بعد ساعتين، من إعلان الحكومة الاتحادية، مساء أمس الأول الثلاثاء، لعدة قرارات منها منع أية دولة، من الإقليم أو خارجه، من التواجد على الأرض العراقية وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر، سواء أكان دولة مجاورة أخرى، أو أي تواجد أجنبي داخل “العراق”، تعرض مقر يوجد به المستشارون الأميركان لقصف في مركز “نينوى”، شمالي البلاد.
وذكر مصدر أن صاروخًا من “نوع (كاتيوشا)” سقط على “مجمع القصور الرئاسية”، في الجانب الأيسر من “الموصل”، فيما طمأن قائد عمليات نينوى، “نومان الزوبعي”، أهالي المحافظة؛ وأكد أن “الوضع تحت السيطرة”.
وقال مصدر أمني، لاحقًا، إن: “قوة مشتركة من قيادة عمليات الحشد الشعبي في نينوى وقيادة عمليات الجيش والشرطة والأمن الوطني عثرت على منصة الصاروخ الذي أطلق قبل قليل في الموصل”.
وأضاف أن: “الصاروخ أطلق من أيمن الموصل؛ لاستهداف أحد مقار الأجهزة الأمنية في الجانب الأيسر”.
وأشار المصدر إلى أن سقوط الصاروخ لم يسفر عن وقوع خسائر أو إصابات بشرية.
صاروخ، الثلاثاء، سقط بعد يوم من سقوط عدد من الصواريخ من نوع مماثل على معسكر “التاجي”، الذي توجد فيه قوات أميركية، شمالي العاصمة العراقية، “بغداد”.
وفي الساعات الأولى من، صباح أمس الأربعاء، استهدف هجوم جديد موقع “البرجسية”، الذي يقع غربي مدينة “البصرة”، (جنوبي العراق)، حيث سقط صاروخ قصير المدى قرب مقرات شركات “نفط” عالمية، وهي “رويال داتش شل” و”إيني” الإيطالية و”إكسون موبيل” الأميركية العملاقة.
وإنطلق الصاروخ؛ بينما كان موظفو شركة “إكسون” يبدأون العودة إلى “البصرة”، بعد أن تم إجلاؤهم عقب مغادرة دبلوماسيين أميركيين، في شهر آيار/مايو الماضي، بسبب ما قالت عنه “واشنطن” إنه تهديدات من “إيران”، التي لها علاقات وثيقة مع ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية.
وهو الأمر الذي يزيد من تأزم هذا المشهد المتكرر في “العراق”، الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن، هو أنه يأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين “الولايات المتحدة” و”إيران”.
هذا التصاعد أعقب ضغوط العقوبات المتزايدة التي فرضتها “واشنطن” على “إيران”، في الشهور القليلة الماضية، بسبب برنامجها النووي والصاروخي.
ويتشابه هجوم، صباح أمس الأربعاء، مع غيره من الضربات الصاروخية التي تنوعت بين صواريخ (كاتيوشا) وقذائف (الهاون)، واستهدفت قواعد لأفراد في الجيش الأميركي بـ”العراق” ومحيط “السفارة الأميركية”.
خلط الأوراق لإرباك الوضع..
حول الغاية من الهجمات؛ أكد الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة في “العراق”، العميد “يحيى رسول”، أمس، أن الغاية من الهجمات الصاروخية في “بغداد” والمحافظات؛ هي خلط الأوراق لإرباك الوضع في المنطقة، وذلك على خلفية الأزمة بين “إيران” و”الولايات المتحدة الأميركية”.
وقال “رسول”، في تصريحات لوكالة (سبوتنيك): “أعتقد أن هناك خلط للأوراق؛ الغاية منه إرباك الوضع في المنطقة، التحقيقات مستمرة، نحن في طور المتابعة والتدقيق، ولحد الآن لم نصل إلى النتائج الدقيقة حول الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات”.
وبشأن ما إذا كان “التحالف الدولي”، بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية”، يشارك في التحقيقات، بيّن “رسول” أن: “الجانب العراقي هو فقط من يقوم بالتحقيق في هذه الهجمات؛ ولا علاقة للتحالف الدولي بها”.
وتوعدت قيادة العمليات المشتركة للقوات العراقية، بإتخاذ إجراءات رادعة ضد الجهات التي تقف وراء إطلاق صواريخ (كاتيوشا) في “بغداد” والمحافظات.
وقالت القيادة، في بيان لها: “تنفيذًا لما جاء في بيان القائد العام للقوات المسلحة، الصادر يوم 18 حزيران/يونيو 2019، كلفت قيادة العمليات المشتركة جميع الأجهزة الاستخبارية بجمع المعلومات وتشخيص الجهات التي تقف خلف إطلاق الصواريخ والقذائف على عدد من المواقع العسكرية والمدنية في بغداد والمحافظات؛ لتتخذ القوات الأمنية الإجراءات الرادعة ضدها أمنيًا وقانونيًا”.
وأضافت القيادة: “تؤكد قواتكم الأمنية بكل تشكيلاتها؛ أنها لن تسمح بالعبث بأمن العراق وإلتزاماته، وستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه إرباك الأمن وإشاعة الخوف والقلق وتنفيذ أجندة تتعارض مع مصالح العراق الوطنية”.
تُظهر عمق النفوذ الإيراني في العراق..
المراقبون يرون أن الهجمات الصاروخية المجهولة المصدر، التي تكررت خلال أسبوع، مستهدفة مصالح أميركية في “العراق”، تُظهر عمق النفوذ الإيراني في البلاد، وتضع “بغداد” في موقف حرج، وسط تصاعد التوتر بين “طهران” و”واشنطن”، وفق ما أورد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
فقال “نار حداد”، الخبير في شؤون العراق في جامعة “سنغافورة” الوطنية؛ إن: “هذه هي الطريقة الإيرانية لإظهار نفوذ طهران من خلال وكلائها في العراق”.
وأضاف أن: “هذه الهجمات لا تظهر فقط القدرة على إلحاق الضرر بالموظفين الأميركيين، ولا تحرج فقط الحكومة العراقية والشركاء العراقيين، ولكنها تشكل أيضًا تهديدًا لمصادر الطاقة الدولية ولعمليات شركات النفط الدولية الكبرى”.
وأوضح أن: “الموقف التصعيدي الذي تبنته الأطراف وعدم وجود حوار ذي مغزى يزيد من احتمالات التصعيد”.
تضع العراق في موقف حرج..
ورأى الخبير في الشؤون الأمنية، “هشام الهاشمي”، أن “العراق” تعهد بحماية المصالح التجارية الأجنبية على أراضيه من الهجمات؛ “الأمر الذي يضعه في موقع حرج”.
وقال: إن من شنوا الهجمات “أفشلوا خطاب الحكومة حول الاستقرار النسبي؛ ودعوة الشركات الكبيرة للاستثمار في العراق”.
حرب الكاتيوشات..
أما السياسي العراقي المستقل، “عابد الغانم”، فقد رأى في تصريح؛ أن بعض “الميليشيات الموالية لإيران في العراق، بدأت في ظل هذا التصعيد، بالتحرك وإطلاق الصواريخ من هنا وهناك، مستغلة الكلام عن وجود خلايا داعشية نائمة، مستهدفة أماكن تواجد القوات الأميركية، وكذلك مقرات الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط في مسمى جديد هو (حرب الكاتيوشات)”.
مضيفًا أن: “الكثير من هذه الميليشيات مرتبطة إرتباطًا عقائديًا بإيران، وتعتبر كلام المرشد الإيراني، علي خامنئي، هو الفيصل، وتعمل بتوجيهات مباشرة من الحرس الثوري الإيراني”.
كما أكد على أن: “اختيار أماكن القصف في الموصل والبصرة وقبلها التاجي، وبعد ساعات من خطاب رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، الذي قال فيه: “يمنع على أي قوة مسلحة أن يكون لها مخازن أو تنفذ عمليات خارج معرفة وسيطرة القوات المسلحة”. رسالة واضحة ممن قام بالقصف وموجهة لأكثر من جهة، ومفادها أن العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه تحت مرمى نيراننا؛ وليس بإمكان أي جهة أن تمنعنا من أن نضرب في أي مكان”.
العراق أمام صيف ساخن..
واعتبر أن تلك الرسالة لا تختلف عما قاله سفير “إيران” السابق في بغداد، “دنائي فر”، لبعض السياسيين السُّنة، عام 2015، من أن: “العراق، بعد إنتهاء معركة الموصل، سيكون أمام صيف ساخن من زاخو إلى الفاو”، مضيفًا: “يبدو أن العراق دخل فعلًا مرحلة الصيف الساخن” !
إلى ذلك؛ أشار إلى أن “إيران”، منذ مدة ليست بالقصيرة، وتحديدًا قبل أن تبدأ معركة تحرير الجانب الأيمن في مدينة “الموصل”، عام 2017، عندما أعلن “ترمب” أنه في حالة فوزه سيقوم بإلغاء “الاتفاق النووي” الإيراني، عملت على توسيع قاعدة حلفائها في “العراق” لتستثمرهم في مواجهتها المحتملة مع “الولايات المتحدة”، فبدأت تظهر بيانات تحمل عناوين وطنية تطالب حث العراقيين على حمل السلاح لطرد الأميركيين من “العراق”.
بصمات وكلاء إيران واضحة..
لافتًا “الغانم” إلى أن بصمات “إيران” واضحة في تلك الأحداث عبر وكلائها، قائلاً: “لا شك أنهم قاموا باستهداف الأميركيين في الموصل والبصرة، وأتوقع أن تزداد هذه الاستهدافات في الفترة المقبلة باعتبار أن إيران تعمل على أن تكون المواجهة مع الولايات المتحدة في الفترة الحالية عبر الوكلاء وبإدارة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني”.
استهداف للعراق لإخافة دول المنطقة من الاستثمار..
فيما أوضح الخبير الإستراتيجي والأمني العراقي، “فاضل أبورغيف”، إن: “هناك خلطًا للأوراق في المشهد الأمني العراقي، ففي الوقت الذي تضرب منشآت نفطية في البصرة، طالت صواريخ مجهولة قواعد أميركية في غرب البلاد وشمال البلاد في أبوغريب والتاجي، بالإضافة إلى الموصل وهذا يمثل استهدافًا للعراق، عبر إخافة دول المنطقة والشركات العالمية من الاستثمار في البلاد”.
كما رأى أنها رسالة مفادها أن بيئة “العراق” طاردة للاستثمار؛ وهذا نتيجة للصراع “الأميركي-الإيراني”، فضلاً عن اختلاف القوى السياسية والحزبية داخل “العراق”، ونتيجة استغلال بعض الجماعات المتطرفة سواء كانت شيعية أو سُنية من قِبل جهات خارجية، مشددًا على أن: “كل فيصل لا ينتمي للقوات العراقية وللحشد الشعبي العامل تحت إمرة القوى العراقية، يُعد ميليشيا خارجة عن القانون”.
وختم قائلاً: “هذه الفصائل تريد بالعراق سوءًا، لا سيما بعد أن أصابتها حماسة أكثر من الإيرانيين أنفسهم، لا سيما أن بعض مسؤولي إيران أعلنوا أكثر من مرة أنهم لا يريدون الحرب مع الولايات المتحدة”.