بقلم : اسماعيل الجنابي
عام يتلو عاما ومصائب العراقيين في تجدد مستمر ، فعاشوراء العراق لا تنتهي مواجعها ، لان قتلة اهله معلومون لدى الجميع ، بشخوصهم وبعلاماتهم الفارقة التي يتميزون بها عن بقية الخلق ، ان ورثة قتلة الحسين مازالوا احياء فينا ، من حيث القتل والمكر والدجل الذي يمارسونه كل يوم، بل ان هؤلاء الورثة اشد قهرا وظلما وسفكا للدماء من ابائهم واجدادهم ، واذا كانت موقعة الطف شهدت مقتل سبط اشرف خلق الله ، فان أبناء واحفاد قاتليه ، جعلوا من ارض العراق كلها مواقع ” طف ” وكربلاء .
في كل مرة تمزقنا اختلافات السياسيين وتوحدنا صرخات المظلومين . فنسمو فوق التعصب والمذهب والطائفة والقومية والكراهية والتناقضات ، اما الاصطفافات الطائفية والعنصرية السائدة، فهي دستور هؤلاء الذين يتباكون على الحسين في ذكرى استشهاده ولم يكن هؤلاء يمثلون مكونات العراق، لانهم لا ينتمون إلى هذه الأرض المسماة “عراق” ، ولا حتى يستحقوا ان يتنفسوا هواءه او يشربوا من ماء فراته ، بل لا يستحقون ان تحتضن ارضه جثامين أجسادهم التي سوف يزحزحها الله يوم الحساب ليحرقوا في نار جهنم خالدين فيها ابدا .
في كل عام من شهر محرم الحرام ، يستذكر العراقيون بشكل خاص والمسلمون واحرار العالم بشكل عام، ذكرى موقعة الطف التي حدثت مواجعها في العاشر من شهر محرم الحرام سنة ( 860 م ) ولعل الجديد في احيائها هذا العام هو ما يعيشه العراقيون من مواجع القتل والألم والنزوح والتهجير والظلم والفاقة والوباء ، بفضل أناس تربعوا على صدورنا طيلة اكثر من عقد من الزمن ، يدعون انهم ساسة العراق الجدد ، يتشدقون باسم الدين ، والدين منهم براء ، فهم من قتلوا فلذات اكبادنا وسرقوا خيرات بلادنا وسلبوا واغتصبوا حرمات اعراضنا وباعوا ارضنا لمن لا رحمة في قلوبهم ولا ذمة في ضمائرهم .
فالحسين لا يريد منكم ان تلبسوا سواد الثياب عليه ولا يريد منكم ان تسيروا الى كربلاء تلطمون وتطبرون وتقدمون لزائريه ما لذ وطاب من موائد الطعام ، بل يريد منكم ان تشفقوا على احفاده الذين يستصرخون من ظلمكم لهم كلما رفعوا اكفهم الى السماء ، وهم يبتهلون الى الله ان ينقذهم من قسوتكم ومن غدركم الذي لا ينقطع ، فمطالبهم ليست منةً منكم عليهم وانما هي حقهم في الحياة التي خرج من اجلها من تحيون ذكراه اليوم ، وهي استذكارٌ للمظلوميةِ التي شَهدَها سبطُ رسول الله ( ص ) ، لانهم تعلموا منه كيف يظلمون فينتصروا .
فالإمام الحسين الذي خرجَ ثائراً بوجه الظلم ، عرف بانه مدرسة الحياة الكريمة، ورمز المسلم القرآنيْ وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق فيها ، فكفاكم كذبا وتزلفا عليه ، فما حل به يوم استشهاده بالأمس ، يتجدد على احفاده بأيديكم اليوم ، فأنتم من سمحتم لليهود والكفار والمجوس ان تطأ اقدامهم تراب كربلاء وغيرها التي امتزجت بدمائه ودماء صحبه وال بيته الاطهار ، فتصنعون منها تربة سجودكم في الصلاة وكذلك شركائكم في الاثم ، ممن باعوا ضمائرهم ووجدانهم ، في المحافظات الغربية والشمالية ، بحفنة من الدولارات المسروقة من خزائن العراق وخيراته .
هذه هي نصيحة العبد الفقير وكاتب الكلمات لكم ، أيها السياسيون الطائفيون ، اجعلوا من احياء ذكرى استشهاد سيد شباب اهل الجنة سيدنا الحسين عليه وعلى ابيه وجده افضل الصلاة والسلام ، مناسبة لترطيب الانفس ووأد الفتنة والانتقام والانقسام الطائفي ، وحرروا أنفسكم من العبودية التي لازمتكم طيلة سنوات الظلم العجاف ، وتوبوا الى الله ، توبة مودع وغادروا عروشكم التي بنيتموها من أموال السحت الحرام ، وقبل كل شيء اغسلوا وجوهم بدموع الذل في مقامي حضرة أبي عبدالله واخيه العباس ، عندها لا ينفع الندم ولا المال و لا الجاه ولا المنصب ولا الطائفة ولا المذهب وينجو منكم من اتى الله بقلب سليم .