ديمقراطية العراق والسلطة ؟
الديمقراطية في العراق بعد عام ٢٠٠٣ سُميت ديمقراطية (حسم الأكثرية ) وهو مبدأ ديمقراطي هام جداً ، يتصل بالتعددية ويعني ان الأكثرية في الدولة هي التي تحكم وتتبع سياسة تناسب وجه نظرها وأهدافها لكنها تمنح الأقليات حقوق من أجل المنافسة على السلطة والتحول إلى أكثرية في المستقبل .
يمكن للأكثرية ان تكون دينية ،قومية سياسية .
ويبقى حسم الأكثرية هام جداً لأنه يعتبر من قواعد اللعبة الديمقراطية وهناك عدة تعديلات تبين اهميته في النظام الديمقراطي ؛ لان حسم الأكثرية أقرب للشعب من الأقلية ، وحسم الأكثرية يضمن استقرار السلطة وعدم الانجرار الى الفوضى .
بالتأكيد في اي بلد لايمكن ان يحصل اجماع على موضوع معين ، لذا سنقبل بحكم الأكثرية انتصاراً لنهج الديمقراطية كمضمون عمل ، وليس عنوان تم تفريغ محتواه ،
ولكي يتم تقييد السلطة التي وفق هذا المنهج ستسيطر على الموارد الاقتصادية ، الموارد البشرية ، مصادر المعلومات ، اجهزة فرض القانون ، وبما أن السلطة تتمتع بكل هذا النفوذ وخوفاً من ان تتحول الى سلطة مستبدة وجدت عدة ووسائل لتقيد السلطة ولمنعها من التعدي على حقوق الإنسان والمواطن والتعدي على حقوق الأقليات ولمنعها من الاستبداد والظلم للشعب ومن بين هذه الوسائل هو العمل بمبدأ فصل السلطات ، الإنتخابات وامكانية تبديل السلطة ، سلطة القانون وأجهزة الأشراف والمراقبة
لذلك كان لابد العمل بمبدأ فصل السلطات وهو مبدأ هام جداً في الدولة الديمقراطية ويهدف الى تقيد السلطة وخصوصاً وأنها تتمتع بقوة هائلة وصلاحيات واسعة جداً .
أول من نادى بفصل السلطات هو مونتسكيبة وطور الفكر جون لوك وعين ثلاث سلطات ؛ تشريعية ، تنفيذية وقضائية .
شهدت التجربة الديمقراطية ما بعد عام ٢٠٠٣ في العراق مبدأ فصل السلطات ، ولكن لم تفصل السلطات تطبيقاً للمشروع الديمقراطي وامتثالاً لمبادئه السامية ، بل للاسف تم توزيع السلطات والرئاسات وفق التقسيم الطائفي والعرقي ، مما تسبب بخرق كبير لمفهوم الديمقراطية التي تؤكد على انها اغلبية “عدالة اجتماعية” وليس مشروع لترسيخ الانقسام داخل البلد الواحد، نحن بأمس الحاجة لفهم الديمقراطية لا كعنوان بل جوهر ومضمون لنتمكن من التعامل مع المشروع الديمقراطي كمشروع انقاذ وطني وتنمية فكرية ونقلة نوعية ، لا كمشروع لطمس الهوية وزرع الخلافات والتسابق على التمدد على حساب الاخر ، وهذا فعلاً ماحدث في العراق ، حيث لاتوجد قاعدة مهيئة للتعامل مع لمشروع الديمقراطية ولاتوجد بيئة ناضجة لهضم مفاهيم الديمقراطية ، وبالتالي اصبح المشروع الديمقراطي بيئة دخيلة منعزلة عن البيئة العراقية المعتادة ،
نحتاج ان نسير على خطى المشروع الديمقراطي وفق مامرسوم له علمياً منهجاً وعملاً ، لكي نضمن اننا ضمن المسيرة الصحيحة باتجاه انقاذ البلد من واقع التخلف والتراجع الذي سببته الحروب والصراعات والمناكفات السياسية وكخطوة اولى ؛ علينا فك الاشتباك مابين السلطات لكي نحافظ على اداء مستقل ومحايد بعيداً عن التأثر بالضغوط الحزبية او المذهبية والقومية . كي نضمن سير المشروع الديمقراطي بالاتجاه الذي يحافظ على حقوق الأقليات وعدم استبداد الأكثرية ، ان الخوف والرعب الذي صاحب تنفيذ المشروع الديمقراطي في العراق هو ان الانتخابات تجري بقانون انتخابات هو نتاج افكار احزاب وليس جهه محايدة اي ( القانون مفصل لخدمة الاحزاب ويقصي المنافسين ) بل ويمنع من ان تتوفر الاجواء المناسبة لرفد العملية السياسية بوجوه جديدة ومستقلة وتشعر بالهم العراقي كونهم لايستطيعون مجاراة الاحزاب الكبيرة ولايتيح القانون الانتخابي لهم فرصة التنافس ، وكذلك بعد اجراء الانتخابات سيكون البرلمان مسؤول عن اختيار رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء والتصويت على الكابينة الوزارية ، بما معناه ( مشيلي ومشيلك ) هنا يكمن خطر احتضار المشروع الديمقراطي الذي قوض بفعل القوى السياسي الفاعلة ليتحول الى ديمقراطية احزاب تعمل تحت شعار (لو نلعب لو نخرب الملعب ) علماً ان من ساعد على تلك الخطوات هو الدستور العراقي الذي كُتب على عُجالة على أمل تعديل كثير من فقراته فيما بعد الا ان التعديل لم يتم الاتفاق عليه لغاية كتابة هذا المقال ،
البرلمان المنطلق الاول وفق الدستور لتشكيل باقي السلطات وفق التوافقات السياسية داخل قبة البرلمان ووفق نظام التراضي الذي يمنح الاقلية منصب على ان يتم اختيارة والموافقة علية من قبل الاكثرية كونا هي التي تصوت بالاغلبية ويجب ان يكون ميول الشخص الذي يقع عليه الاختيار قريب من الاكثرية .
هكذا تسير الامور مع باقي المناصب وأختيار السلطات والهيئات ” المستقلة ” وفي ظل هذا التنافس المحموم لتفصيل المشروع الديمقراطي وفق ارادة جهه واحدة هو دليل قاطع على فشل وموت المشروع الديمقراطي ، ودخول البلد حالة من الضياع وفقدان البوصلة وسيؤدي الى ضعف سياقات العمل الاداري السليم والتخبط في التخطيط والتداخل بين السلطات وفق المصالح الحزبية او مصالح الاكثرية .
عندما نقول ان المشروع الديمقراطي يحتظر في العراق فابسط دليل هو اختيار (مفوضية الانتخابات المستقلة من ممثلي الاحزاب) فكيف نضمن استقلاليتها . وتقسم على جهات حزبية معروفة حسب تمثيل الجهه وحجمها البرلماني ان كان على مستوى الميول الطائفي او الحزبي ، وكيف من لايملك ارتباط حزبي ولديه كفاءة ونزاهه وقدرة على العمل بعيداً عن الانحياز لطرف على حساب الاخر فرصة المنافسة ؟ هذا للاسف لن يجد مكاناً ، لذا ما أمامنا اليوم ان اردنا ان ننقذ ماتبقى من المشروع الديمقراطي والذي بدوره سينعكس على انقاذ البلد الا ان نتخذ خطوات جريئة في حل كل الهيئات المستقلة واستبدالها بكفاءات غير خاضعة لارادة الاحزاب والعمل بجد على فصل السلطات واخراجها من قوقعة التخندق الطائفي ،القومي والحزبي
ومنح فرصة حقيقية وجادة لاصحاب مشروع الوطن المرتبطين بالعراق فقط بتسنم بعض المناصب لكي نغير صورة العراق العليل وديمقراطيته المشوهه ، في ظل فقدان السيطرة الكاملة على مجريات الاحداث في البلد من قبل المتمسكين بالسلطة ، مما ضاعف ذلك من شَدّة الخلافات والاختلافات التي تكاد ان تطيح بالتجربة الديمقراطية برمتها ، ويبقى الإيثار والتضحية هو السبيل الوحيد لمشروع الخلاص والمراجعة الجريئة الطريق الاقصر لتصحيح المسار .
بقلم / كامل كريم الدليمي