لم أكن مندسا
امتلأت رئتاي بالدخان ، شعرت بحشرجة في البلعوم ، وفاضت عيناي بالدموع المصحوبة بالحرقة ، فهطلت كمن فقد عزيزاً ، لم تساعدني الطرف الاصطناعية على الركض بعيداً عن مرمى قنابل الغاز وسط الساحة ، لكني صيرت قلبي سياجاً لوطني المنهوب ، كي لاتصيبه قذائف بنيه.
لم اكن مندساً ، انا اعرف نفسي ، لم احمل معي مسدساً او سكيناً ولا حتى حجارة ، كل ما كنت أتأبطه وانا ذاهب الى ساحة التحرير هو بقايا وطن مكلوم قالوا لي انك قد تجد له علاجاً تحت نصب الحرية ، فصدقتهم ، وانا احث من معي ، ان بيننا وبين الفرح مرمى ساحة ، سيزهر فيها الوطن مرة اخرى ، ونخط على جرحه النازف ، نحن ابناؤك لن نخذلك ، نحن من توسدت جراحهم ذات حرب ، فبقيت عزيزاً معافى ، نحن من كنا نلوذ بك اذا أشتدت بنا الصعاب فتحيلها بصبرك أيها الاشم سنابل يسر تعيل بها ايامنا الجوعى ، نحن من كنا نمرغ طفولتنا بمحبتك حتى يشغلك الفرح بنا عن نفسك ، نحن من اوصد باب قلبه عليك فأستغنى واستعفف عن بلاد الله واكتفى بك ، كيف لي ان اكون مندساً وانا احملك بين ثناياي؟ وهل يجتمع حبك والدنس؟ قل لهؤلاء الذين يتهمونني بك ، ان ولدي هذا تفطر قلبه محبتي ، خلو بين خوفكم وبينه ، اتركوه يسير صوبي ، بيني وبينه موعد جديد.
في وسط الساحة قبل ان تسكت القنابل هدير الهتاف ، (سلمية .. سلمية .. سلمية) ، فر الوطن من بين ضلوعي كأنه يبصر لأول مرة مثل هذي الجموع ، راح يطوف حول النصب يؤدي طقوس حجة ، اعتلت وجهه الدهشة حتى ضجت الساحة بالصراخ وتناثر المتظاهرون بين الازقة ورمى بي التدافع حيث اللامكان ، رفعت رأسي لأبصر من خلال الدموع ، وطناً كبيراً بحجم العراق يقف هناك عند ناصية الجسر يوميء للعراقيين .. ان لاتخافوا .. لم يبق من ايام محنتكم الا القليل.. ستعبرون بي هذه مثلما عبر من قبلكم الصعاب.
باسم الشيخ