بقلم: أ. د عبدالرزاق محمد الدليمي
تمر علينا هذه الأيام، ذكرى مؤلمة وايام سوداء تلك هي بداية العدوان الأميركي البريطاني على العراق واحتلاله، في وقت ما زال العراقيون يتساءلون كثيرًا عن جدوى هذا الاحتلال؛ واهداف تدميرالدولة العراقية وفرض نظام هزيل فاسد والغريب ان الساسة الأمريكيون مستمرين بذات السياسات التخريبية رغم انهم ادركوا استحالة نجاح العملية السياسية التي ولدت ميته ..وبعد كل ما اصاب العراقيين من قتل وتهجير وتغييب لم تلف ادرات الولايات المتحدة نفسها في ان تقدم ما يكفي من الاعتذارات علها تعوّض بعض ما تسبب به احتلالهم للعراق من مآسي وخسائر جسيمه لايمكن ان ينساها الشعب العراقي الذي لم يذق فيها طعم الاستقرار والراحة منذ نيسان 2003.
تؤدي وسائل الإعلام النزيهة في أي مجتمع مهام خطيرة قد تدفع بكثير من الحكومات المارقة والفاسقة لرفع الراية البيضاء امام ارادة شعوبها فالمعركة الإعلامية التي يجب ان تقودها جحافل الشعب الثائرة يجب ان ترتفع حدتها وتأثيرها لتكون حامية الوطيس لدرجة انّها تشل قدرات الحكومات وعملائها ولن يعودوا قادرين على تجاهل تأثيرها.
حاول المحتل الامريكي ان يعطي صبغة او انطباع بأن الدولة والنظام الذي فرضه على العراقيين نظاما ديمقراطيا فيه مساحات من حريات الرأي والتعبير مثلما جاء ببعض فقرات دستورهم الملغوم الذي مرروه بالتزوير بعد عام 2003م .
جاء في هذا الدستور سئ الصيت بعض من الفقرات التي تشير الى ضرورة ان يكون للأعلام جوا من الحرية ولابد من مرور رسائله الى الجمهور من دون قيد ، بل الأغرب ما يصرح به ذيول الاحتلال مما يسمونهم السياسين ورجالات الدولة المتنفذين من إدعاءات فارغة وكاذبة من ان نظامهم المتهرئ هو نظام ملائكي يؤمن بتعدد الاراء في حين ان كل ممارسات النظام الفاسد تؤكد عكس ذلك.
ان واقع اغلب مؤسسات الأعلام في العراق المحتل أنها تعيش في آتون الفوضى غير المسبوقه شأنها بذلك شأن كل مرافق الحياة في بلدنا فانتشرت وسائل الاتصال المختلفة بشكل بات يثير الشكوك والريبة حول اهدافها ومن أسسها ومن يمولها ويديرها فكثير منها صنيعة الإحتلال نفسه او ذيوله وهي تخدم أجندته في العراق.
الغلب هذه الوسائل الدعائية ترتبط بألاحزاب الطائفية والعنصرية التي جلبها المحتل معه لخدمة اهدافه وهي توجه سمومها المدمرة الى الشعب الغارق في أتون ماصنعه الأحتلال من مظاهر الطائفية والعنصرية والمصلحية والإنتهازية والجهل والأمية والفقر والمرض بعيدا عن السلام والوئام والعيش الرغيد.
امام هذا الواقع المأساوي للشعب العراقي مع وجود اكثر من 5 مليون أمرأة تجهل القراءة والكتابة و 4 مليون طفل يتيم معظمهم خارج التعليم و4 مليون يعيشون خارج العراق،وملايين المهجرين قسريا داخل العراق ناهيك عن الأطفال والشيوخ والمرضى والقائمة تطول وبازدياد… في بلد يتعرض فيه الصحفي للمتابعة والاذى والاعتقال من الحكومة العميل وأجهزتها الأمنية القمعية والميليشيات العميلة التابعة لاحزاب العملية السياسية.
ورغم هذه الصورة التي يطغي عليها اللون القاتم الا ان هناك عدد لايستهان به من وسائل الاعلام الوطني الحقيقي وفيها فرسان لايزالوا يرفعون اقلامهم عالية كالسيوف يحاربون بها اعداء العراق وشعبه وان احد اهم مهام هذا الاعلام الوطني الان وفي المراحل القادمة هي دعم ثورة الشعب العراقي المباركة والتعريف بها عربيا ودوليا بشكل يومي ودائم ويسانده في هذه المهام كل القوى الوطنية العراقية الشريفة.
ان الأعلام العراقي الوطني الثائر اذا ما تم توظيفه بشكل هادف وسليم سيكون تأثيره الايجابي على نفوس العراقيين و عقولهم و قلوبهم كبيرا مثلما سيكون دوره خطيرا على معنويات اعداء العراق وشعبه.
لقد ادرك الشعب العراقي ان اصل وجوهر كل معاناته كان وسيبقى هو الاحتلال الامريكي وتسلط ذيوله وان كل ما اصابنا وسيصيبنا من كوارث سببها استمرار هذا الاحتلال الامريكي وتداعياته بالتشارك مع النظام الايراني.
بعد مضي 18 عاما من عمر الاحتلال البغيض يستمر الشعب العراقي في معاناته من أمراض في هويته السياسية، وفي بنية الدولة، وفي انقسام كارثي يعيشه الشعب بسبب نظام (المحاصصة)، الذي جاءت به الولايات المتحدة للعراق وغذته ادواته واستغله النظام الايراني، والذي تسبّب بمعظم هذه الكوارث السياسية الذي انعكست على شكل الدولة وضياع الهوية الوطنية وتغييب المشتركات التي كانت تجمع العراقيين بشكل متعمد قبل احتلال بلدهم.
ان الخراب الذي لحق بالعراق بعد الاحتلال الأميركي لم يقتصرعلى تدمير الدولة، والغاء الجيش، وتفتيت المجتمع، وتفشي الفساد في أجهزة الدولة، وإذكاء الصراع الطائفي، وتحويل الهويات الفرعية/المكوناتية، إلى طرق يمر بها المواطنون إلى مؤسسات الدولة، وحرمان الشعب العراقي بأن يعيد بناء بلده بيده ويعبد طريق مستقبله من خلال كفاءاته الوطنية التي كان يجب ان يعوّل عليها.. الا ان ماخطط له المحتلين كان تدمير الاقتصاد ، وتدمير قدرة العراق على التنمية وتنويع المصادر.
أن البلاد لم تفشل على مستوى الدولة والبناء والاستقرار السياسي فقط، وإنما فشلت كذلك في تنويع مصادر اقتصادها، وما زالت الحكومة تعتمد بنسبة 99%على العائدات النفطية. ومنذ عام 2003، تلقّى العراق أكثر من (ترليونان ) اي الفي مليار دولار، لكن الفساد وتسلط المليشيات التابعة لايران لم تعطي أية فرصة لتحقيق اية تنمية اقتصادية او اجتماعية او ثقافية.
لقد اصبح الفساد الذي ينخر بمؤسسات الدولة، عنوانا رئيسيا يلازم الاقتصاد العراقي الذي تراجع بشكل مريع، وبات الاعتماد المنظم والمخطط له على دول الجوار لاسيما التبعية في كل شئ للنظام الايراني حيث يتم استيراد المواد التي هو غني بها بالأصل، وكان يصدرها للعالم فيما سبق.
إن دور الاعلام الوطني التركيز على الاسباب التي جعلت الاقتصاد العراقي أحادي وليس متنوع، واعتماده بالأساس على النفط وهذه الأحادية ارتكزت على الإنتاج الرّيعي، أي الواردات من تصدير النفط الخام، وليس المشتقات النفطية، بل تحوّل العراق بعد عام 2003 إلى مستورد لها من الدول المجاورة مثل ايران وسوريا، هذا إلى جانب هدر الغاز الطبيعي بحرقه هباءً في الهواء، وتم تدمير الصناعات الثقيلة والتحويلية والخفيفة بشكل مُمنهج، فضلًا عن الصناعات النفطية والبتروكيمياوية. مثل معامل الأسمدة والبلاستيكية والتعدينية لفروع الصناعات التحويلية.
أن الاحتلالين الأمريكي والايراني لم يدمرا الاقتصاد فقط، بل دمرا العراق كله، وتركاه غارقًا في بحر الدماء، ومتخبطًا في مستنقع الهدم المستمر لكل القطاعات الإنتاجية، لقد تم استبدال دولة المؤسسات القوية، بدولة متفككة فاسدة وغير عاملة .
فالاحتلال لم يجلب للعراقيين سوى الخراب ومع كل هذا لا يزال الأمريكيون يصرون على ان يدفع الشعب العراقي الثمن كل ثرواته حتى وان كان ذلك على حساب مصادر عيشه بشكل انساني ويستمرون بذلك حتى قيام الساعة ،فاستمرار الامريكان بسرقة نفط العراق بشكل مطلق ، لانهم يرون فيه مكافأة شرعية مقابل احتلالهم للعراق وتدميره.