شهادة من جنوب إفريقيا
بقلم: احمد صبري
يبقى الزعيم الراحل نيلسون مانديلا محط أنظار العالم لدوره في تحقيق المصالحة الحقيقية، وتجنب بلاده كوارث الحرب الأهلية بطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في مسار الانتقال السلمي للسلطة، واستحق بذلك جائزة نوبل للسلام.
دور هذا الزعيم وما شهدته بلاده من تطورات كانت مثار اهتمام الأمم المتحدة التي نظمت جولة لوفد عراقي أنا أحدهم للاطلاع على تجربة هذا البلد ومسار المصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا. وكان اللقاء مع رئيس جنوب إفريقيا الأسبق دي كليرك مهما أنشر تفاصيله الآن الذي كشف فيه أنه واجه احتمالات قيام مجموعة من ضباط الجيش والشرطة بانقلاب عسكري ضد نظامه خلال فترة المفاوضات مع زعيم المعارضة حينها نيلسون مانديلا.
ونوه دي كليرك الذي كان آخر رئيس أبيض في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى أنه واجه ضغوطات كبيرة من بعض أركان حكمه وقيادات عسكرية رأت في مبادرته لتحقيق المصالحة مع المعارضة التي كان يتزعمها نيلسون مانديلا ستعرض البلاد إلى الخطر وإنهاء دور البيض في الحياة السياسية.
يشار إلى أن فترة المفاوضات بين النظام وحزب المؤتمر الإفريقي بزعامة مانديلا بدأت عام 1992 وأعقبت إطلاق سراحه فيما بعد.
كليرك أوضح أنه يشعر بالمرارة وخيبة الأمل من اتهامات له بالخيانة العظمى من قبل بعض أركان حكمه السابق، غير أنه شعر خلال لحظة تاريخية قبل بدء المفاوضات مع المعارضة أنه لا بد من وقف العنف، واعتماد الحوار ولغة التفاهم لتجنيب البلاد مزيدا من الخسائر، موضحا أن تجربة العقود الثلاثة الماضية في تاريخ بلاده أكدت أن المعارضة التي يتزعمها مانديلا تمثل الأغلبية، وهي القوة الحقيقية في البلاد، ما دفعه للانفتاح عليها وبدء عصر جديد في جنوب إفريقيا.
ويعتقد كليرك أن من شجعه على مواصلة الحوار والمصالحة مع المعارضة التفويض الذي منحه إياه البيض في الاستفتاء الشعبي الذي حصل بموجبه على (69%) من أصواتهم لمواصلة طريق الحوار وتحقيق المصالحة.
وعن أوجه التشابه بين الحالتين الجنوب إفريقية والعراقية قال دي كليرك إن المصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا والعراق متشابهة من حيث النيات رغم أن البلدين كانا تحت العقوبات الدولية، وعندما حان وقت الحل قدم المجتمع الدولي دعما لمواصلة المصالحة الوطنية.
وانتقد دي كليرك قرار حل الجيش العراقي بعد غزو العراق مستشهدا بقرار مانديلا بإبقاء المؤسسة العسكرية في نظامه السابق على حالها من دون إقصاء حتى قائدي الجيش والشرطة ولحين انتهاء مدة خدمتهما. وكشف أنه قدم تنازلات مؤلمة وكبيرة لمصلحة السلام والمصالحة الوطنية رغم معارضة بعض أركان حكمه؛ لأنه كان يعتقد أن التحول الديمقراطي الذي أفضى إلى السلام حظي بدعم وموافقة (90%) من سكان جنوب إفريقيا، وأن تجربة السنوات الماضية في تاريخ جنوب إفريقيا عظيمة وغنية بالدروس، ووضعت حدا لدورة العنف، وأحدثت مصالحة وطنية أصبحت مثار إعجاب واهتمام الشعوب، مؤكدا أن خلاصة هذه التجربة أننا ماضون، ولن نتراجع إلى الخلف والعودة إلى المربع الأول.