ما بعد أزمة فيروس كورونا – قطاع السياحة في الأردن
في أغلب الازمات العالمية التي مرت بها الإقتصاديات العالمية، والتي كان أغلبها يندرج تحت مسمى الفقاعة الإقتصادية، بدأً من أزمة زهرة التوليب في عام 1638 ولغاية الأزمة العالمية المالية في عام 2007-2008، كان القطاع السياحي في أغلب دول العالم ومنها الأردن يتأثر بهذه الأزمات بصورة غير مباشرة، أي أن أثر الأزمة ينتقل إلى هذا القطاع نتيجة تأثير الأزمة بشكل مباشر على أحد أو مجموعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية الأخرى، وهذا التأثير غير المباشر يتأتى من خلال تأثير الأزمة المباشر المباشر على النمط الإستهلاكي للفرد (الإستهلاك العائلي)، وعلى قدرته الشرائية وبالتالي إرتفاع مستوى النزعه للإستهلاك من السلع الإستهلاكية الرئيسية أكثر من الإستهلاك للسلع المكملة والتي يندرج الإستهلاك على خدمات السياحة من ضمنها.
في أزمتنا الحالية (أزمة فايروس كورونا) نجد وعلى الأغلب أن الصدمة الأقوى كانت لقطاع السياحه، فقد تأثر هذا القطاع بصورة مباشرة على عكس أغلب الأزمات السابقة، والسبب الرئيسي في ذلك إنقطاع قنوات التغذية الرئيسية لهذا القطاع والتي من أهمها حركة السياحة الأجنبية من خلال وقف حركة الطيران، وإغلاق المعابر الحدودية وغيرها، وكذلك حركة السياحة المحلية نتيجة إرتفاع مستوى المخاوف من إنتقال العدوى وإرتفاع حالة عدم التأكد من ما ستؤول إليه الأمور مستقبلا.
القطاع السياحي في الأردن يعتبر أحد الركائز الأساسية في الإقتصاد الأردني والتنمية المستدامة، فالسياحة هي رأس المال الحقيقي وهي الثروة العظيمة للأردن، فمساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي عام 2018 بلغت حوالي 12.4% وفي عام 2019 بلغت حوالي 14%، ومساهمة هذا القطاع في توظيف العمالة المحلية المباشرة قدرت بحوالي 51 الف وظيفة عاملة، ومساهمته غير المباشرة في التوظيف حوالي 200 الف وظيفه، ناهيك عن دور هذا القطاع الهام في جلب العملات الأجنبية إلى المملكة وغيرها من الأمور التي يسهم بها هذا القطاع.
الأن السؤال المحوري الهام ينصب على كيفية تحفيز وإدامة هذا القطاع بعد إنتهاء هذه الأزمة، والتي نحن على ثقة تامة بأن الأردن بقيادتة الحكيمة سيمضي قدما ويترك غبار هذه الأزمة خلف ظهرة، فكيف سيتم التعامل مع هذا القطاع وما هي الإجراءات الواجب إتخاذها لتعزيز ديمومته في ظل أن أغلب الدلائل تشير إلى أن الإجراءات الحكومية ستتم بشكل تدريجي وليس بشكل مباشر فيما يتعلق بحركة الطيران والمعابر الحدودية والتجارة الداخلية والخارجية، وغيرها من الإجراءات، بالإضافة إلى أن حالة عدم التأكد والمخاوف التي تلازم السياحة المحلية لن تتلاشي بشكل سريع وأنما بشكل تدريجي.
إن الإجراءات الحكومية والتنسيق التام بين القطاعين العام والخاص سيكون لها الأثر في تحفيز هذا القطاع وإدامته من خلال حزمة من الإجراءات التحفيزية والتي لابد أن تكون داخلية أولا وتنتقل بعد ذلك خارجيا، أي بمعنى وكمرحلة أولى يجب التركيز على السياحة المحلية أكثر من السياحة الأجنبية للفترة التي يتم التأكد فيها بأن السياحة الأجنبية لن تؤثر بنقل الفايروس مجدداً إلى الأردن.
إن تنشيط هذا القطاع داخليا يتطلب من الحكومة العمل على مساندة هذا القطاع وبالأخص قطاع الفنادق بكامل تصنيفاته في تخفيض الكلف التشغيلية له وأهمها كلفة الطاقة لفترة من الزمن، وإيجاد آلية مناسبة لتقليل العبء الضريبي لهذا القطاع فيما يتعلق بضريبة الدخل والمبيعات على الرغم من أن هذه الإجراءات ستؤثر بشكل مباشر في الدخل المتحقق للدولة من هذه الإيرادات، بالإضافة إلى ذلك على الحكومة المساهمة بمجموعة من الإجراءات الكافيه لدعم وكلاء السياحه، والعمل على مجموعة من البرامج الكفيله بتحفيز السياحه المحليه.
أما القطاع الخاص فعليه السير بمجموعة من الإجراءات التي من شأنها بالأساس المحافظة على الإستثمار وديمومته، ومنها على سبيل المثال التركيز على التدفقات النقدية الكافيه لتشغيل المنشأت السياحية على حساب الربح التشغيلي والذي يجب بأن يكون بحدوده الدنيا الكافيه لخلق تدفقات نقدية كافيه لتغطية النفقات التشغيلية، وإتخاذ الإجراءات الكفيله بتحصيل الدين وعدم المبالغة به، والتقليل من مجموعة من الكلف الثابته وبحدودها الدنيا دون المساس بالأمن الوظيفي للموظفين، والإدارة الحصيفه لمرافق المنشأت السياحية بما يضمن تقديم الخدمات وفقا للمعايير العالمية لذلك.
إن من أهم الدروس المستقاة من هذه الأزمة هو كيفية التحوط للأزمات القادمة لا قدر الله لها، وبهذا الصدد لابد من كافة الجهات المعنيه بهذا القطاع العمل على بناء وتطوير صندوق مخصص لإدارة الأزمات المتعلقة بقطاع السياحة بما فيها تعثر بعض المنشأت السياحية، يدار بأعلى دراجات الحرفيه والنزاهه، ومن خلال مجموعة من الأنظمة والتعليمات الناظمة له، ويغذي بنسبة معينه من بدل الخدمة الذي تتقاضاه أغلب المنشأت السياحية من زبائنها أو من خلال آلية مناسبه يتم التوافق عليها من قبل كافة الأطراف كنسبه من الإيرادات مثلا.
وفي النهاية حمى الله الوطن قائدا وشعبا وحكومة وأجهزة أمنية، وأعان الجميع في تجاوز هذه المحنه.
بقلم الدكتور: مراد البواب.