الجهل العربي بالواقع العراقي
بقلم: عبدالقادر الضاري
لا أجد مبررًا معقولًا ومسوغًا للارتياح العربي لفوز قائمة (سائرون) التابعة لمقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وخاصة من قبل النظام العربي الرسمي العائد إلى بغداد بعد غياب طويل عنها؛ نتيجة تداعيات احتلال الكويت عام 1990. ويبدو أن لهذا الانقطاع والغياب عن الساحة العراقية أثره البالغ والواضح في قدرة المسؤولين العرب المعنيين بالملف العراقي على فهم ومعرفة الواقع السياسي الذي تشكل بعد الاحتلال الأمريكي الذي ولد مشوها ثم نما وتعقد وتجاذبته الإرادات والنفوذ بين واشنطن وطهران؛ بحيث أصبح هذا النفوذ مشاعًا بين الطرفين المتحكمين بالمشهد السياسي العراقي، وليس من السهولة معرفة حدود هذا النفوذ المزدوج بشكل وافٍ، ومدى تأثيره على القوى والتكتلات السياسية الفاعلة والمؤثرة في الساحة العراقية، مالم يكن الناظر في هذا المشهد مواكبًا لمراحل تشكله وتطوره.
ومن هنا نرى سبب هذا الارتياح العربي غير المنطقي لفوز قائمة الصدر نتيجة لهذا الفهم الخاطئ والقاصر المبني على خطاب إعلامي مزوق لمقتدى الصدر وبعض أتباعه بنبذ الطائفية ومحاربة الفساد والاستبداد ومحاولة إضفاء الصفة الوطنية على تياره المتورط في ملفات دموية خطيرة في العراق بعد حادثة تفجير المرقدين العسكريين في سامراء مطلع سنة 2006 وما تبعها من أحداث مأساوية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء في بغداد وعدد من المدن العراقية الأخرى. فضلًا عن ذلك تحالف هذا التيار الموصوف بالاعتدال من بعض وسائل الإعلام العربي الرسمي مع القوى والكتل الطائفية في ما يسمى (الائتلاف الشيعي) ومشاركته في جميع الحكومات الطائفية المتعاقبة والفاسدة، التي تولت السلطة بعد الاحتلال، وتقلد أتباعه مناصب رفيعة فيها؛ حيث كان لهم نصيب وافر من هذا الفساد.
أما من ناحية الولاء العقدي فالصدر وتياره منضوون تحت عباءة الولي الفقيه (الخامنئي) على عكس ما يظنه كثيرون ويتوهمونه؛ فهو مقلد تابع للمرجع الإيراني كاظم الشيرازي الملقب (بالحائري) الذي يعتبر من أشد مؤيدي ومناصري مرشد الثورة (الخامنئي) ومشروعه الطائفي المبني على مبدأ تصدير الثورة والسيطرة على العالم الإسلامي هذا المشروع الخطير الذي تكتوي بحرائقه بلادنا العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول أخرى لا تزال تعاني من دسائس فتنه ومؤامرات أتباعه. وأن ما يظهر من فتور وبرود في علاقة الصدر بإيران هو نتيجة للأسلوب غير اللائق للإيرانيين في التعامل معه وخاصة ما يقوم به قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وبمعنى آخر أنه لو تبدل أسلوب تعامل الأجهزة الإيرانية مع الصدر فستعود الحرارة والدفء لهذه العلاقة لأن الصدر متمسك بقوة بالمشروع السياسي الشيعي ولا يمكن أن يحيد عنه وهو ينظر لإيران بأنها الدولة الحامية للشيعة وللمشروع الطائفي الشيعي.
وأن ما يظهره الصدر من تكتيكات سياسية بالانفتاح على المملكة العربية السعودية التي طالما كان يهاجمها ويصفها بالوهابية والنواصب ويتهمها بدعم الإرهاب هو محاولة للضغط على الإيرانيين لتغيير أسلوب تعاملهم معه وانتزاع الدعم والتأييد الذي يطمح له لزعامة الشيعة. ومن هنا تكمن خطورة الصدر وتياره المتستر خلف شعارات براقة لم ينجز أي منها رغم الظروف الكثيرة التي واتته في مراحل متعددة ونذكر منها على سبيل المثال تفويته الفرصة المهمة والتاريخية للتغيير عندما خرج الشعب بمظاهرات عارمة في 25 شباط عام 2011 لإسقاط العملية السياسية ورموزها الفاسدين ثم تدخل الصدر وركب الموجة بأمر من سيده خامنئي وطرح مبادرته الخبيثة بإعطاء مهلة 6 أشهر للحكومة ورئيسها المجرم نوري المالكي والتي كانت بمثابة قارب النجاة لهؤلاء الساسة الفاسدين وبذلك فوت مقتدى الصدر فرصة عظيمة. لإنقاذ العراق وتخليصه من شر هذه الطغمة المتسلطة والموالية لأعدائه