لمن لا يعرف مهدي الصميدعي
بقلم: نزار السامرائي
بين عامي 2010 و 2011 كنت أمينا عاما للجبهة الوطنية والقومية والإسلامية وهي تجمع سياسي عراقي مناهض للاحتلال الأمريكي ولعمليته السياسية وكل ما أفرزته من كوارث سياسية وأمنية واجتماعية على العراق، وتضم الجبهة في صفوفها طيفا واسعا من القوى الوطنية والقوى ذات التوجه القومي وممثلون عن حركات إسلامية وتشكيلات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، وكانت الجبهة تتخذ من العاصمة السورية مقرا لها.
أُبلغْنا من جانب المؤتمر القومي العربي الذي يتخذ من بيروت مقرا له أنه يخطط لعقد ندوة لدعم التظاهرات التي اندلعت في أكثر من عاصمة عربية ضد الظلم والدكتاتورية والفساد في ما سُميّ فيما بعد بالربيع العربي، لمناقشة تطوراته ودوافعه ومآلاته.
أبدينا استعدادنا للمشاركة بوفد عراقي من مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية المتواجدة في دمشق، ويوم 26 شباط عام 2011 غادرت مجموعة من العراقيين دمشق في طريقها إلى بيروت بواسطة حافلة صغيرة من نوع كوستر لنقل العراقيين جميعا للمشاركة في المؤتمر، ولم يتم اختيار أعضاء الوفد من قبل جهة سياسية بل تركنا الباب مفتوحا لمن يريد المشاركة من العراقيين في المؤتمر المذكور وأبلغنا أن يرغب بالمشاركة سيتحمل تكاليف السفر والإقامة في العاصمة اللبنانية على حسابه الخاص حسب ما أبلغتنا الهيئة المنظمة له، وفعلا عقد المؤتمر في فندق البريستول يوم 27 شباط 2011.
كان من بين الوفد العراقي غير المتجانس، معمم سنّي يرفع صوته عاليا بمعارضته لسلطات الاحتلال وللحكومة القائمة في بغداد، هو مهدي الصميدعي الذي يتخذ من دمشق مقرا له ولحركته، ويقدم نفسه على أنه دكتوراه في الفقه الإسلامي وأنه مفت لأهل السنة والجماعة وقال إنه اتخذ من جامع أم الطبول أول أيام الاحتلال الأمريكي مقرا له بعد أن تحدى الشيعة وأطلق على الجامع اسم جامع ابن تيمية، وكان يحكي على زواره كما علمت لاحقا قصصا من أفلام رامبو عن قيادته لحركة المجاهدين.
مهدي الصميدعي في واقع الحال مجرد عشّاب يمتلك محلا لبيع الأعشاب الطبية في دمشق، وكان محل رعاية المخابرات السورية وتوجيهها.
بعد أن ركبنا في السيارة المتجهة من دمشق إلى بيروت شاركني الصميدعي الكرسي الأمامي، وبدأ باستعراض بطولات ما كان بوسعي أن أصدقها أو أنفيها فالرجل لم يكن معروفا من قبلي قبل هذا اللقاء وبالتالي فمن العسير أن أحكم بالكذب على شخص يضع عمامة على رأسه.
وبعد أن عرض علي صورا من بطولاته انتقل إلى سؤالي عما إذا كنت قد أديت فريضة الحج، قلت له نعم أديتها عام 1973 وكنت عندها رئيسا لبعثة الحج الإعلامية ومن أجل قضاء الوقت قصصت عليه كيف دخلت مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في جوف الكعبة المشرفة لغرض غسلها، هنا سألني هل ترغب الحج مرة ثانية قلت وهل هناك مسلم يأبى تكرار التجربة؟ هنا وعلى ما يبدو أنني أعطيته ما ظن أنه السنارة التي يستطيع بها اصطيادي، فقال (إذا ساعدتني في الحصول على منصب رئيس ديوان الوقف السني، فستكون من ضمن بعثة الديوان أنت وزوجتك وعلى حساب الوقف، ومن دون فاصلة زمانية واصل حديثه قائلا إن الوقف السني باع نفسه وممتلكاته للوقف الشيعي وللحكومة الشيعية القائمة، وأن عبد اللطيف هميم طامح في الوصول إلى هذا المنصب، وإذا تحقق له هذا الحلم الخبيث فإنه سيجهز على ما تبقى من استقلالية الوقف السني وحريته في التحكم في موارده وممتلكاته لأن هميم على استعداد لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى المنصب واثبات أنه صادق في تعهداته للشيعة ولإيران فأنه سيصفي موجودات الوقف السني ويسير على خطى أحمد عبد الغفور السامرائي الذي تنازل عن كل شيء من أجل البقاء في منصبه، وهذه الفترة هي أسوأ مرحلة في تاريخ الوقف السني).
لم أملك إلا أن ابتسم ابتسامة سخرية من هذا البليد، فقلت له هل تعلم يا شيخ أن الشخص الذي تتوسط عنده ليعيّنك في وظيفة بدرجة وزير وتتقاتل من أجل الحصول عليه الحيتان الكبرى لم يحصل على حقه القانوني في راتب تقاعدي على الرغم من خدمته التي تقرب من خمسين عاما في مؤسسات الدولة هل تعلم أنني ممنوع من حقي القانوني تعسفا على قانون الخدمة المدنية والتقاعد، ولكن الصميدعي لم ييأس فقال بل تستطيع، قلت له كيف هل أمتلك عصا موسى عليه السلام، قال بإصرار إن منصب “رئيس ديوان الوقف السني” هو من حصة القائمة العراقية وأنت قيادي في حزب البعث ومن المؤكد أن الأستاذ عزت الدوري صديقك، وتستطيع التأثير بطريقة أو أخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة على هذه القائمة لحسم الموضوع لصالحي، وأعدك بأنني سأبعث بك إلى الحج أنت وزوجتك في أول موسم حج بعد استلامي للوقف وعلى حساب الوقف نفسه، قلت له أهذه رشوة أم ماذا؟ وهل يجوز الحج بهذه الطريقة؟ سكتَ ولكنه بقي مصراً على أنني قادر على أفعل له شيئاً.
قلت له لقد قدمت عدة فرضيات في حديثك كلها قابلة للدحض، فأولا أنا لست قياديا في حزب البعث العربي الاشتراكي، وثانيا أنا شخصيا أعرف الاستاذ عزت الدوري ولكنني لست واثقا أنه يعرفني، وثالثا فيما يتعلق بالتأثير على القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي فأنا أجزم أنني لا يشرفني أن تكون لي علاقة بأي طرف من أطراف العملية السياسية.
هنا قال الصميدعي أنا لا افترض أنك قادر على التأثير على إياد علاوي، بل أنا على يقين أنه على استعداد لتنفيذ كل ما يأمره به الاستاذ عزت الدوري، وكل ما أريده منك أن توصل صوتي إلى الأمين العام كي يتدخل لصالحي، قلت له لن أفعل والاستاذ عزت الدوري لن يفعل هذا أبداً.
انتهت اعمال المؤتمر وفي طريق العودة عاد وجلس إلى جانبي فى المقعد نفسه في سلوك ذليل وعاد وكرر القصص البالية نفسها التي كان قد حكاها لي قبل يومبن، وكأنه جهاز تسجيل أعاد تشغيله مرة اخرى
لا أدري ماذا في ديوان الوقف السني كي يتقاتل عليه المعممون السنة؟ ولديهم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس وتقديم كل التنازلات من أجل الحصول عليه، ولماذا تستغله حكومة الاحتلال لمساومة ضعاف النفوس عليه.
ولكن في بلد ينخره الفساد حتى العظم من قبل أحزاب تسمي نفسها أحزاب إسلامية ليس مستغربا أن يكون الوقف السني الدجاجة التي تبيض ذهبا.
على العموم بعد أن فشل الصميدعي في الوصول إلى كرسي الوقف السني، اخترع لنفسه كرسيا آخر أسماه مفتي أهل السنة والجماعة.