تنقسم آراء العراقيين حول الانتخابات النيابية المقبلة، فهناك من يرى وجوب مقاطعتها، وهو تيار عريض، ومسوغاته تبدو مشروعة إذ لم تبن حجارة واحدة في العراق، بل استمر الهدم بسبب صراع الكتل وما يسمونها المكونات نتيجة دستور ملغوم شرعن المحاصصة، وهناك من يرى أن المشاركة مهمة لتغيير الوجوه والاتيان بوجوه جديدة (قد) تكون أصلح.
لكن متابعة دقيقة للإعلانات والدعايات الانتخابية المنتشرة في الشوارع، الآن، توحي بحقيقة أن لا برنامج انتخابي لأي مرشح، أو لنقل لا شيء واضحاً سوى شعارات هلامية أو غائمة وخطوط عريضة لأهداف تحتمل مجلدات في الوصف، وضعت إلى جانب الصور الملونة وتقدم للمشاهد انطباعاً وكأن هدف المرشح هو الفوز بأي شكل من الأشكال مستخفين بعقول الناخبين بتلك الصور والشعارات غير المفهومة أو غير واضحة الملامح،
بل استعمل بعض المرشحين الخرافات في تسويق نفسه، فهناك مرشح جاءه النبي (ص) أو فاطمة الزهراء (ع) في المنام وطلب منه الترشيح، ووصفت مرشحة، ثبت فسادها في الماضي، نفسها بأنها سفينة نوح وجاءت لإنقاذ الشعب العراقي، ومع أننا نتمنى، برغم كل ما وصفناه من شعارات (مطاطة) وانعدام البرامج الانتخابية وخطط العمل للمرشحين الذين سيفوزون، أن يكونوا جديرين فعلاً بتمثيل مصالح شعب يحلم بمن يمثله تحت قبة البرلمان تمثيلاً نيابياً (لا تمثيلاً درامياً) يحمل همومه القريبة والبعيدة ليضعها أمام أصحاب القرار في السلطة التنفيذية، ويسلط الضوء على الكم الهائل من المشكلات التي يعاني منها والتي تبدأ بأبسط ما يمكن أن يقال عنه (القوت اليومي) ولا تنتهي بحلم مواطن بفرحة تغزو قلبه، وتفتح عينيه على مستقبل معافى من الهموم لأبنائه من بعده.
لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فالأمور محكومة بقواعد وقوانين، فالبناء أسس فاسدة توصلك إلى نتائج فاسدة، ووجود دستور فاسد وملغوم، باعتراف شخوص العملية السياسية أنفسهم، لا يمكن إلا أن يوصلك إلى الفساد ونتائج ملغومة مهما ادعى من يرشح نفسه من حسن نية وأنه جاء للتغيير والإصلاح.
عليه لابد من عدم التصويت لمن جربهم الشعب وسقطوا في التجربة وأثبتوا فشلهم، ويجب استبعاد هؤلاء وسد الطريق أمام وصولهم إلى مقاعد البرلمان، (فالمجرب لايجرب)، حسب تعبير المرجعية الدينية في النجف.. وليصوت المواطن لغير هؤلاء.. متمسكاً بحقه الدستوري بالتصويت النزيه والشريف.
نرى الان الجيوش الألكترونية التابعة الى الجهات الفاسدة يفسرون قول المرجعية الرشيدة ونداءها للناخب إن (المجرب لايجرب) وإن المواطن عليه إنتخاب قوائم شريفة نزيهه لم تلوث يدي أصحابها وأعضاءها بالمال العام أن المرجعية لم تحدد الأسماء لذلك فأن قادة الكتل الفاسدة لا تشملهم فتوى المرجعية بوصفهم هم من أنقذ العراق من داعش وليس أولاد الفقراء والشرفاء ممن فدى العراق بنفسه تاركين عوائلهم تبحث عمن يعيلها او يعطف عليها وهم مختبئون في المنطقة الخضراء وفي منازلهم المحصنة بالكونكريت وجيش من السيارات التي ترافق مواكبهم معتبرين انهم هم من حقق النصر، وأنهم هم من جعل العراق خلال عقد ونصف منذ الاحتلال يصل الى مصاف الدول المتقدمة والمواطن العراقي أسعد مواطن في العالم.
إن من ينتخب فاسدا وسارقا أو ينتخب قائمة أعدها شخص فاسد هو أشد على الناس من داعش ويحمل صفة أخرى هي النفاق لأنه لايريد أن ينهي الظلم والفساد ويساعد ويدعم الظالمين والفاسدين.
المرجعية قالت المجرب لايجرب يعني ان من وضعوا العراق في هذا الموضع وأهدروا المال العام ونهبوه ومن كانوا السبب في دخول داعش الى العراق ومن جعل العراق ضيعة لدول الجوار هم من قصدتهم المرجعية في قولها.
عليه ان مقولة المرجعية الدينية ”المجرب لا يجرب” يجب ان تطبق في الانتخابات البرلمانية المقررة 12 ايار مايو لان الأشخاص المجربين من قادة الكتل السياسية الذين لم يفلحوا، ولن يفلحوا أبدا، هم مجربون بالفعل لأنهم قادوا السفينة وأمسكوا بالدفة، ثم أغرقوها في بحر متلاطم أهوج ومظلم، ولم يتركوا من فرصة للنجاة إلا بالتخلص منهم، وتركيز الجهد في خانة العمل المنظم الذي يشرف عليه العارف، وليس المتحمس للحصول على المال والمكاسب.
إن بنا حاجة الى التغيير والتخلص من هولاء الذين أشبعونا قهرا، وحزنا وكمدا، وأساءوا الى الدولة، والى السلطة، والى التاريخ، وتحولوا الى وحوش تصطاد الفرائس من دون تمييز، بل هم يتصرفون كأنهم مجانين، أو أصابتهم الهستيريا القاتلة، ولم يعد من السهل السيطرة عليهم، وحماية الناس من خطرهم المحدق، ولايتأتى ذلك إلا بإرادة شعبية قوية لقهرهم، وإبعادهم عن الميدان السياسي لكي لايعودوا يتمتعوا بتلك المكاسب كما هو ديدنهم الذي تعودوه في السنوات الماضية، وبعد أن امتلأت كروشهم من السحت الحرام الذي نهبوه من خزينة الدولة، وجعلوا الشعب يعاني من تبعاته ونتائجه
لكن الأهم من ذلك كله بناء عملية سياسية عراقية وكتابة دستور بأيد عراقية، لأن ذلك فقط هو ضمانة تحقيق الاصلاح والتغيير والتقدم المنشود.