الاحتجاجات الشعبية العراقية، خلال الـ 72 ساعة الماضية، تضع البلاد على شفير الأزمة، وبخاصة في ضوء الاحتمالات بازدياد وتيرة العنف. ورغم محاولات بعض المصادر الإخبارية للتقليل من المواجهات، لكن ثمة أخبار أخرى تؤكد ازدياد حجم الاحتجاجات.
على كل حال لو فعلاً انحسرت الاحتجاجات، فهي مؤقتة، لأنه في الحقيقة لم يطرأ أي تغيير حتى الآن على أوضاع العراقيين والمجتمع السياسي العراقي. من ثم أجرى “عبدالرحمن فتح إلهي”؛ مراسل موقع (الدبلوماسية الإيرانية)، المحسوب على الخارجية الإيرانية، الحوار التالي مع خبير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “جعفر قناد باشي”، لإلقاء الضوء على الأوضاع العراقية الراهنة..
العوامل المسببة مباشرة لإحداث الاضطرابات الأخيرة..
“الدبلوماسية الإيرانية” : بخلاف البديهيات من أمثلة الفساد والفشل الحكومي في تلبية المتطلبات الأساسية للشعب وكذلك اليأس الشعبي من المعارك السياسية، هل يمكن بالحقيقة البحث في جذور الاحتجاجات العراقية الأخيرة ؟
“جعفر قناد باشي” : تتلخص الاضطرابات الأخيرة ببعض المدن العراقية في عاملين؛ هم سبب ظهور عدد من العوامل الأخرى.. الأول: رغم مرور أكثر من 15 عامًا على سقوط “صدام” والتحول إلى النظام البرلماني، ما تزال مسألة الديمقراطية غائبة في العراق. بعبارة أخرى ما تزال هناك بعض التيارات السياسية العراقية، داخل النظام السياسي العراقي، تتعامل من منظور طائفي، وبالتالي تكون رقابة مثل هذه الأحزاب شكلية؛ وبخاصة في ظل إنعدام الديمقراطية.
وكما أسلفت لأن العراق كان يتبع النظام الديكتاتوري في عهد “صدام حسين”، وإنعدام الخبرات الشعبية بمسألة الانتخابات بعد سقوط “صدام”، ما تزال الديمقراطية غير مفهومة بالنسبة للعراقيين. وقد تسبب هذا النظام السياسي في ظل وجود ما يُعرف بـ”شبه الديمقراطية” في تشكيل سلسلة من النقائص والاختلافات في المجتمع العراقي مع مرور الوقت.
الثاني: يتعلق بدور العوامل الخارجية والأطراف الأخرى في مسألة إثارة الاختلافات.. ورغم مرور ما يقرب من شهرين على الانتخابات البرلمانية العراقية؛ لايزال ملف تشكيل الحكومة عالقًا بسبب الخروقات والتشكيك في نتائج الانتخابات. في غضون ذلك تعمل بعض الدول، التي كانت ترعى بعض التيارات العراقية في الانتخابات وفشلت في تحقيق النتائج المرجوة، على إفشال ملف تشكيل الحكومة. وهذا العامل تسبب في انشغال الحكومة الراهنة بالخلافات السياسية والغفلة نسبيًا عن معالجة الأوضاع الأمنية والاجتماعية العراقية. واستمرار هذا الوضع في العراق قد يزيد من وطأة الاضطرابات…
مشكلات العراق في ضوء هذان العاملان اللذان كانا سببًا في إستشراء الفساد، أدى إلى التغاضي كليًا عن تقوية وتطوير البنى التحتية مثل “المياه والكهرباء والطرق” وغيرها بما يتناسب مع الزيادة السكانية خلال تلك السنوات. وبالتالي فاتساع دائرة الاحتجاجات يعكس عمق وتأثير هذه النقائص على حياة العراقيين بحيث استحالت بالنهاية مشكلة معقدة.
التنافس الانتخابي هو سر اتهام إيران..
“الدبلوماسية الإيرانية” : كيف تقيم شائبة ضلوع “طهران” في اندلاع الاحتجاجات في ضوء مناقشات الكهرباء وقطعها بسبب المديونيات العراقية القديمة ؟
“جعفر قناد باشي” : لم ولن يكون لـ”إيران” دور في اندلاع أو احتدام هذه الاحتجاجات.. لطالما كانت “إيران”، وستظل، المدافع عن النظام والتهدئة والأمن في “العراق”، لأنها ترى أن التهدئة في دول الجوار سبب في زيادة الأمان على حدودها. وإلا لما قدمت “إيران” الدعم للحكومة العراقية للقضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي.
لذا من يقف خلف توجيه الاتهامات لـ”إيران” هم مجموعة من الأفراد فشلوا في تحقيق النتائج التي يتطلعون إليها في الانتخابات العراقية الأخيرة. وهم أنفسهم من يعوقون ملف تشكيل الحكومة العراقية بدعوى التزوير في الانتخابات، ويتهمون “إيران” بإسقاطهم في الانتخابات. وفي ظل الحرارة الشديدة وإنعدام الكهرباء والمياه وباقي البنى التحتية؛ فالطبيعي أن يحتج العراقيون للمطالبة بحقوقهم. لكن هناك من يسعون للحصول على مصالحهم الشخصية بإثارة الاضطرابات. ودائمًا هناك من يرى في التحالف “الإيراني-العراقي” تهديدًا مباشرًا لمصالحه الشخصية. لذا استحالت الأوضاع الأخيرة بالمجتمع العراقي إلى فرصة للتيارات المعارضة لإيران لاختلاق سيناريوهات ضد طهران.
أسباب اقتصادية وليست سياسية وراء قطع الكهرباء الإيرانية..
“الدبلوماسية الإيرانية” : لكن البعض يعتقد أن قطع الكهرباء الإيرانية عن العراق هو سلوك إيراني يهدف للتأثير على مسار تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ؟
“جعفر قناد باشي” : لا.. إذ لا يمكن الاستفادة سياسيًا من مسألة الطاقة بين البلدين، لأنه سيؤدي إلى نتائج عكسية.
لكن من جهة؛ كان ارتفاع درجة الحرارة في “إيران” وعجز توفير الكهرباء سببًا في قطع الطاقة عن “العراق”. وتلك مسألة طبيعية تمامًا. من جهة أخرى متأخرات العراق جراء الاستفادة من الكهرباء الإيرانية على مدى السنوات الماضية سببًاً في إتخاذ إجراء من جانب “إيران”، لأن “إيران” تحتاج هذه العوائد في تقوية بنيتها التحتية الكهربائية. وبالتالي لا يمكن أن يكون الإجراء الإيراني سياسيًا وخطوة تستهدف التأثير على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. كما لا يمكن أن يكون رد الفعل الإيراني مصدر تشكيل هذا الحجم من الاعتراضات الشعبية في “العراق”.