رأت مجلة ”فورین بولیسي“، في تقریر أعده ریتشارد فالك، أن تحلیل تحركات دول الحصار ضد قطر على
اعتبار مطالبھا الـ13 التي كانت وجھتھا لقطر في بدایة الأزمة الخلیجیة ”جریمة جغرافیة سیاسیة“، قد یكون
مفیداً في صیاغة علاقات سلمیة للمجتمع الدولي ككل.
وكانت قطر رفضت ھذه المطالب كونھا تخالف حقوقھا السیادیة والقانون الدولي، وھو ما أغضب دول الحصار
التي أصرت على امتثال قطر لتلك المطالب.
وقطعت السعودیة والإمارات والبحرین ومصر علاقاتھا مع قطر منذ 5 یونیو/ حزیران العام الماضي، ثم
أعطت لھا، عبر الكویت، مھلة لتنفیذ قائمة تضم 13 ً مطلبا، من بینھا إغلاق قناة ”الجزیرة“ والقاعدة العسكریة
التركیة على أراضیھا. وقد وصفت الدوحة المطالب بأنھا ”لیست واقعیة ولا متوازنة وغیر منطقیة وغیر قابلة
للتنفیذ“.
واتھمت ھذه الدول قطر بـ“دعم الإرھاب“، فیما نفت الدوحة تلك الاتھامات، و ّ شددت على أنھا تواجھ حملة
”افتراءات“، و“أكاذیب“ تھدف إلى فرض ”الوصایة“ على قرارھا الوطني.
ّ ویقیم تقریر ”فورین بولیسي“ الأزمة الخلیجیة من خلال النظر إلیھا على أنھا ”جریمة جغرافیة سیاسیة“، وھي
في حد ذاتھا فكرة مبتكرة ومثیرة للجدل، ُ طرحت في محاضرة بجامعة ”كوین ماري“ في لندن، نھایة مارس/
آذار 2018.
مطالب تعجیزیة ھدفھا القطیعة…
كان الإطار العام للمواجھات في كافة المحافل الإقلیمیة والدولیة والتي دارت طوال العام الماضي بین السعودیة
والإمارات والبحرین ومصر من جھة وقطر من جھة أخرى، یتمحور حول سلسلة من المطالب قدمت إلى قطر
على شكل إنذار نھائي. وصیغت ھذه المطالب ”غیر القابلة للتفاوض“ بشكل یتحدى حقوق قطر السیادیة وینتھك
وبشكل صریح أھم المبادئ الأساسیة للقانون الدولي. ورفضت ھذه الدول كافة العروض القطریة الرسمیة
والمتكررة بالاستعداد للتفاوض المباشر أو من خلال وساطة یتفق علیھا.
ویضیف التقریر أنھ وعوضاً عن القبول بنھج التفاوض والحكمة، رفضت ھذه الدول حتى الآن النظر في حل
دبلوماسي للأزمة الخلیجیة، بل أخذت بتكرار التھدیدات والتحذیرات لقطر وتوسعة نطاق الحصار.
جریمة منظمة…
ویضیف التقریر أنھ ونظرا لكل ھذه الظروف، فإنھ من المضلل للغایة الإشارة إلى كل ھذه الضغوط التي
فرضت على قطر على أنھا مجرد أزمة! إذ إن مصطلح“أزمة“ ھو مصطلح محاید، یشیر إلى مجموعة من
الظروف التي تنطوي على لقاء خطیر ومحسوم بین الخصوم. وھذا كما ُ یفسر في معجم العلاقات الدولیة
ومعاییره للأزمات والصراعات والنزاعات، وخاصة في ظل تلك المنھجیة الرافضة لفكرة التفاوض وانما
الخضوع للإبتزاز.
ویرى التقریر أنھ وبالنظر إلى كل ذلك فإنھ ولإدراك الطابع الحقیقي لـ“الأزمة“ وبعیداً عن عدم مشروعیة أیة
مواجھة تحت مظلة الإبتزاز، فضلاً عن التباین في الحجم والقوة ، فما نراه بالحقیقة ھو لیس أزمة وإنما ”جریمة
جیوسیاسیة“. وھذه الجریمة التي یرتكبھا ”تحالف ھذه الدول“ ھي جریمة منظمة وضحایاھا ھم قطر وشعبھا
وكذلك أطراف ثالثة ومقیمون أجانب، وھي جریمة أركانھا الحصار والتدابیر القسریة الأخرى التي اعتمدھا ھذا
”التحالف“ بشكل منھجي ومنظم.
ویضیف أن جریمة ھذه الدول لھا بعد أخلاقي دولي ولیس دبلوماسي فقط وینبغي أیضاً إدراك بأنھ حتى دون
المطالبة بأي تحدید للجریمة الجیوسیاسیة في القانون الجنائي الدولي، فإن طبیعة ”الجریمة“ ھي أمر مثیر
للجدل، ویجب تقییمھا لیس من قبل الدبلوماسیة الدولیة فحسب، وإنما الأخلاق الدولیة. وھي خطوة ستكون ھامة
ومفیدة نحو وضع الحلول من قبل الجھات الدولیة العظمى وبالمعاییر الأخلاقیة الدولیة المقبولة على نطاق واسع
في العالم بأسره، ولتصویب النھج الحالي لدول الحصار والساعیة للإفلات من العقاب بكل ما یتعلق بتلك
الجرائم بأیة وسیلة كانت وغالباً غیر مشروعة.
صمت مدفوع الثمن…
ویقول التقریر إنھ وفي ھذا الصدد، فإن ھذا النوع من الصمت مدفوع الثمن سیجعل من القانون الدولي ً سلاحا
موجھاً ضد الضعیف. وبالتالي ھو ذات ما نشأ عن میثاق الأمم المتحدة والذي یمنح حق النقض (الفیتو)
للأعضاء الخمسة الدائمین في مجلس الأمن، وھو ما تبرره ھذه الدول الخمس دوما بفعلھا: الالتزام بمیثاق الأمم
المتحدة ھو أمر طوعي في الأساس بالنسبة للدول الخمس صاحبة حق النقض ولكنھ إلزامي لبقیة دول العالم الـ
188 ،بالتالي ھي مؤسسة تمت ھندستھا لتنظیم سلوك الفئران في خدمة الأسود التي تتجول بحریة!
وھذا یقود بالتالي إلى أھمیة الانتباه لھذا الخط الفاصل وشدید الوضوح بین ما یطلق علیھ مجرد أزمة وما ھو
جریمة منظمة مكتملة الأركان كما ھو حاصل مع قطر، وھو ما على القانون الجنائي الدولي أن یلتفت إلیھ من
خلال الاعتراف بحقیقة وجود الجرائم الجیوسیاسیة، ونتائج ھذا الإعتراف الإیجابیة لن تتوقف عند منح قطر
المزید من الحجج السیاسیة والأخلاقیة بالتفاعل مع شكاویھا الناجمة عن الضغوط التي تمارسھا علیھا دول
الحصار. وإنما ستكون إستجابة أوسع نطاقاً لكثیر من المعاناة الإنسانیة والحروب المدمرة والاستغلال
الاقتصادي والانھیار الاجتماعي والإساءة السیاسیة على مر التاریخ وھو ما قد نجم بشكل مباشر أو غیر مباشر
عن ارتكاب الجرائم الجیوسیاسیة التي لم یتم (الإحساس) بھا ، ناھیك عن منعھا قبل أن تستفحل كما یجري مع
قطر ھذه الأیام، وجرى مع غیرھا من الدول والشعوب في المنطقة.
إرھاب دول…
ومن ھنا نفھم بأن نص المطالب الـ13 ھو انتھاك واضح لحقوق قطر السیادیة، ورفض التفاوض علیھ وبدء
تطبیق العقوبة قبل ظھور نتائج المفاوضات ھو عبارة عن جریمة جیوسیاسیة منظمة من خلال إرھاب دول.
بالتالي ومن خلال رؤیة الأزمة على أنھا جریمة جیوسیاسیة سیجعل رؤیة قطر للحل قابلة للفھم من قبل الجمیع
وبالتالي وضع قطر في موقف واضح وعادل وكما یجب أن یكون الأمر علیھ.
إن تقدیم ھذا التفسیر الصحیح للأزمة ھو مساھمة بناءة للمجتمع الدولي قاطبةً من خلال سد الثغرات في القانون
الدولي بالأخلاق الدولیة المتعارف علیھا وكما یجب أن یكون، وبالتالي مساعدة العدید من الدول ذات القضایا
العادلة ومن بینھا قطر.