نشر موقع (ميدا) العبري مقالاً تحليليًا للباحث والمستشرق اليهودي الإسرائيلي، الدكتور “مردخاي كيدار”، تناول فيه التداعيات الخطيرة لمقتل الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”، داخل “القنصلية السعودية” في مدينة “إسطنبول” التركية، على مستقبل ولي العهد، الأمير “محمد بن سلمان”، وإمكانية حدوث تصدع وانقسام بين أفراد الأسرة المالكة في “الرياض”.
تخطيط لتنحية ولي العهد..
يقول “كيدار”: منذ عدة أيام أفادت وكالة (رويترز) للأنباء أن هناك مجموعة من أفراد العائلة المالكة في “السعودية” تخطط لتنحية نجل الملك، الأمير “محمد بن سلمان”، والإتيان بدلاً منه بشقيق الملك وعم ولي العهد، ألا وهو؛ الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، البالغ من العمر 76 عامًا. وحتى يمكن إدراك مغزى تلك الخطوة المحتملة، ينبغي أولاً أن نفهم النمط الخاص الذي تسلكه الأسرة المالكة في “السعودية”.
الأمير “محمد” ومئات الأحفاد..
يوضح “كيدار”؛ أن المملكة الحالية قد تأسست على يد “عبدالعزيز آل سعود”، الذي عاش بين عامي 1876 و1953. وتزوج “عبدالعزيز” من أربعين سيدة، فأنجب منهن 45 من الذكور و27 من الإناث. وعندما توفي، مؤسس المملكة، في عام 1953، خلفه إبنه، “سعود بن عبدالعزيز”، الذي حكم المملكة حتى عام 1964. ثم تولى المُلك من بعده خمسة من إخوانه، بمن فيهم الملك الحالي، “سلمان”، الذي يتولى زمام السلطة منذ عام 2015.
وبشكل عام؛ فإن مؤسس المملكة، “عبدالعزيز”، له حوالي 200 حفيد من أبنائه الملوك الستة فقط، إضافة إلى مئات الأحفاد الآخرين من أبنائه الباقين، (الـ 39)، الذين لم يحظوا بالتعيين في منصب الملك. ولقد توفي بعض الأحفاد، لكن معظمهم ما زالوا على قيد الحياة. ولقد تولى العديد من الأحفاد مناصب هامة في مؤسسات الحكم والجيش والمؤسسات الاقتصادية داخل المملكة، فأصبحوا يمتلكون الخبرة في الإدارة.
“بن سلمان” أقل خبرة..
ومن بين كل هذا العدد الكبير من الأحفاد – وخاصة أبناء إخوته الملوك السابقين – قام الملك الحالي، “سلمان”، في عام 2017، بإختار نجله، الأمير “محمد”، في منصب ولي العهد، كي يخلفه من بعده، وذلك على الرغم من أن أبناء عمومته أكبر منه سنًا وأكثر منه خبرة. تجدر الإشارة إلى أن الملك، “سلمان”، قد اختار في بداية الأمر عام 2015، ابن أخيه، الأمير “محمد بن نايف”، في منصب ولي العهد، لكنه تراجع عن ذلك بعد عامين، وقام بتعيين نجله الأمير “محمد”.
غضب الأحفاد..
بحسب “كيدار”؛ فإن اختيار ذلك الأبن الصغير الذي يفتقر إلى الخبرة، في منصب ولي العهد، قد أشعل غضب العديد من الأحفاد، ولا سيما أبناء الملوك السابقين، نظرًا لأن عامل السن في المجتمعات التقليدية بمنطقة الشرق الأوسط، هو الذي يحدد مدى الأفضلية في كل شيء: فالكبير له الأفضلية على الصغير، خاصة إذا كان الكبير يفوق الصغير في الخبرة والمعرفة.
إلا أن الملك “سلمان” قد استعان بما يُسمى “هيئة البيعة”، التي كان قد أسسها الملك الراحل، “عبدالله بن عبدالعزيز”، عام 2006، لاختيار وتعيين الملوك القادمين. وتضم تلك الهيئة أعضاء يمثلون جميع أبناء الملك المؤسس، “عبدالعزيز”، أي الملوك الستة وجميع إخوتهم الأمراء، وكل من توفي منهم يمثله إبنه.
يقود السعودية نحو الحداثة..
بعد تعيينه وليًا للعهد؛ إتخذ الأمير “بن سلمان” سلسلة من الخطوات حتى يقود المملكة نحو الحداثة، مثل إدخال مجالات جديدة في الاقتصاد والصناعة، والتكنولوجيا المتقدمة والسياحة، كي لا تعتمد المملكة “قطاع النفط”. كما سمح، ولي العهد، للنساء بقيادة السيارة ودخول الملاعب لمشاهدة الفعاليات الرياضية.
وعلى الجانب الآخر؛ فقد قلص صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وقال إن “المملكة العربية السعودية” يجب أن تتبنى نمطًا معتدلاً من الإسلام.
بالإضافة إلى ذلك، يعتزم ولي العهد بناء مدينة “نيوم” العصرية والحديثة، كمشروع مشترك بين “المملكة العربية السعودية” وكل من “الأردن ومصر”، كما أدلى “بن سلمان” ببعض التصريحات الإيجابية عن “إسرائيل”.
إبتزاز الأمراء وإهانتهم..
يشير “كيدار” إلى أن العالم كان قد تجاهل فعلاً خطيرًا للغاية إرتكبه، “بن سلمان”، في تشرين ثان/نوفمبر 2017 ، عندما اعتقل مئات الأمراء في فندق “ريتز كارلتون” الفاخر بالعاصمة، “الرياض”. وقام أتباعه بإستجوابهم بتهمة إرتكاب الفساد، وتم إبتزاز العديد منهم، فسلب مليارات الدولارات مقابل الإفراج عنهم.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في اعتقال وإبتزاز أموال الأمراء، بل في الإهانة الشديدة التي سببها لهم ولي العهد بعد اعتقالهم في قاعة الفندق؛ فاضطروا للنوم على الأرض أو على الكراسي. وثمة مشكلة أخرى تتمثل في مقتل اثنين من الأمراء عندما حاولا الفرار من الاعتقال.
حانت فرصة الانتقام..
أن ثقافة الشرق الأوسط – على حد وصف “كيدار” – تحُض الشعوب على الصبر وعدم التعجل، إتباعًا للآية القرآنية التي تقول: (إن الله مع الصابرين)، وللحكمة التي تقول إن “العجلة من الشيطان، والصبر من الرحمن”.
وعليه؛ فإن أبناء عائلة “آل سعود” الكبيرة، الذين تم تفضيل الشاب المتهور عليهم بتعيينه وليًا للعهد، والذين ذاقوا مرارة الإهانة داخل فندق “ريتز كارلتون”، ينتظرون بفارغ الصبر فرصة الثأر من “محمد بن سلمان”.
والآن أصبحت الفرصة سانحة أمامهم بأسرع مما كانوا يأملون، أما الذي هيأ لهم تلك الفرصة فهو ذلك الشخص المسكين، “جمال خاشقجي”.