يبدو أن مرحلة ما بعد “داعش” ستكون أكثر خطورة من مرحلة داعش، فالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل ستكون واحدة من بين تلك المشكلات المعقدة التي بدأت بوادر انفجارها تقترب كلما اقتربت القوات العراقية من الموصل، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
العقيد أحمد محمد، أحد قادة قوات البيشمركة الكردية، الذي يقود 300 مقاتل، وصل إلى بعشيقة بعد طرد تنظيم الدولة منها، وهو يعرف أنه وصل إلى هنا ليبقى لتأمين المناطق الجديدة التي باتت تخضع لسيطرة إقليم كردستان بعد طرد تنظيم الدولة منها.
يقول العقيد أحمد إنه فقد 8 من مقاتليه في مواجهات مع تنظيم الدولة هناك، ومن ثم فإنه لم يأت إلى هنا ليرحل بعد طرد التنظيم، مؤكداً أنهم يعملون على وجود دائم، كما أنهم يعملون على إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب. وأضاف أنها كانت جزءاً من المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد، في وقت كانت بغداد تؤكد أنها خاضعة لسلطتها.
يضيف العقيد محمد: “سوف نقاتل من أجل هذا المكان مستقبلاً ضد أي عدو، سواء أكان داعش أم غيره”، بحسب ما تورده الصحيفة.
ويتابع: “شاهد السكان المحليون في بعشيقة كيف انسحبت القوات العراقية من المدينة وسلمتهم لداعش، الناس هنا يطمئنون لوجودنا”.
اقرأ أيضاً :
وزير الدفاع الأمريكي في بغداد لبحث معركة الموصل
النوايا الكردية في البقاء بالمناطق المتنازع عليها بعد طرد تنظيم الدولة منها تثير مخاوف من اشتعال صراع جديد بين العرب والأكراد، كما أنها تعيد إلى الواجهة صراعات متجذرة بين بغداد وأربيل حول النفط والسلطة.
الصراعات التي بدأت تطل برأسها مع انطلاق معركة الموصل، تطرح تساؤلات عما إذا كانت التحالفات التي شكلت لمحاربة تنظيم الدولة بالموصل قابلة للاستمرار، أو أنها ستتحول إلى خطر وشيك.
كما أن الاحتكاك الحاصل بين بغداد وأربيل حول المناطق المتنازع عليها يوضح طبيعة الطموحات المتزايدة للأكراد في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل حالة الاضطراب التي تعيشها تلك المنطقة.
القيادي الكردي البارز فؤاد حسين، قال إن العلاقات بين بغداد وأربيل تطورت عقب 2014، خاصة بعد الدور الكبير لقوات البيشمركة الكردية في محاربة تنظيم الدولة، مبيناً أن القوات الكردية دعمت الجيش العراقي في الموصل.
إلا أنه حذر من أن هذا التعاون يمكن ألا يستمر، فالسؤال هو ماذا سنفعل في اليوم التالي لخروج داعش من الموصل؟
الأكراد في شمال العراق تمتعوا بما يشبه الحكم الذاتي النسبي منذ العام 1991، كما أن ذلك حصل بشكل أكبر عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث نجحت السلطة الكردية بأربيل في توسيع نفوذها بسبب ضعف الإدارة المركزية ببغداد، بحسب دينيس ناتالي، الخبير في الشؤون العراقية.
المناطق التي دخلتها القوات الكردية مع انطلاقة معركة الموصل، هي جزء من المناطق التي توصف بالمتنازع عليها بين بغداد وأربيل، التي بقيت طيلة السنوات الماضية بلا حل.
كينيث بولاك من معهد بروكنجز قال إن هناك إمكانية كبيرة لتفجر الصراع بين الأكراد والعرب بسبب هذه المناطق المتنازع عليها، مبيناً أن هناك عوامل خارجية دخلت على الصراع زادت من احتمالية تفجره عقب خروج داعش من الموصل.
بالإضافة إلى المناطق المتنازع عليها، فإن هناك خلافات أخرى تتمثل في الصراع حول النفط وإدارته، حيث يسعى الأكراد إلى إدارة ثروتهم النفطية بعيداً عن بغداد، وطرح الإقليم الكردي كواحد من مناطق تصدير النفط.
بغداد من جهتها حرمت الإقليم من حقوقه في الموازنة العامة بعد أن قرر الإقليم تصدير نفطه بعيداً عن بغداد، وهو ما فاقم الأوضاع الاقتصادية في الإقليم الكردي.
ويرى الأكراد أن المناطق حول الموصل التي تعرف بالمناطق المتنازع عليها تسكنها أقليات مسيحية وإيزيدية، وهي أقليات ترغب بأن تكون تحت مظلة حكومة إقليم كردستان.
يحيى رسول، المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية، قال إن الخطط التي وضعت قبل انطلاق معركة الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قضت بألا تبقى قوات البيشمركة في المناطق التي تدخلها، وأن تنسحب منها، وهو ما يعني أنها لا يمكن أن تبقى في بعشيقة.
المشكلة قد لا تبدو كبيرة مع مدينة مثل بعشيقة، خاصة أن هناك أفكاراً طرحت بأن يكون هناك سلطة محلية مشتركة لإدارة المدينة، وإنما المشكلة الكبرى ستتفجر حول كركوك الغنية بالنفط، التي يبدو أن الصراع حولها سيكون مريراً.