشرق الأوسط سيزداد قوة مع بقاء نظام “الأسد” في سوريا. ويبدو على مستوى الخطاب السياسي والرأي العام في إسرائيل, أن هناك إنطباعاً سلبياً بشأن مجريات الأحداث في سوريا, فرغم أن الرئيس “بشار الأسد” قد نجا بالفعل من السقوط، إلا أنه بات كـ”رهينة” في أيدي روسيا، بل وفي أيدي إيران و”حزب الله”, لا سيما في ظل إنشاء بؤرة عسكرية إيرانية في المنطقة الشمالية لإسرائيل مما يهدد أمن الدولة العبرية.
ولكن يبدو أن هناك سيناريو آخر محتمل وهو, بحسب الكاتب الإسرائيلي, أن روسيا هي التي ستبسط هيمنتها في سوريا بل وفي المنطقة كلها على حساب إيران, وربما سيكون لذلك تداعيات إيجابية. حيث أتضح خلال الأسابيع الأخيرة أن الإعتقاد بتنامي قوة المحور الشيعي لا يستند بالضرورة إلى دلائل قوية. لأن من يؤمن بوجود نفوذ شبه مُطلق لإيران في المنطقة يتناسى محدودية قدراتها والمصاعب التي تواجهها في سعيها لبسط هيمنتها الإقليمية. وهناك أسباب عديده تدفع البعض للمبالغة في حجم التهديد الحقيقي لإيران. وفي مثل تلك الملابسات ينبغي طرح سينايو مُختلف عما هو سائد حول مستقبل سوريا والمنطقة.
موسكو هي الأقدر على حماية نظام “الأسد”..
يستند سيناريو بسط الهيمنة الروسية, بحسب “كوهين”, إلى عدة إفتراضات أساسية؛ أولها أن “الأسد” رغم ضعفه وأعتماده على من كان لهم الفضل في إنقاذه, إلا أنه لا ينوي التنازل عن مساعيه لإعادة ترسيخ نظام حكمه في كل أرجاء سوريا. وهو يعلم جيداً أن روسيا وإيران تريدان تعزيز تواجدهما ونفوذهما الميداني وأن ذلك ربما سيكون على حسابه شخصياً.
ونظراً لأن “الأسد” قد لا يستطيع إمساك العصا من طرفيها، فإنه سيفضل التقارب مع روسيا على حساب إيران, لأن روسيا هي التي أنقذته من السقوط, ولا تزال لديها مواقع عسكرية في سوريا قادرة – أكثر من إيران – على ضمان إستقرار نظامه.
هذا بالإضافة إلى أن “الأسد” تنتابه الشكوك تجاه إيران, بدليل أنه لم يُبلغ القيادة في طهران بنتائج اتصالاته الأخيرة مع روسيا، (بشأن زيارته لمنتجع سوتشي وزيارة بوتين لسوريا)، وربما لم يشركها أصلاً في تلك الاتصالات. ووفقاً لتقارير إعلامية فإن “الأسد” لا يبدي ترحيباً بمطالب طهران لتعميق علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع دمشق.
التواجد الروسي لن يكون مؤقتاً..
الإفتراض الأساس الثاني، هو أنه رغم التصريحات الأخيرة للرئيس “بوتين” عن إنتهاء الحرب في سوريا وإمكانية إخلاء قواته من المنطقة، إلا أن التواجد الروسي في تلك الدولة العربية لن يكون مؤقتاً. فروسيا تريد التدخل في سوريا لإعتبارات استراتيجية ودولية، وهي تريد تدخلاً طويل الأمد – حتى لو كان رمزياً – مستغلة في ذلك ضعف “الأسد” وأعتماده عليها.
أما التدخل العسكري لإيران والميليشيات التابعة لها في سوريا، فقد كان ضرورياً طالما كانت الحرب دائرة من أجل حماية الأرواح والموارد الروسية. وليس متوقعاً أن تسمح روسيا لإيران بمشاركتها في كثير من المغانم السورية.
“بوتين” يسعى لإجراء تسوية سياسية..
الإفتراض الثالث؛ هو أن “بوتين” يسعى لتحقيق تسوية في سوريا, وهذا أمر حيوي ليس فقط لضمان المصالح الروسية، وعدم تكرار “سيناريو أفغانستان”, وإنما أيضاً لإثبات مدى القوة الدولية الروسية وقدرة موسكو على تحقيق ما كان يُعد مستحيلاً قبل الآن. حيث تمتلك روسيا, على عكس الولايات المتحدة, القدرة على التحاور مع أطراف الأزمة السورية وممارسة الضغط عليهم. ويبدو أن أية تسوية، حتى لو كانت ستُلزم “الأسد” بالتنازل عن صلاحياته أو سلطته لاحقاً, فستكون مقبولة لدى موسكو طالما أنها ستُحقق الهدوء والإستقرار على المدى البعيد.
لكن طهران تسعى في المقابل لضمان استمرار نظام حكم “الأسد”، مهما كان الثمن، حتى تظل قادرة على العمل الميداني والحفاظ على الممر الوحيد لإرسال المساعدات الإيرانية إلى “حزب الله”. وفي ظل هذه الملابسات قد يحدث صدام بين روسيا وإيران, وهو ما تدرك طهران تداعياته بالتأكيد. وتدل التحركات الإيرانية على أن طهران تعلم ذلك جيداً، ولذا فإنها ما زالت تتعاون مع الوسيط الروسي حتى الآن.
التواجد الإيراني في سوريا مرفوض دولياً وإقليمياً..
الإفتراض الرابع؛ هو أن أي طرف دولي أو إقليمي، بما في ذلك نظام “الأسد” نفسه، لن يرضى كما ذُكر آنفاً باستمرار التواجد الإيراني في سوريا، فضلاً عن تعزيز تواجدها هناك. ومن المعلوم لكل من السعودية والدول الخليجية, وكذلك لدول الجوار السوري وهي: “تركيا والعراق والأردن” بل وحتى “لبنان”, أن التدخل الإيراني في سوريا من شأنه أن يزعزع إستقرار أنظمتها.
ومن الجدير بالذكر أن هناك جدل داخل إيران نفسها بشأن الجدوى من التدخل خارج حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يتبين من كل ما سبق أن حرية التحرك الإيراني في سوريا ليست مُطلقة، بل إنها تبدو في بعض الظروف مُقيدة للغاية, لا سيما إذا أستطاع الروس إطلاق مفاوضات أو إجراء تسوية سياسية في سوريا. فإذا جرت تسوية بعيدة الأمد في سوريا، حتى لو أتسمت بمجرد الديمقراطية الشكلية، فسيكون في وسع الأغلبية السنية التخلص من الوجود المقيت لكل من إيران و”حزب الله” في بلادهم. ومن البديهي أن نظاماً قوياً مدعوماً من روسيا في دمشق، سيكون بالضرورة على حساب الإيرانيين، خاصة إذا أصبحت موسكو ذريعة قوية للأسد لرفض مطالب طهران.
أكراد سوريا والنظام الجديد..
يرى المحلل الإسرائيلي أن أكراد سوريا باتوا يمثلون عنصراً جديداً في إنشاء نظام جديد داخل سوريا. حيث أصبح الأكراد قوة كبيرة تسيطر على منطقة شاسعة تمتد بطول الحدود السورية التركية, بعدما كانوا مجرد أقلية هامشية في شمال شرق البلاد. ويشعر الأكراد حالياً بخيبة الأمل والمرارة بعدما تخلت الولايات المتحدة عنهم. ورغم تخوفهم من تركيا إلا أن روسيا ربما ستعدُهم بنيل حكم ذاتي مقابل الإقرار بالنظام الجديد الذي سيتم إرساؤه في دمشق. وساعتها لن يزرف “بوتين” الدمع على قص أجنحة تركيا، بل سيسعد بإعلاء مكانة روسيا بشكل حاسم وحصري في سوريا.
إسرائيل والسيناريو المحتمل..
ختاماً, يؤكد المحلل الإسرائيلي على أن الإفتراضات الأساسية السابقة، بما تحمل من سيناريو جديد، هي ليست حتمية بالطبع، لكنها منطقية وممكنة تماماً. ويقدم السيناريو المذكور صورة أكثر تعقيداً وواقعية لمدى التهديدات التي ستواجه إسرائيل، ويطرح رُؤى جديدة لما يجري في الشرق الأوسط. وسيتعين على إسرائيل دراسة علاقاتها الاستراتيجية مع دول تلك المنطقة المتقلبة. وهل سيمثل النظام المستقبلي في سوريا تهديداً للدولة العبرية أم أنه سيعزز الإستقرار في شمال إسرائيل والمنطقة كلها ؟.. وهل ستقبل تركيا بقيادة “أردوغان” ذلك النظام الجديد ؟.. وهل سيمثل العراق فرصة لإسرائيل في الشرق الأوسط المتغير ؟