طرقت الرئاسة أبواب عادل عبد المهدي بعد طول انتظار، جاءته في لحظة ربما لم يكن متحمسا فيها للمنصب كما كان قبل
سنوات ، أجمع عليه الاصدقاء والغرماء، الخصوم والحلفاء ، لا لكونه ألاكفأ والأقوى والأكثر مقبولية ، أوالماسك بعصى موسى
التي سيشق بها طريقه الى النجاح رغم انف المحاصصة والمتحاصصين ، بل لان الصفقة قد رست عليه، ولأن اللاعبين الكبار
قد (توافقوا ) على مبصر بين عميان ، قبل أن يتفقوا على جدارته ،وقدرته على الابحار بالسفينة في بحر هائج مائج! يعلم عبد
المهدي انه خيار اللحظة الحرجة والمرحلة الحرجة ، ويعلم ايضا ان نجاحه في مهمته الاكثر حراجة قد يكون حلما عصيا على
التحقق ، لكنه قرر أن يجرب، واضعا استقالته في جيه ، مرددا قول الشاعر: مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى
مشاها سيمشي الرجل على الطريق الشائك لكنه كم سيقطع منه قبل أن يقر بالفشل ؟ تلك هي المحنة والامتحان!! ربما
لم تكن الكتل السياسية ورؤوسها بحاجة الى مرشح لرئاسة الحكومة كحاجتها الى عبد المهدي اليوم ، ذلك لان الرجل لم
يسع اليها ، بل نودي عليه رئيسا ، وبالتالي فهو لم يكن بحاجة الى استرضاء هذا ، أوالتنازل لذاك ، كما انه ليس ملزما بقطع
العهود ،واعطاء الوعود مقابل الظفر بالمنصب ، كما فعل بعض أسلافه ! هو قوي لانه زاهد بها ، وقوي بحكم ان الخيارات
محدودة ، وقوي لانهم أرادوه المنقذ في لحظة بات المركب مهددا بغرق محتوم ! في ضوء كل ذلك هل سينجح عبد المهدي(
القوي بالفتراض) ، أم سيتوقف في بداية المشوار، ويترك الجمل بما حمل؟ ارى ان فرص الفشل امام عبد المهدي لاتقل عن
فرص النجاح على وفق فرضيات حاكمة ولا حياد عنها: اولها: ان يصر رئيس الوزراء المكلف على تشكيل حكومته ممن تقدموا
لاشغال المناصب عبر الايميل ، بمعنى انه سيترك خيار تشكيل الحكومة ل (ألايميل ) ، وأن ينتدب فريقا متخصصا في فحص
الاسماء وغربلتها واختيار المناسب منها ، ومن ثم يذهب الى تطعيم كابينته باسماء سياسيين يتوافرون على الحد الادنى من
مواصفات المقبولية ! نجاح هذا الخيار يعتمد على جدية الكتل السياسية في منحها حرية حقيقية لعبد المهدي في اختياره
وزرائه، وهذا امر مشكوك فيه منذ البداية ، بل ان عبد المهدي نفسه ، بحكم احتكاكه ومعرفته المعمقة بقادة الكتل والاحزاب ،
يعلم جيدا انهم يخدعونه ، وانهم يقولون مالايفعلون! ثانيهما: ان يختار تكنوقراط حزبيين او قريبين من الاحزاب وهنا سيقع
بالخطأ الاكبر ، لان هؤلاء سيكونون ادوات طيعة بيد من رشحوهم ودعموهم ، وليس بامكانهم ان يقولوا لا ، وستعود سطوة
الاحزاب ، وتسلطها على مقدرات الدولة اقوى مما كانت عليه في جميع الحكومات السابقة! ثالثهما: ان يرضخ ويقبل بحكومة
محاصصة ، وان بثوب ومظهر مختلفين وبالتلي فانه سيدخل في الدوامة ذاتها التي دخلها اسلافه طائعين او مرغمين! لافرق
بين من يقبل بالحاصصة طائعا أو يرضخ لها مرغما لان المخرجات ستكون واحدة ، والنتائج متشابهة بل متطابقة! قبل هذه
الفرضيات هناك سؤال ضاغط قد تنسف الاجابة الشجاعة عليه كل ماقيل عن اطلاق يد عبد المهدي في اختيار وزرائه من غير
ترغيب ولا ترهيب والسؤال هو: هل تتخلى الاحزاب عن ( استحقاقاتها) في المناصب الوزارية ، وهل هي مستعدة فعلا ان
تغسل أيديها من نتائج الانتخابات ، وتقف على التل تنظر لعبد المهدي ووزرائه المستقلين وهم يديرون الدولة برؤية مهنية
مسؤولة ،وروح وطنية خالية من براثن المحاصصة والمحسوبية والفساد؟ اي رصد وفحص لسلوك تلك الاحزاب ، حتى لو كان
عابرا وسطحيا ، يدحض اية فرضية تذهب باتجاه تخليها عن غنيمتها التي تخطط للظفر بها ، بل ان وجود تلك الاحزاب مرتبط ب
ا بحصصها من تلك الغنيمة! ليس امام عبد المهدي سوى خيارين فاما ان يكون رئيس وزراء (الايميل ) ووزارة كهذه لن تصمد
طويلا في موجهة غول الفساد المتوحش ، ولن تقوى على منازلته ، او أن يشهر استقالته معلنا ان الطريق شائك والمهمة مستحيلة !