من يعمر مدن العراق المدمرة ؟
بقلم د. فاضل البدراني
منذ 2014 وحتى بداية العام الحالي 2016 كانت حوالي 45 بالمائة من مساحة العراق تخضع لسيطرة تنظيم داعش الارهابي،والمدن التي كان التنظيم يحتمي بها تحولت الى ساحات حرب فلحق بها نصيب كبير من الدمار والخراب.ولكننا تفاجئنا من الصفحة الجديدة لأعادة اعمار المدن أن المسؤولين المحليين يطالبون السكان النازحين بالتبرع لتأهيل الدوائر الخدمية لأجل اعادة النازحين الى منازلهم؟.
وهذا الامر يذكرني بالمثل الشعبي العراقي “ضربني وبكى سبقني واشتكى ” لطالما ان الحكومة رفعت علامة الافلاس بوجه المدن المنكوبة ومنها الفلوجة والرمادي وتكريت وبيجي وهيت والصينية بالاضافة الى مدن أخرى، وأن موازنتها خاوية ولا تملك المال الذي يسهم بأعادة أبسط الخدمات الأنسانية والبلدية الضرورية من أجل اعادة النازحين لمدنهم ومنازلهم التي تتباين نسب الأضرار فيها ما بين 90 بالمائة في بيجي و30 بالمائة في تكريت وتتجاوز 60 بالمائة بالرمادي و30 بالمائة في الفلوجة، والمتعارف عليه بشكل عام أن الحكومات عليها واجبات اخلاقية واجتماعية حيال المجتمع، و حتى في بلدان أفريقية فقيرة لم نسمع ذات يوم بتنصلها من مسؤولية توفير الخدمات وتحقيق الاستقرار لشعبوبها، وتوفير هذه الخدمات ليس منة من الحكومة بل هو واجبها أولا وأخيرا.
مجلس محافظة الأنبار يعلن ومن خلال تصريحات أعضائه من الفلوجة التي تحررت مؤخرا من هيمنة داعش الارهابي أنهم لا يعولون على الحكومة لأنها لا تملك الأموال ما يجعلها تلبي احتياجات سكان المدينة التي عانت من حرب الشوارع والمواجهات المسلحة والقصف والبراميل الجوية التي سقطت عليها في حرب الارهاب ودمرت جراءها البنى الارتكازية .
الآمال المعقودة اليوم في خطط اعادة تأهيل المدن والانسان المشرد منذ ثلاث سنوات على المنح الخارجية للدول وكذلك على الاثرياء والميسورين المحليين،بينما حوالي مليون نازح يعاني في الرمادي وضواحيها ومليون نازح بالفلوجة وضواحيها ينتظرون العودة لديارهم التي تضررت جميعها ودمرت نسبة كبيرة منها ودمرت ايضا جميع البنى التحتية فيها بينما الحكومة ترفع الراية البيضاء استسلاما بعدم قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية.
النازحون العراقيون حقا مساكين، فبرغم مصيبتهم في التدمير النفسي جراء ظروف التهجير القسري تحت أزيز الرصاص ودوي المدافع،وما لحق بهم من قتل وتهديد وتشريد وفقدان كل ما يملكون سوى أرواحهم المهددة في أية لحظة بالخطر،ينتظرون عودتهم لديارهم التي هي كرامتهم وأمنهم وراحتهم، فيتفاجئون بأن الحكومة وعلى لسان أكثر من مسؤول حكومي تعتذر بأن ليس لديها امكانية مساعدة، لكن مواطنا نازحا تساءل مستفهما بالقول هل اعتذار الحكومة جاء بسبب ضعف موازنتها المالية أم أن العهد الديمقراطي يمنح المواطن الحق بأن يصرف على مدينته اذا دمرت بآلة الحرب بشرط أن لا يعترض على الفاسدين الذين يسرقون أموال الشعب. كما يمنح النظام (الديمقراطي المسلفن) حصانة للحكومات بان لا تحاسب على سياساتها الفاشلة او المدبرة في سقوط المدن بيد الارهاب.
ولكننا نذكر الحكومة بان التزامها بمسؤولياتها حيال شعبها يجسد هيبتها وتأثيرها،وأما التعويل على المنظمات الانسانية والمنح والهبات التي تقدمها بلدان مانحة فانها مخصصة للمساهمة بالجوانب الاغاثية العاجلة (الطواريء) وليس لاعادة مشاريع خدمية كبيرة هي من مسؤولية الحكومات الحاكمة.
كاتب وأكاديمي
Faidel.albadrani@gmail.com