يواجه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أكبر أزمة تكاد تبدّد آخر ما بقي من الهالة التي أحاط بها نفسه كـ”سياسي موهوب وزعيم إصلاحي كبير”، مستفيدا في المقام الأوّل من مكانة أسرته في مجال التديّن الشيعي ومن دورها في معارضة نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين، ومستثمرا عدم مشاركته بشكل مباشر في تجربة الحكم الفاشلة التي قامت على أنقاض حكم حزب البعث قبل سبعة عشر عاما.
ووضع الصدر نفسه في حرج كبير عندما أبدى سوء تقدير غريبا لأخطار فايروس كورونا على العراقيين بدعوته، الخميس الماضي، شيعة البلاد إلى عدم الالتزام بالقرار الحكومي بمنع زيارات المراقد الشيعية وحثهم على إتمام زيارة مرقد الإمام الكاظم، ما دفع بالآلاف منهم إلى التدفّق على مدينة الكاظمية شمالي العاصمة بغداد، ليضاعفوا بذلك خطر انتشار الفايروس القاتل في البلد الذي يعاني أصلا ضعفا شديدا في بناه التحتية الصحية وسائر مقدّراته المادية ما يضعف من قدرته على مواجهة الوباء الذي تحوّل إلى كارثة في بلدان تفوق العراق قوّة وتقدّما في مختلف المجالات.
اعتبر متابعون للشأن العراقي أنّ الرجل اختار اللحظة الخطأ للعودة إلى دغدغة المشاعر الدينية لترميم صورته المتآكلة بسبب انحيازه ضدّ المشاركين في الحركة الاحتجاجية وانخراطه في قمعهم، عن طريق ميليشيا تابعة له كان أطلق عليها تسمية القبّعات الزرق.
كما مني الصدر بسلسلة خيبات سياسية حيث فشل في وقف الانتفاضة الشعبية، قبل أن تتوقّف تلقائيا بسبب خطر كورونا، كما فشل في الدفع بمرشحه المشترك مع عدد من الفصائل الشيعية محمّد توفيق علاوي إلى رئاسة الحكومة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بسبب اعتراض عدد من الأحزاب والتيارات الشيعية والكردية والسنية على علاوي.
وكان ذلك بمثابة مؤشّر على حجمه السياسي الحقيقي، وأنّه لم يبلغ بعد المقام الذي يستطيع من خلاله التأثير بشكل عميق في المشهد العراقي، بالنظر إلى تمكّن خصومه من جهة، وضيق أفقه السياسي من جهة مقابلة، وهو عكسته دعوته لإتمام زيارة دينية على حساب صحّة السكّان وسلامتهم.