بعد عام كامل على سقوط مدينة حلب تعود الدبلوماسية من جديد في محاولة منها لحل الأزمة السورية. ولكن؛ كما علمنا التأريخ فخطط السلام يرعاها المنتصرون عادة. فمحادثات السلام في جنيف الأخيرة برعاية الأمم المتحدة تظل خطوة جيدة على طريق وقف التدمير وحمام الدم في هذا البلد الذي يشهد حربا أهلية منذ عام 2011. ومع أن الآمال بتحقيق تقدم واضح تظل ضعيفة. فمنذ عام 2012 جرت محاولات عدة برعاية الأمم المتحدة والأطراف التي تلعب دوراً في الأزمة السورية من دون تقدم يذكر. وظل الفيتو الروسي يعرقل أي جهد في مجلس الأمن لمعاقبة نظام بشار الأسد المسؤول عن الهجمات بالسلاح الكيميائي. وفي هذه المحادثات قامت المعارضة السورية بإعادة تنظيم نفسها تحت ضغط الواقع وهي أنها في وضع ضعيف. وفي الوقت الذي أعلن فيه النظام السوري أنه لن يشارك في الانتخابات لو طرح موضوع رحيل الأسد، إلا أنه قرر يوم الأربعاء إرسال وفد للمشاركة. ووصف المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وظيفته بأنها عن التفاؤل بعناد.
أسباب الحوار
إلا أن صحيفة «غارديان» تقول: إن هناك حاجة أكثر من العناد لمعالجة الحرب السورية المتعددة الوجوه ووقف المعاناة وإصلاح البلد المدمر لكي يكون قادراً على البحث عن العدالة لملايين الضحايا. فالحرب لم تنته بعد. وفي الأيام الأخيرة قتلت الغارات الجوية للنظام على الغوطة الشرقية أعدادا من المدنيين. والأسد يرغب بقوة إعادة «فتح» المناطق التي خسرها بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية التي طالبت بالإصلاح الديمقراطي وقمعها الديكتاتور بالحديد والنار. وفي الشهر الماضي سيطرت القوات المدعومة من الولايات المتحدة على الرقة، عاصمة ما يطلق عليها «الدولة الإسلامية» في الشهر الماضي إلا أن المعركة مستمرة في صحراء سوريا الشرقية وقرب الحدود مع العراق. وتحاول الجماعات المؤيدة لإيران وتلك المدعومة من الولايات المتحدة السيطرة على المعالم المهمة والحيوية. وهو ما يعني أن نهاية الحرب السورية ليست في الأفق.
اليد العليا لإيران
وما هو واضح في الأمر هو أن الروس يقومون بتحديد معالم المرحلة في الغالب. فقد منح تدخل الرئيس فلاديمير بوتين عام 2015 والدعم الإيراني النظام اليد العليا. واستغل بوتين أخطاء الولايات المتحدة وتردد أوروبا في التدخل. فلا تزال السياسات الأمريكية تجاه سوريا غير واضحة، باستثناء ما يطلقه الرئيس دونالد ترامب من تهديدات ضد إيران والتركيز على قتال تنظيم الدولة. وفي الأسبوع الماضي عقد بوتين قمة ثلاثية جمعته مع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في منتجع سوتشي وظهر مع الأسد قبل ذلك في المكان نفسه. وبدأت روسيا هذا العام سلسلة من اللقاءات مع المعارضة في العاصمة القازخستانية، أستانة. وتعلق الصحيفة أن هذه التطورات تعبر عن تغيير في الفضاء العالمي بحيث يتم فيه تهميش كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة في كل خطوة.
وماذا سيحدث الآن أو يتغير؟ تجيب الصحيفة أن بوتين الذي تجاهل وعرقل الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية يريد الحصول على دعمها كي يقوي مكاسبه. وروسيا في هذا السياق لديها مصالح خاصة من الحصول على مصادقة في خطط الأمم المتحدة. فالحرب المستمرة تؤثر في المصادر وثروات الأمم كما أن إعمار سوريا بحاجة لتمويل لا تستطيع روسيا تحمله بنفسها ولا حتى تأمينه. كما أن العلاقات بين الثلاثي: روسيا وتركيا وإيران ليس واضحاً بالدرجة التي يحاول القادة تصويرها، فالموضوع الكردي لا يزال محل خلاف. وعلى هذه الخلفية يؤمن القادة الغربيون أن لديهم بعض النفوذ الذي يمكنهم استخدامه للتأثير في نتائج المحادثات. ولكن الطريق صعب وعلى أي منا أن لا ينخدع بـ «انتخابات حرة» التي قدمت كجزء من الخطة الروسية وهي ليست إلا مجرد زينة. وترى الصحيفة أن حرب الست سنوات حولت سوريا إلى أرض يباب. ويصلح عليها وصف المؤرخ الروماني تاكيتوس الذي قال «خلفت صحراء وسميتها سلامًا». فسلسلة الغارات الجوية المريعة والتجويع والحصار وغرف التعذيب لن تتوقف قريباً. ولكن أن تتحدث عن النصر كما يفعل الأسد يتحدى كل أصول الاحترام والأدب «فلن يكون هناك منتصرون في هذه الحرب، ليس بعد مقتل نصف مليون شخص وتهجير الملايين. ولن يتحقق السلام إلا عندما يكون لدى السوريين الحرية في اختيار من سيحكم البلد، وهذا ليس ما تقدمه المؤتمرات ولكن يجب أن يقاس نجاحها عليه».