بقلم: حارث الخطاب
أستاذ جامعي وباحث أكاديمي في مجال أمن الفضاء الإلكتروني
أصبحت الحروب التقليدية أكثر تطوراً و حداثةً، إذ انتقلت المعركة من حرب الشوارع والمدن إلى عهد جديد ومتطور من الحروب الإلكترونية التي تتضمن أجهزة الاتصالات والحاسوب، وكيفية تسخير أدوات “الذكاء الاصطناعي” (AI) في حروبها الإلكترونية، لغرض فرض هيمنتها العسكرية على مجريات الأمور و بالتالي تحقيق النتائج المرجوة من أستخدامها.
ففيما يمكن أن يكون أول اعتراف رسمي على الإطلاق باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في الحروب الحديثة، كشف الجيش الأمريكي مؤخرًا أنه استخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وتدميرها في الشرق الأوسط، حيث ذكر بأن أكثر من (85) هدفًا حيوياً قد تم تدميره.
كشف شويلر مور(Schuyler Moore)، كبير مسؤولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية والمسماة (CENTCOM)، التي تشرف على الأنشطة العسكرية في الشرق الأوسط، أن خوارزميات التعلم الآلي القادرة على التعلم الذاتي للتعرف على الأشياء لعبت دورًا حاسمًا في تحديد الأهداف لأكثر من (85) غارة جوية أمريكية في الثاني من فبراير/ شباط من هذا العام، واستهدفت هذه الضربات، التي نفذتها القاذفات والطائرات المقاتلة الأمريكية، سبع منشآت تقع في أنحاء من العراق وسوريا. وأكد البنتاغون أن أهداف هذه الضربات شملت الصواريخ والقذائف ومنشآت تخزين الطائرات بدون طيار ومراكز عمليات الميليشيات. وتم تنفيذ هذه العمليات ردًا على هجوم وقع في 28 يناير/كانون الثاني وأدى إلى مقتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأمريكية في قاعدة بالأردن، وهو حادث نسب إلى مجموعات مسلحة عراقية مدعومة من إيران.
وقال مور لوكالة بلومبرج الأخبارية (Bloomberg): “كنا نستخدم الرؤية الحاسوبية لتحديد الأماكن التي قد تكون هناك تهديدات فيها”. وأشارت إلى تزايد فرص الاستهداف خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما في ظل الجهود المستمرة لتحديد مواقع العديد من منصات إطلاق الصواريخ التي تنشرها الجهات المعادية داخل المنطقة .
و أضاف بأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة قد تم تطويرها في إطار مشروع البنتاغون والذي يُدعى “مافن” (Maven)، ولكنه أكد من جهة أخرى، من إن الذكاء الاصطناعي ليس مستعدًا بعد للتوصية بأمر الهجوم العسكري المباشر. وبينما اعترف الجيش سابقًا باستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية لجمع المعلومات الاستخبارية، فإن تصريحات مور تمثل تأكيدًا صريحًا حتى الآن لاستخدام الجيش الأمريكي لهذه التكنولوجيا لتحديد أهداف العدو والاشتباك معها.
علاوة على ذلك، سلط مور الضوء على النطاق الأوسع لمساهمات أنظمة الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى دورها في تحديد منصات إطلاق الصواريخ في اليمن والسفن السطحية في البحر الأحمر. هذا وقد أبلغت القيادة المركزية الأمريكية عن نجاحها في تدمير العديد من هذه الأهداف من خلال ضربات متعددة بالأسلحة تم تنفيذها طوال شهر فبراير الماضي.
ماذا فعلت شركة غوغل؟
من الجدير بالذكر، في عام 2017، شرعت وزارة الدفاع الأمريكية في مشروع توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحرب، و هو ما يسمى الآن بمشروع “مافن” (Maven)، الذي يستفاد من قدرات شركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى في مسح الصور وتحديد الأشياء في ساحة المعركة، وذلك بأستخدام برامج التعرف التلقائي (Automatic Pattern Recognition) على الأهداف في ساحة القتال.
وتشير التقارير الجديدة إلى أن شركة غوغل (Google) قامت بتوظيف برنامج الذكاء الاصطناعي المثير للجدل: Project Maven، المصمم لقوات الدفاع بالشراكة مع البنتاغون.
يستخدم مشروع الدفاع بشكل أساسي التعلم الآلي (machine learning) والذكاء الاصطناعي للتمييز بين الأشخاص والأشياء في آلاف الساعات من لقطات الطائرات المسيرة بدون طيار(Drone)، حيث سوف يقوم “العمال الصغار” الاقتصاديون الذين توظفهم شركة غوغل الآن بتعليم الخوارزميات الفرق بين الأهداف البشرية والأشياء المحيطة بهم.
هذا ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد بدأت العمل على مشروع تكنولوجي ضخم يدعى مشروع نيمبوس “Project Nimbus” (بالعبرية: פרויקט נימבוס)، وهو مشروع حوسبة سحابية (Cloud Computing) يعتمد على أستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) للحكومة الإسرائيلية وجيشها، حيث أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية في أبريل 2021، أن العقد يهدف إلى تزويد “الحكومة ومؤسسة الدفاع وغيرهما بحل سحابي شامل”، وبموجب العقد، ستقوم الشركات بإنشاء مواقع سحابية محلية “تحتفظ بالمعلومات داخل حدود إسرائيل بموجب إرشادات أمنية صارمة” .
شكل (1): مشروع “نيمبوس” الذي يساعد في جمع البيانات من كاميرات المراقبة والمكالمات الصوتية وتحليل تعابير الوجه والكشف عن المشاعر.
يتألف مشروع “نيمبوس” Nimbus من أربع مراحل مخطط لها:
الأولى هي شراء وبناء البنية التحتية السحابية،
والثانية هي صياغة سياسة حكومية لأدارة ولنقل العمليات إلى السحابة،
والثالثة نقل العمليات إلى السحابة،
والرابع هو تنفيذ العمليات السحابية وتحسينها.
وبموجب عقد بقيمة (1.2) مليار دولار، تم اختيار شركتي التكنولوجيا جوجل (Google Cloud Platform) وأمازون ( Amazon Web Services ) لتزويد الوكالات الحكومية الإسرائيلية بخدمات الحوسبة السحابية، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي .
أن الغاية الرئيسية للمشروع ستؤدي إلى مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان للفلسطينيين في سياق الاحتلال المستمر والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث أن هذه التكنولوجيا المتطورة ستمكن الحكومة الإسرائيلية من فرض المزيد من المراقبة على للفلسطينيين وتحركاتهم، وجمع البيانات غير القانونية عنهم، فضلاً عن تسهيل توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية .
الخلاصة
في حقيقة الأمر، أن هذه العقود المبرمة مع الحكومة الأمريكية أو مع الإسرائيلية لبيع التكنولوجيا الخطيرة تشكل جزءاً من نمط مقلق من عسكرة الفضاء الرقمي (Militarization) والتي يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى في التطبيقات العسكرية المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، من حيث المراقبة الصارمة لتحركات الأشخاص ومعرفة خصوصياتهم، وجمع وتحليل بياناتهم الشخصية الخاصة بهم، ومن جهة أخرى، انعدام الشفافية وتجنب الرقابة على تلك التطبيقات والبرامج الذكية.
على الرغم من أن التقدم التكنولوجي ليس جديدًا إلا أنه سيشهد قبولًا واستخدامًا على ما يبدومن قبل المزيد من الدول في الحروب المستقبلية، و خصوصاً مع توفر تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة.