مقال برهم صالح يثير جدلا في وسائل الإعلام و مراكز التحليل السياسيي
عقب عشرين عاما على الغزو الأمريكي للعراق وما تبعه من إقامة نظام سياسي جديد، لم يتوقع احد من المختصين، او الساسة المرتبطين بالملف العراقي، ان يصدر احد قادة “العراق الجديد” بحسب وصف شبكة أي بي اس، هجوما على النظام السياسي الحالي، معلنا فشله بشكل غير مباشر وداعيا خلاله الى تغييره بشكل “جذري”.
ذلك الهجوم لم يات بكل حال من أي سياسي عراقي، بل صدر عن رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، الذي نشر في الرابع والعشرين من ابريل الحالي ومن خلال صحيفة الفورين بوليسي الامريكية، مقالا هاجم خلاله العملية السياسية المقامة بعد عام 2003، موردا قائمة بما وصفها بالعوامل السلبية التي قادت الى الوضع الحالي في البلاد، معترفا بسيطرة الفساد على مقدرات الدولة، وفشل النخبة السياسية بتحقيق امال الشعب العراقي والوعود التي أطلقت عقب الغزو وتأسيس النظام الجديد.
النظام الذي وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش في مطالعتها العامة عن الأوضاع في العراق، بان اقامته “يدفع ثمنها الأكبر الشعب العراقي” مؤكدة وقوع نصف مليون ضحية لتغيير النظام وما تبعه من احداث، بالإضافة الى ملايين النازحين وبنى تحتية مدمرة بشكل شبه تام، حتى الان، بحسب المنظمة، ما يزال العراق غير قادر على تحقيق التقدم الملموس الذي يجب ان يكون عليه البلاد، بالإضافة الى عجزه عن تعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين.
النظرة العالمية لغزو العراق بكل حال، تختلف بشكل كبير عن نظرة الشعب العراقي اليها وبالتالي ما قدمه الرئيس السابق برهم صالح من خلال مقاله بحسب ما بينت صحيفة ذا كونفيرسشين الامريكية، التي قالت ان غزو العراق، الذي يعتبر الأساس الحديث الذي بنيت عليه السياسة الخارجية الامريكية بعد عام 2003، لا يمثل للشعب العراقي سوى جزء اخر من تاريخ البلاد “المعقد”.
النظرة “غير المعتادة” التي قدمها صالح من خلال مقاله عن الأوضاع في العراق والتحديات التي تواجهها البلاد، تركت اثرها على مضامين الاعلام الأجنبي بشكل عام والامريكي بشكل خاص، والتي رات فيها نظرة الى داخل أروقة السياسة العراقية تبين بشكل واضح الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن، وما قادت اليها من نتائج.
الصحيفة الامريكية التي نشرت تقريرها في السادس والعشرين من ابريل الحالي، بعد يومين فقط من مقال صالح، قالت ان الأمريكيين والذي ما يزال غالبهم حتى اللحظة “لا يستطيع إيجاد العراق على الخريطة”، لا يفهمون بشكل فعلي ما فعلته الولايات المتحدة في العراق، على عكس العراقيين الذين قالت ان فهمهم للحرب وما تبعها، هو “أعمق وأكثر فهما وذهب الى مسافات ابعد من مجرد التاثيرات المباشرة للغزو”، الامر الذي عكس من خلال مقال صالح.
العراقيون ما يزالون بانتظار العدالة التي يستحقون..
صالح وخلال مقاله الذي تلقتاه وسائل الاعلام الأجنبية واعادت نشره، اكد ان العراق وعلى الرغم من المنجزات التي تحققت عقب سقوط النظام السابق بقيادة صدام حسين، ومنها “تحرره من الدكتاتورية” وتمريره الدستور بالإضافة الى مروره بعملية انتقال سلمي للسلطة لست مرات متعاقبة، ما يزال حتى اليوم قاصرا.
البلاد ما تزال تعاني حتى اللحظة من “فشل في الإدارة، توتر عرقي وديني، انتشار هائل للفساد واستمرار لاثار الحرب الطائفية حتى اليوم”، بحسب صالح، متابعا “حتى اليوم ما يزال العراقيون ينتظرون العدالة وفوائد الديمقراطية التي يستحقون، ولا يجدون”، مشددا “لا يمكن ان ندعي التفاجئ من انتشار الغضب الشعبي وفقدان الثقة بالعملية السياسية، امر ترجم الى عزوف نصف المؤهلين للمشاركة بالانتخابات عن التصويت”.
الرئيس العراقي السابق اكد أيضا ان “كافة الطوائف والمكونات العراقية” تتشارك الان بالغضب وفقدان الثقة بالعملية السياسية، موضحا “السنة، الاكراد والشيعة وباقي المكونات، تتشارك الان بعدم رضاها على العملية السياسية وما اظهرته من نتائج، امر بات واضحا جدا من خلال التظاهرات التي تكررت عبر السنوات الماضية”.
النظام الحالي ولد من “الخوف”.. تأثيرات أمريكا ما تزال تحكم البلاد
نظام الخوف، هذا ما وصفه به معهد بيو للبحوث الامريكية ليس النظام العراقي فحسب، بل الأجواء والظروف التي قادت لخلقه في داخل الولايات المتحدة منذ العام 2003 وحتى اليوم، موضحا بان الغزو الذي استخدم واظهر القوة العسكرية الامريكية بالكامل، قاد الى نتائج عكسية، بدلا من رفع مستوى سيطرة الولايات المتحدة، فقد قاد الى “فقدان ثقة عام بالسلطة الامريكية، وابعاد للحلفاء عن النهج الأمريكي”.
المعهد بين ان 62% من الأمريكيين يرون بان حرب العراق لم تكن تستحق الخوض فيها لما قادت اليه من نتائج سلبية على العراق والولايات المتحدة ذاتها، مبينة، ان “ثقافة الخوف” التي حرصت الإدارة الامريكية على استخدامها كمبرر للغزو عام 2003، انتقلت الى العراق خلال إقامة نظامه الجديد، الامر الذي أكده صالح في مقاله.
النظام العراقي الجديد أقيم على أساس “الخوف” على حد قول صالح، موضحا “الشيعة كانوا خائفين من ان يسيطر عليهم من قبل الأقلية السنية كما حصل خلال فترة حكم صدام حسين، الاكراد خائفون من ظهور دكتاتورية مركزية جديدة، والسنة كانوا غائبين بشكل شبه تام عن العملية السياسية”، عملية الخوف بحسب صالح قادت الى خلق نظام “ضعيف” غير مركزي معتمد على نظم فدرالية برلمانية، الامر الذي قاد أيضا الى سيطرة “عوامل خارج الدولة” على النظام وادارته.
النظام الحالي “انتهى امره”… حان الوقت لــ “نظام جديد”
العراق بحاجة الان الى “إصلاحات جذرية”، هذا النظام بحسب صالح “قد انتهى امره”، موقف يبدوا ان وسائل الاعلام الأجنبية بشكل عام والأمريكية قد اتخذته أيضا من خلال مضامينها التي توقعت ان ينتهي نظام المحاصصة الحالي بشكل “غير سلمي” اذا ما استمر على نهجه الحالي بحسب أي بي اس، ومعهد دراسات الشرق الأوسط.
المعهد الذي اكد خلال تقرير له ان “الحل للنظام العراقي الحالي هو الحل”، اكد الى ان العراق يعاني الان من “ازمة نخبوية.