الخيط الأبيض والخيط الأسود بين أمريكا وإيران
عبد القادر الضاري
منذ أكثر من عقد مضى وطبول الحرب الجوفاء تُقرع بين أمريكا وإيران تخفت تارة، ويعلو ضجيجها تارة أخرى، فقد مرت هذه العلاقة المريبة بين الطرفين بمنعطفات وأزمات كثيرة ثم ما لبث أن سادت روح التفاهم والتوافق بينهما. وهكذا هي فصول هذه المسرحية التي يسترها الوعيد والتهديد وتفضحها الوقائع على الأرض. وقد استطاع الطرفان أن يخرجا هذه المسرحية بنجاح باهر وحرفية تكاد تضاهي عبقرية صناع السينما في هوليود مما أربك تفكير وحسابات الكثير ممن خدعهم خطاب الوعيد والتهديد بين الطرفين، وصعب عليهم تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود لهذه العلاقة المتشابكة برغم الوضوح الكبير لسلوك هذه العلاقة التوافقية طوال الأعوام الماضية سواء في الساحة العراقية أو الساحات العربية الأخرى؛ فالمشروع الإيراني ولد وترعرع تحت عباءة أمريكا وأمام نظرها وبمباركتها ولم يكن لهذا المشروع أي تهديد حقيقي لمصالح أمريكا بل بالعكس من ذلك فإن هذا النفوذ الإيراني المتنامي أنتج معادلة سياسية جديدة وأخل بتوازن القوى في المنطقة، وأشعل فتيل صراعات إقليمية على أسس طائفية وعرقية تصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل وفتح الباب على مصراعيه لتكريس التدخل الأمريكي أكثر في شؤون المنطقة مما دفع بالكثير من الدول العربية للارتماء بحرارة في أحضان أمريكا طلبا للحماية؛ مما فتح أفاقًا كبيرة للمصالح الأمريكية اقتصاديا وعسكريا وهذا كله بفضل هذا المشروع الإيراني الطائفي.
ومما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذه الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة ليست حشود حرب هو الخلاف والانقسام الظاهر جليًا داخل المؤسسة السياسية الأمريكية وعدم وجود إجماع داخل الكونغرس الأمريكي يؤيد سياسات الرئيس ترمب في اتخاذ قرار شن الحرب، فضلا عن أمور أخرى متعلقة بالتحشيد العسكري وطبيعته وطريقته وتوقيتاته؛ لذلك نعتقد أن هذه الحشود العسكرية هي لاستعراض القوة ومحاولة للضغط على طهران كي تستجيب لعقد اتفاق جديد حول برنامجها النووي الذي يمكن أن يكون هو الخلاف الحقيقي الوحيد بين الطرفين، ليس لأنه يشكل خطرًا مباشرًا على إسرائيل كما يظن البعض أو قد يشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مستقبلًا وإنما لخشية أمريكا وإسرائيل من أن دخول أيران للنادي النووي سيشعل تنافسًا إقليميًا حادًا وسيعطي الحق لدول عدة في المنطقة كـ (مصر وتركيا) ودول عربية أخرى في امتلاك السلاح النووي للحفاظ على توازن القوة في المنطقة وكقوة ردع مقابلة كما حدث في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان. وهذا هو ما تخشاه إسرائيل وحلفاؤها الأمريكان الذين يحاولون جاهدين بكل الوسائل منع وصول التكنولوجيا النووية للعالم العربي وكما عهدنا ذلك سابقًا من خلال استهداف محاولات بعض الدول العربية الحصول على التكنولوجيا النووية أو تطوير صناعاتها العسكرية وخير دليل على ذلك تدمير وإجهاض التجربة النووية العراقية وتدمير منشآتها واغتيال علمائها.
أما ما يدور بين الطرفين من مناكفات سياسية ومهاترات إعلامية بخصوص نفوذ إيران وتدخلها في شؤون الدول العربية فهو فصل من فصول هذه المسرحية المشتركة، التي نجح الطرفان في إدارتها دبلوماسيًا وإعلاميًا لخدمة مصالحهما واستمرار حالة التخادم المتبادل بين الطرفين.