في خطوة انقلابية، أدى رئيس البرلمان في فنزويلا، “خوان غوايدو”، الأربعاء الماضي، اليمين رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وذلك بعد أن اعتبرت المعارضة أن حكم “نيكولاس مادورو” غير شرعي، وفي الوقت ذاته سارعت “واشنطن” إلى الإعتراف بـ”غوايدو”.
“غوايدو”، رئيس الجمعية الوطنية في البلاد، أدى اليمين أمام حشد كبير، فيما نزل مئات الآلاف من مؤيديه، ومناصري “مادورو” إلى شوارع العاصمة، “كراكاس”، وسط دعوات للجيش وقوات الأمن إلى دعم الديمقراطية وحماية المدنيين، حيث اشتبكت الشرطة الفنزويلية مع معارضي “مادورو” في شوارع العاصمة.
فيما أعلن وزير الدفاع الفنزويلي، “فلاديمير بادرينو”، أن الجيش يرفض إعلان رئيس البرلمان، “خوان غوايدو”، نفسه “رئيسًا بالوكالة” لـ”فنزويلا”.
وكتب الوزير، على (تويتر)، أن: “اليأس والتعصب يقوضان سلام الأمة. نحن، جنود الوطن، لا نقبل برئيس فُرض في ظل مصالح غامضة، أو أعلن نفسه ذاتيًا بشكل غير قانوني. الجيش يدافع عن دستورنا وهو ضامن للسيادة الوطنية”.
قبيل إعلان “غوايدو”، كانت “المحكمة العليا”، أعلى سلطة قضائية في “فنزويلا”، قد أعلنت أنها أمرت بإجراء تحقيق جزائي ضد أعضاء البرلمان، متهمة إياهم بالسعي لاغتصاب صلاحيات “مادورو”.
واشنطن تعترف بزعيم المعارضة..
وفي أسرع رد فعل دولي؛ أعلن “دونالد ترامب”، إعترافه بزعيم المعارضة الفنزويلية رئيسًا انتقاليًا للبلاد، داعيًا الدول الغربية إلى حذو حذوه.
قطع العلاقات الدبلوماسية..
وهو الأمر الذي جعل “مادورو” يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية بين “فنزويلا” و”الولايات المتحدة”، معطيًا موظفي “السفارة الأميركية” مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد.
مؤكدًا، في كلمة أمام حشد من أنصاره في العاصمة “كاراكاس”: “لا نريد العودة إلى عهد التدخلات الأميركية. سأبقى في قصر الرئاسة مع أصوات الشعب الذي ينتخب رئيسًا دستوريًا لفنزويلا”.
وأعلن قبوله دعوة، “المكسيك” و”أوروغواي”، للحوار بين الحكومة والمعارضة في “فنزويلا” من أجل حل الأزمة السياسية التي تعصف بالدولة الواقعة في “أميركا اللاتينية”.
فيما تعهد “ترامب” بأن “تلقي الولايات المتحدة بكل ثقلها الاقتصادي والدبلوماسي من أجل استعادة الديمقراطية في فنزويلا”.
أما وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، فقد دعا “الجيش الفنزويلي” وقوات الأمن إلى “دعم الديمقراطية وحماية المدنيين”، مطالبًا “مادورو” بالتنحي لصالح “الرئيس الشرعي الذي يعكس إرادة الشعب الفنزويلي”.
خيارات مفتوحة..
من جانبه؛ قال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، إن: “كل الخيارات مفتوحة إذا إعتدى مادورو على أعضاء الجمعية الوطنية”، لافتًا إلى أن العقوبات الحالية على “فنزويلا” هي “جزء بسيط من الإجراءات التي يمكن إتخاذها”.
ليس هذا فقط؛ وإنما دعت “واشنطن” أيضًا، “مجلس الأمن الدولي”، إلى الإلتئام لمناقشة الأزمة في الدولة الواقعة في “أميركا الجنوبية”.
وعلى نفس الموقف أعلنت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، “فيديريكا موغيريني”، أن الاتحاد يدعم برلمان فنزويلا “كمؤسسة منتخبة ديمقراطيًا”، ويدعو لاستعادة الديمقراطية على أساس دستوري، متبنية الموقف الأميركي، لكن بصيغة أكثر دبلوماسية.
كما أعترفت “الحكومة الكندية”، و”منظمة الدول الأميركية” و”البرازيل” و”كولومبيا”، بـ”غوايدو”، رئيسًا للبلاد.
المكسيك تفضل عدم التدخل..
في المقابل؛ أعلنت كل من “روسيا” و”المكسيك” أعترافهما بسلطة “مادورو”، وقال المتحدث باسم الرئيس المكسيكي، “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور”، إن بلاده “تؤيد مادورو رئيسًا لفنزويلا، ونعترف بالسلطات المنتخبة وفقًا للدستور الفنزويلي”.
فيما إتخذت “المكسيك” موقفًا بعدم التدخل في “فنزويلا” تحت قيادة، “أوبرادور”، اليساري الذي تولى منصبه في كانون أول/ديسمبر 2018، معلنًا أن سياسته الخارجية تقوم على مبدأ “عدم التدخل” في شؤون الدول الأخرى.
روسيا تدعم “مادورو” وترفض تدخل أميركا..
وعن موقف “روسيا”، أعرب الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، في اتصال هاتفي مع نظيره الفنزويلي، عن دعمه للسلطات الشرعية في البلاد في ظروف تفاقم الأزمة السياسية الداخلية المستفزة من الخارج.
وقال “الكرملين”: “أعرب رئيس روسيا عن دعمه للسلطات الشرعية في فنزويلا؛ في سياق الأزمة السياسية الداخلية المستفزة من الخارج. وشدد على أن التدخل الخارجي غير البناء ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي. ودعا لإيجاد حل في إطار الدستور والتغلب على الخلافات في المجتمع الفنزويلي من خلال الحوار السلمي”.
وقال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، “قسطنطين كوساتشوف”: “مهما حدث في فنزويلا، فإن ذلك يعتبر شأنا داخليًا”.
مضيفًا أنه: “يجب دعم الشعب الفنزويلي بتطوير التعاون مع هذا البلد ومساعدته على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، وليس بحصاره. السياسات الأميركية تجاه فنزويلا، بما فيها التصريحات الأخيرة، تعتبر تدخلاً سافرًا وفظًا في شؤونها الداخلية”.
انتفاضة عسكرية قصيرة..
وكان “غوايدو” قد أعلن، الجمعة، أنه مستعد لتولي رئاسة البلاد، بعدما اعتبرت المعارضة أن فترة الولاية الثانية لـ”مادورو” غير شرعية.
وقد خرجت موجة من الاحتجاجات في “كراكاس”، يوم الاثنين الماضي، إثر انتفاضة عسكرية قصيرة بثت الأمل في أن يتمكن رئيس الكونغرس الجديد من توحيد المعارضة والإطاحة بـ”مادورو”.
وفي مقابلة مع (رويترز)، الثلاثاء الماضي، قال “غوايدو”، (35 عامًا)، إنه “ينوي إذا أصبح رئيسًا أن يوفر حماية قانونية للجنود والمسؤولين المنشقين”، لكنه قال: “ستطبق العدالة بحق أولئك الذين إرتكبوا أفعالاً مشينة”.
وأضاف: “ظللنا طيلة 20 عامًا نعاني هجمات. قتلوا زعماء سياسيين وسجنوا آخرين، وتعرضت أنا للخطف لبضع ساعات، قتلوا أصدقائي”.
فترة رئاسية ثانية..
وكان “مادورو” قد أدى، الخميس الماضي، اليمين الدستورية لفترة ولاية ثانية متحديًا منتقديه في “الولايات المتحدة” وبعض دول “أميركا اللاتينية”، وذلك بالرغم من الأوضاع السياسية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وسجنت حكومة “مادورو” العشرات من النشطاء وقادة المعارضة بتهمة السعي للإطاحة بالرئيس، خلال مظاهرات في عامي 2014 و2017.
كما قُتل 125 شخصًا في اشتباكات مع الشرطة، في احتجاجات عام 2017.
لازال الموقف غير محدد..
عن الانقلاب، قال “ماك شرقاوي”، عضو “الحزب الديموقراطي”، والمحلل السياسي، إن: “الجيش لم يبارك انقلاب غواديو على السلطة، لكن لازال الموقف غير محدد، خاصة بعد أن أبلغ الرئيس مادورو، المحكمة الدستورية العليا، بالتحقيق مع الجمعية الوطنية في انقلاب زعيمها وإعلانه أنه رئيس مؤقت للبلاد، كما أن الإجراءات التي إتخذها، مادورو، بطرد البعثة الدبلوماسية ردت عليها واشنطن بأنها مستمرة في التمثيل الدبلوماسي وستتعامل مع غواديو باعتباره الرئيس، ومن المتوقع أن تعتبر واشنطن هذه البعثة ذريعة للتدخل عسكريًا لحماية بعثتها، وأيضًا لتعضيد موقف غواديو”.
وأشار “شرقاوي” إلى محاولات أميركية سابقة للإطاحة بـ”مادورو” بالتنسيق مع ضباط متمردين في الجيش، وقال إن “ترامب” أشار في وقت سابق؛ إلى أن كل الخيارات مطروحة في “ملف فنزويلا” بما فيها الملف العسكري.
إنتهاك للدستور الفنزويلي..
من جانبه؛ أكد الخبير في شؤون بلدان أميركا اللاتينية، “نبيل خليل”، أن: “تنصيب رئيس البرلمان لنفسه كرئيس للمعارضة يُعتبر إنتهاكًا للدستور الفنزويلي، الذي يفصل بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية”.
مضيفًا أن: “مادورو انتخب بشكل ديمقراطي، وحصل على نسبة 67%، من أصوات الناخبين، ما يجعله الرئيس الشرعي للبلاد بدون إلتباس”.
ورأى أن “الكونغرس الأميركي” لا يمتلك حق نزع صفة الرئاسة عن “مادورو”، كما لا يحق للبرلمان الفنزويلي تنصيب رئيسه رئيسًا للبلاد، “وهو ضرب من ضروب التعدي على الشرعية والدستور”.
استبعاد فرضية السيناريو العسكري..
واستبعد وزير الخارجية الفنزويلي، “خورخي أرياسا”، فرضية سيناريو عسكري في “أميركا اللاتينية”.
وقال “أرياسا”، في مقابلة مع وكالة (سبوتنيك): “بغض النظر عن مدى رغبة بعض الحكومات في قيادتنا للصراع والحرب، فإن هذا لن يحدث، كونه في أميركا اللاتينية يوجد لدينا، قبل كل شيء، روح سلام عميق بين الدول”.
وأقر الوزير باحتمال وقوع “مصادمات، ومحاولة إجتذاب مرتزقة، وقوات شبه عسكرية”، لكن “مصادمات بين الشعوب مستحيلة”.
كما اتهم، “ترامب”، بالوقوف وراء الانقلاب في البلاد، قائلاً إن الدول التي تعترف بـ”خوان غوايدو”، رئيسًا للبلاد، تتبع “تعليمات سيدها”، “الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أن الإعتراف بالرئيس الجديد للبرلمان الفنزويلي المعارض، سببًا لتسليم أصول المعارضة المجمدة في “الولايات المتحدة”.
تهديد بحرب أهلية..
ووفقًا لخبير المعهد الروسي للأبحاث الإستراتيجية، “إيغور بشنيشنيكوف”، فإن هذا السيناريو تم وضعه مسبقًا من قِبل “الولايات المتحدة”، ولم يكن عفويًا: فقد أعلن الأميركيون، على مختلف المستويات، دعمهم لزعيم المعارضة، و”ربما، يُطلب من مادورو، من أجل تجنب سفك الدماء، مغادرة البلاد. وإذا ما رفض، فإن فنزويلا مهددة بحرب أهلية وإدخال لاحق لقوات حفظ سلام”.
ووفقًا للمحلل السياسي، “ألكسندر فيدروسوف”، فإن ما يحدث لا يبشر “فنزويلا” بالخير. ويرى أن “الفوضى الواعية القادمة المدعومة أميركيًا تزعزع استقرار البلاد بشكل متزايد وتنقل عملياته السياسية من الشرعية النسبية على الأقل إلى عدم اليقين.. تستغل الولايات المتحدة الصعوبات الاجتماعية الحقيقية لمواطني فنزويلا لأغراضها الجيوسياسية، ما يزيد من تدهور الوضع في البلاد”.
نزاع عسكري..
فيما قال “بشينيتشنيكوف”: “إذا لم تحقق الجولة القادمة من (الثورة الملوّنة)، في فنزويلا، النجاح الأميركي، فلا يمكن استبعاد استفزازات عسكرية خطيرة ضد كاراكاس من قِبل جارتيها، كولومبيا والبرازيل. لا يمكن استبعاد احتمال أن تجبرهما واشنطن على إثارة نزاع عسكري مع فنزويلا، من شأنه وفقًا لخطط الإستراتيجيين الأميركيين، أن يؤدي إلى إزاحة مادورو من السلطة وتغيير سياسة البلاد الداخلية والخارجية”.
إعادة انتخاب “مادورو”..
في 21 آبار/مايو الماضي، أعيد انتخاب “مادورو” لفترة رئاسية جديدة؛ تنتهي عام 2025، وأعلنت لجنة الانتخابات أن الرئيس المنتخب فاز في انتخابات الرئاسة بـ 6.19 مليون صوت، ما نسبته 68% من إجمالي الأصوات.
وتبلغ مدة الولاية الرئاسية في “فنزويلا”، 6 سنوات، وبدأت الولاية الجديدة، في 19 كانون ثان/يناير الجاري، وفي أول تعليق على فوز “مادورو”، حث الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، السلطات الفنزويلية على إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
أزمات وعزلة..
تواجه “فنزويلا” أزمة سياسية واقتصادية كبيرة تحت إدارة “نيكولاس مادورو”، في وقت تُعد فيه “كراكاس” هدفًا لعزلة سياسية كبيرة في المنطقة وعقوبات مالية تتهددها من قِبل “واشنطن” وحلفائها.
ورغم ثروتها النفطية المتميزة، تُمر “فنزويلا” بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها الحديث، بسبب تراجع أسعار النفط، الذي تسبب في إنعدام أدنى مقومات الحياة لملايين الفنزوليين الذين هجروا البلاد.
تحول “جسر سيمون بوليفار”، في “فنزويلا”، إلى رمز لهجرة ملايين الفنزويليين الذين يقصدون بلدان “أميركا اللاتينية” المجاورة مثل؛ “البرازيل وبيرو وكولومبيا”، فيما تسببت الأزمة الاقتصادية في أزمة سياسية خانقة تدور بين “مادورو” والمعارضة اليمينية التي تطالب برحيله.
تشير إحصائيات “الأمم المتحدة” إلى أن نحو 3.2 مليون فنزويلي غادروا بلادهم، خلال السنوات القليلة الأخيرة؛ “هربًا من البؤس والفقر وبحثًا عن أدني مقومات العيش”، ومن بين هؤلاء 800 ألف قصدوا الجارة “كولومبيا”.
إزاء التدخل الأميركي المتواصل، أعلن “مادورو” أن بلاده ستُعيد النظر في علاقاتها بالكامل مع “الولايات المتحدة”، عقب تصريح نائب الرئيس الأميركي، “مايك بنس”، الذي عبر فيه عن دعمه لزعيم “الجمعية الوطنية” المعارض، “خوان غوايدو”.
وقال “مادورو”، في كلمة نقلتها قناة (تيليسور): “أوعزت إلى وزير خارجية فنزويلا بالبدء بمراجعة كاملة للعلاقات مع الولايات المتحدة، وإتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة”، مشيرًا إلى أن “نائب الرئيس الأميركي لإنتهك جميع قواعد اللعبة”.
وخاطب، “بنس”، معارضي “مادورو”، الثلاثاء الماضي، عشية تظاهرات مناهضة للحكومة، وكتب عبر (تويتر): “في وقت يحاول فيه أهل فنزويلا الطيبون جعل أصواتهم مسموعة، فإننا نيابة عن الشعب الأميركي نقول لهم: نحن معكم، وسنظل معكم حتى استعادة الديمقراطية”.