لايفصل رئيس الوزراء عن ثوار التحرير سوى نهر دجلة الذي باتت امواجه تردد هتافات المنتفضين ، ولو وقف عبد المهدي على سطح قصره المخملي المنيف ، وخاطب المعتصمين في ( جبل احد التركي) لسمعوه بوضوح ، فلا حاجة اذن لرسائل و( ومكاتيب) من حاكم لم يعد يحكم احدا الى شباب العراق الذين يقف العالم كله اجلالا لبسالتهم وشجاعتهم ونبل اهدافهم !
جرب الخطابات المتلفزة فأدرك انها تعمق الازمة، وتزيد المحتجين اصرارا ، بل تجعلهم على يقين ان لامعنى للاستماع ، ولا للحوار مع من شيعوا ضمائرهم الى مقابر النذالة ، وأسسوا لنظرية ( نصم الذان حتى يتعب الشبان )!
في الهزيع الاخير من العمر فقد عبد المهدي القدرة على التركيز، وفقدت كلماته وهجها فجاءت خافتة باهتة تائهة لاتصيب هدفا، ولا تنظوي على معنى !
ليس بين مستشاريه حصيف واحد نصحة بان يكف عن الخطابات لكنه اكتشف بنفسه ان ظهوره خطيبا او متحدثا او ناصحا او متوسلا يزيد من عزلته وكراهية الناس له فاختار ان يبعث برسائل الى المتظاهرين الذين يقفون قاب قوسين او ادنى عن مقره الرئاسي!!
رسالة باهتة هي الاخرى، لم تقدم علاجا ، ولم تشخص مرضا ،ولم تطيب خاطرا ، كل ماجاء فيها هلوسات لرجل يعيش خارج العصر والزمان!
انا عبد المهدي كيف تسمعونني ؟ يجيب الثوار بصوت واحد: شلع قلع كلكم حرامية! يواصل اكمال رسالته من تحت الماء: أجلنا معرض بغداد بسبب تظاهراتكم !! يجيبه المنتفضون: يعادل شيل ايدك والمنحة خلها بط…..!! يواصل: تظاهراتكم هزت الدولة ! ييجيبون: الفاسد برة برة بغداد تبقى حرة!!
كان المحتجون قد سمعوا عبد لمهدي يقول ذات يوم: انه مستعد ان يذهب الى ساحة التحرير ليستمع الى مطاليبهم ، وتوقع بعضهم ان الرجل سيصدق هذه المرة !
كانت عيونهم تصبوا نحو الجانب الاخر من دجله عسى رئيس الحكومة يعبر الجسر ليقول لهم بصوت متماسك غير مرتجف : انتم الشعب وقد فضلت ان اكون بينكم ، واخاطبكم من غير وسطاء .. اذا كانت المشكلة بي انا بن عبد المهدي المنتفجي فانني اعلن استقالتي امامكم !