في المغرب ؛ تواضع أداء الحكومات السياسية تعيد التكنوقراط إلى الواجهة
بقلم : عبداﻹله العلمي
– سنقتصر على مرحلة ما بعد حالة اﻹستثناء كون الفترة القبلية شهدت صراعا مريرا بين القصر الملكي و أحزاب الحركة الوطنية أفضى إلى إنفتاح المؤسسة الملكية على الأحزاب السياسية بعد العمليتين اﻹنقلابيتين، ثم حدث المسيرة الخضراء –
بوصول حزب العدالة والتنمية إلى مركز تدبير الشأن العام الوطني يكون الجهاز التنفيذي قد استوفى معضم المدارس الحزبية،و المجسدة لمختلف اﻷطياف اﻹيديولوجية بيمينها و يسارها و إسلامييها،موزعة بين ممن انهالت ممارستها من توجيهات القصر الملكي نظير اﻷحزاب اﻹدارية ،أو لتلك التي وظفت البعد الجماهيري متوجسة نبض الشارع في وصولها إلى الحكم بدءا من تجربة التناوب مع مدرسة اليسار،فحزب اﻹستقلال،ثم اﻹسلاميين و الذين بسطوا سيطرتهم على الحكم منذ تشريعات2011 .
إذا كانت اﻷحزاب الشبه سياسية لم تتحمل المسؤولية كاملة في تدبير الشأن الوطني كاﻹتحاد الدستوري سنة 1983 و هو يستجدي المدرسة الليبرالية في كيفية تفويت القطاعات العمومية بهدف تسديد مستحقات المملكة لمؤسسة بريتون وودز بعيد أزمة الديون التي سيواجهها دول العالم الثالث بعد تقلب سعر الدولار،و ذلك بإيعاز من العاهل المغربي و هو يقوم بتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي،فالتجمع الوطني للأحرار قد سبقه لملامسة الجهاز التنفيذي في نهاية عقد السبعينات،عند تأمين الراحل الحسن الثاني صهره أحمد عصمان على مجموعة اللا منتمون داخل مجلس النواب عقب فوزهم فيما يشبه بالتعيين نظير فرز اصوات الناخبين على مقاس وزارة الداخلية (إنتخابات1977) بإضفاء شرعية سياسية عليهم من خلال تمكينهم من البطاقة الزرقاء.
و عليه فإذا كانت حصيلة الحزبين خارج نطاق التقييم السياسي نظرا لطابعهما الغير الشعبي،فالتنظيمات الجماهيرية ستناقض برنامجها السياسي و فلسفتها اﻹيديولوجية حيث سيزيغ اﻷول(اﻹتحاد اﻹشتراكي للقوات الشعبية بمعية غالبة الرفاق اﻷخرون سنة 1998) على نهجه المتمثل في تعزيز الملكية العامة/مطلب الطبقة الكادحة،و التي تشكل عقيدة المدرسة اﻹشتراكية بعد تفويته أغلب القطاعات الحيوية إلى المنعشين الخواص،متجاوزا بشكل كبير ما أقدم عليه ااﻹتحاد الدستوري ذو النزعة الليبرالية( )،هذا و تعتبر فضيحة 40000 طالب المنحدرين في غالبيتهم من اﻷسر الضعيفة،و هم يقومون بعملية الفحص الروتيني لدى إحدى المصحات المملوكة gلصهر اﻷمين العام للحزب و رئيس الحكومة بهدف العمل في شركة و همية ( النجاة ) بمثابة وصمة عار على حزب اﻹستقلال،سيما إذا ذيلت هاته الحادثة بتدبير شؤون العاصمة العلمية للمملكة من طرف نفس التنظيم السياسي و هي تفقد بريقها لصالح الركود اﻹقتصادي و تنامي معدل الجريمة.
بيد أن التيار الثالث سيضرب بعرض الحائط وعوده اﻹنتخابية الذي آمن بها المواطن و هو يدليه صوته بكل ثقة، بعد إقتناعه بخطاب زعيم البيجيدي و هو يلوح بشعارت من قبيل محاربة الريع السياسي،و الضرب من حديد على أياد المفسدين، مع تحسين القدرة الشرائية للمواطن فوق منبر حملة العشرة أيام.فكان أن تعززت ثقافة الريع هاته و نواب اﻷمة يتلقون اﻹكراميات السخية من صندوق الدولة، كما سيرفع عبداﻹله بن كيران (رئيس الحكومة) الراية البيضاء في مجابهته للفساد حيث سيتذرع بوجود “التماسيح و العفاريت”، ليظفي على عجزه هذا طلاء دينيا من خلال عبارته “عفا الله عما سلف”،و مع الزيادة الصاروخية التي ستطال سوق المحروقات و إنعكاساتها على إرتفاع أسعار المواد الإستهلاكية سيضعف بشكل ملحوظ قدرة المواطن التسويقية،ليكون الحزب قد ناقض مرتكزه الثالث في الحملة اﻹنتخابية،ناهيك على تطبيق نظام التعاقد و حرمان فلذات الطبقة الدنيا من الوظيفة العمومية، بل و باعتماده الساعة القانونية إنصياعا لإملاءات الباطرونا،سيحول حياة المغاربة إلى فوضة تنظيمية.
و تأكيدا لوضاعة اﻷداء الحزبي، عرفت مجموعة من تدابير الشأن العام خروقات أحجمت البناء السليم للدولة، كفضيحة أرباح سوق المحروقات المقدرة ب 1700 مليار سنتيم بطلها الزعيم التجمعي، أو تبذير 23 مليار سنتيم في صيانة ملعب الرباط من طرف العضو الحركي و الذي أنتخب كأحد نواب رئيس البرلمان،أو إمتناع أحد أعضاء حزب التجمع الوطنى للأحرار من أداء ما بذمته الضريبية إلى صندوق الدولة،و أحداث أخرى كالفضيحة المدوية التي تروج حاليا بالمملكة وأبطالها وزيرين محسوبين على حزب الحكومة الملتحية الغير مصرحين بكتابهما في صندوق الضمان اﻹجتماعي.
من جهة ثانية،ستكشف جائحة كورونا هزالة مستوى الحكومة المنتخبة في تدبيرها للأزمة، لصالحة قوة الرصد من طرف القصر و محيطه ،دون إغفال رفض نواب اﻷمة المساهمة الفعالة في الصندوق المستحدث لمساعدة اﻷجراء و المعوزين بهدف ضمان برنامج الحجر الصحي، بالمقابل،فبمحاولة فرض قانون 22.20 القاضي بتجريم تعاليق الفيسبوك وهي خطوة تروم إلى تقييد الحريات العامة،تكون الحكومة و البرلمان بغرفتيه قد عملوا على قطع جسر التواصل بين المواطن و صناديق الاقتراع في القادم من اﻹستحقاقات.
و مما يزيد من تعقيد المشهد اﻹنتخابي مستقبلا،وجود تيارين يجسدان للعهد القديم كونهما تأسسان داخل البلاط السلطاني،و في ذلك تقويض للممارسة الديمقراطية ما دامت شرعية وجودهما خارج اﻹطار الشعبي،بل و غير مرحب بهما سواء في اﻷدبيات الفكرية أو اﻹجتماعية، و هما تواليا حزب اﻷصالة و المعاصرة بتصوره الحداثي المناقض للخاصية الفكرية للمواطن المغربي ذو النزعة المحافظة المغذاة في شموليتها من الخطاب الديني و الممزوجة باﻷعراف و التقاليد، ثم التجمع الوطني للأحرار و الذي أضر زعيمه كثيرا بسمعة الحزب نظير إغلاقة مصفاة المحمدية،و إحتكاره لسوق المحروقات،مما نجم عنه تبعات جد سلبية، تمثلت باﻷساس في ضرب القدرة الشرائية للمستهلك،بعد تسقيف الحياة المعيشية.
هذين التنظيمين هما من يحاولا إستمالة أصوات الناخبين لسنة 2021 في أفق خلافة إخوان العثماني على رأس اﻹستوزار.
و إجمالا فقد كشف ضعف و تناقض الحكومات السياسية على هشاشة البناء الحزبي و عدم قدرته على التجنيد الوزاري، و هذا ما عبر عنه العاهل المغربي في أحد خطب العرش،حين صرح بكون اﻷحزاب المغربية لا تتوفر في أغلبها على إيديولوجية واضحة المعالم،و أمام هذا الوضع أصبحت اﻹستعانة بحكومة كفاءات في شكل تكنوقراط شرا لا مفر منه،بهدف إعادة التوازن لتدبير الشأن العام الوطني، و فسح فرصة جديدة و موسعة إلى الأحزاب السياسية من أجل إعادة ترتيب بيتها الداخلي فكريا و تنظيميا، عملا بقولة فلاديمير لينين: “خطوة للوراء، خطوتان للأمام”.