تطبيق المرحلة الثانية من “العقوبات الأميركية” الجديدة على “إيران”، بعد الانسحاب الأميركي من “الاتفاق النووي”، بتاريخ 4 تشرين ثان/نوفمبر 2018، طرح مشكلة مهمة وحيوية على مدى وكيفية مستقبل العلاقات الإيراني مع باقي الدول، على الصعيدين الدولي والإقليمي. بحسب “آرمان سليمي”؛ الباحث في الشأن العراقي، وأحدث ما نشره على وكالة أنباء (فارس) الإيرانية التابعة للحرس الثوري.
في غضون ذلك.. فـ”العراق”، الذي كان الحليف الإستراتيجي لـ”إيران” في المنطقة ويحتل المرتبة الأولى على قائمة الدول المستوردة للسلع الإيرانية خلال العقد الماضي، وكذلك يتمتع بأطول حدود برية مع “الجمهورية الإيرانية”، (1458 كم)، أهم طرف في مرحلة ما بعد العقوبات، يولي عناية لعلاقاته مع “طهران” على مختلف المستويات من اقتصادية وسياسية وحتى أمنية.
والواقع يواجه “العراق” ثنائية كبرى فيما يتعلق بمسألة مواجهة “العقوبات الأميركية”، فـ”العراق” لا ينسى من جهة الدور الأميركي في إنقاذ العراقيين من ديكتاتورية “نظام البعث”؛ وأن “بغداد” قد تتعرض للتنبيه أو العقوبة حال المخالفة لمسألة العقوبات على “إيران”، ومن جهة أخرى “إيران” هي أكبر داعم وحليف إقليمي لـ”العراق” ولقد أثبتت أخوتها وصداقتها للمسؤولين العراقيين، أثناء المواجهات ضد (داعش)، واحتمالات سقوط السيادة الوطنية العراقية.
في ضوء ما تقدم؛ يجدر مناقشة السيناريوهات العراقية المحتملة المدعمة الأدلة والأسانيد. وفيما يلي عرض لعدد ثلاث سيناريوهات بأبعادها المختلفة..
أولاً : الصمود في مواجهة المطالب الأميركية..
يقضى السيناريو الأول؛ برفض الحكومة العراقية لـ”العقوبات الأميركية” والاستمرار في رفع مستوى وارداتها من الطاقة والسلع والتجارة مع “إيران”، والاستعداد لتقديم تكلفة الصراع مع “واشنطن”.
وأنصار هذا السيناريو ودوافعهم هي كالتالي :
1 – أنصار الأغلبية داخل الكتل السياسية الشيعية، بما في ذلك السادة “عمار الحكيم” و”مقتدى الصدر” و”هادي العامري”، هم من رواد سيناريو استمرار العلاقات مع “إيران” والمعارضة لـ”العقوبات الأميركية”.
2 – دعم محدود من العرب السُنة والأحزاب النافذة في منطقة “السليمانية” بـ”إقليم كُردستان العراق”، وبخاصة “حزب الاتحاد الوطني”.
3 – يعتقد أنصار، هذا السيناريو، أن حجم وشكل العلاقات مع “إيران” لا يتوقف على المصالح المادية والمعيارية المناسبة، وإنما يجب دعم “طهران” في أي ظرف اعتمادًا على المباديء الأخلاقية.
4 – الإبتعاد عن “الولايات المتحدة الأميركية”، بل وقطع العلاقات السياسية إذا استدعى الأمر، على خلفية تدخلاتها في الشأن العراقي ونشر الفرقة، هي إستراتيجية يتبناها أنصار هذا السيناريو في ضرورة تجاهل “العقوبات الأميركية” على “إيران”.
ثانيًا : رعاية المصالح الوطنية على مسار التقارب من أميركا والدول العربية..
سيناريو تشاؤمي؛ يمكن رسم ملامحه في أجواء ما بعد العمل بالعقوبات، ويقضي بتفضيل التقارب مع العالم العربي والأميركي على التقارب مع “إيران”، وأولوية المحافظة على المصالح الوطنية العراقية؛ في خلق تحالف إستراتيجي مع القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتتمحور أبعاد وأدلة الموافقون على هذا السيناريو في المحاور الخمسة التالية :
1 – لم يطرح أي من التيارات والشخصيات السياسية هذا السيناريو بشكل رسمي في المحافل السياسية والميدانية، وإنما في إطار الاستفادة من القومية العربية لبعض هذه التيارات.
2 – من يطرحون هذا السيناريو لا يرون ديمومة ومنطقية التحالف الإستراتيجي الراهن بين “إيران” و”العراق”، ويعتقدون أن المستقبل القريب سوف يشهد تعارض بين المصالح الوطنية العراقية واستمرار التعاون مع “إيران”.
3 – طبقًا لذلك السيناريو؛ تستدعي المصالح الوطنية العراقية التقدم على مسار التقارب مع “الولايات المتحدة الأميركية”، باعتبارها القوة الاقتصادية والعسكرية الأكبر حول العالم، والاستفادة من هذا التقارب في تجاوز الأزمات العراقية الراهنة.
4 – تفضيل أنصار هذا السيناريو للهوية العربية على الشيعية يهييء “العراق” لإتخاذ موقعه بين مجموعة الدول العربية بزعامة “المملكة العربية السعودية”.
5 – المصالح الوطنية العراقية تستدعي الإلتزام بـ”العقوبات الأميركية” في عموم “العراق”.
ثالثًا : رعاية المصالح الوطنية إستنادًا لمنطق الحد من التوتر..
السيناريو الثالث، وهو بالحقيقة رؤية واقعية لشكل وحجم العلاقات “العراقية-الإيراني” في مرحلة ما بعد العمل بالعقوبات، قد تكون نزعة واقعية تقوم على مبدأ الممانعة دون اندلاع التواتر وتتبنى منطق المحافظة على الصداقة مع الحلفاء.
ويمكننا تقييم هذا السيناريو بالبصيرة، وهو تركيبة من الواقعية السياسية مع الأخذ في الاعتبار لمباديء الهوية في إتخاذ القرارات داخل الأجهزة الدبلوماسية العراقية. وأهم محاور هذا السيناريو :
1 – المصالح العراقية لا تقوم فقط على المصالح المادية، وإنما المحافظة على نماذج التحالف والصداقة في إطار مشتركات الهوية وضرورات الجوار الإقليمي.
2 – “العراق” يريد استمرار العلاقات والتعاون مع “إيران” و”أميركا”، ومن ثم سوف يتبنى سياسة الموازنة تحت أي ظرف، لاسيما في مرحلة مع بعد العمل بالعقوبات.
3 – لا يستطيع “العراق” إنتهاك “العقوبات الأميركية” بشكل معلن، إذ ليس من المنطق أن يتعرض “العراق” لأضرار مادية مقابل مساعدة “إيران” على تجاوز العقوبات. لكن هذا لا يعني إمتثال ساسة “العراق” لكل المطالب الأميركية.