بقلم: د.نبيل العتوم ، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية، مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية.
تسيرُ واشنطن بخطى ثابتةٍ لفرض حزمة جديدة من العقوبات على طهران، بعد أنْ حوّلت الاتفاق النوويّ مع إيران إلى الكونغرس ليكونَ له الكلمة الفصل، وليبعث هذا التطور المهم برسالة واضحة، مفادها أنَّ هناك سياسة جديدة للبيت الأبيض؛ قائمة ليست فقط على كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، ومنع عسكرته، بعد أن تمَّ الاستهتار بخطورة أنشطة إيران الإقليمية، وسعيها للاستثمار في سياسات عبثية هدفها دعم الإرهاب ونشر الفوضى، وابتلاع العراق وسوريا ولبنان، وهدم التوازن المذهبي والطائفي في المنطقة، ولكن الأشياء الأكثر تعقيدًا من ذلك كلّه أنّ هذا الاتفاق سمح لإيران أنْ يكون لها الكلمة الفصل في الكثير من قضايا المنطقة، وأمام نظر الجميع دون ردّة فعل تذكر، وصلت معه لدرجة إعلانها بشكل رسمي أنّها الدولة التي تسيطرُ على أربع عواصم عربية دفعة واحدة والحبل على الجرّار .
كما كانَ متوقعاً أعلنَ الرئيس الأميركي إستراتيجية جديدة للتعامل مع طهران في خطاب متلفز من البيت الأبيض استمرَّ حوالي / 45 / دقيقه قال فيه : إنه سيسحب إقراره بالتزام إيران الاتفاق النوويّ الذي وقعته مع دول عظمى من بينها الولايات المتحدة وروسيا في 2015 م .
ملخص الإستراتيجية الجديدة للرئيس (ترامب) أنَّ الوقتَ حانَ “لكي ينضم إلينا العالم بأسره في مطالبة الحكومة الإيرانية بإنهاء سعيها إلى الموت والدمار”، و أنه قد عمل بالتشاور مع فريقه للأمن القومي، على هذه الإستراتيجية التي يقول البيت الأبيض : إنها “تتويج لتسعة أشهر من المداولات مع الكونغرس وحلفاء أميركا حول كيفية حماية الأمن الأميركي على أفضل وجه”.
هناك عدة نقاط يتمّ تداولها في إيران بعد إعلان (ترامب) لإستراتيجية أميركا الجديدة يجب البحث فيها:
أولاً : التخوف الإيراني بداية من تفعيل قانون كاتسا :
أقر مجلس النواب الأمريكي في 26 من شهر يوليو/ تموز للعام الجاري مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، إذ حصل على تأييد ساحق، لم يعترض عليه إلا ثلاثة نواب في حين صوت لمصلحته 419 نائباً مقابل 3 أصوات معارضة فقط. يهدف مشروع قانون العقوبات ضد إيران، الذي يعرف بعنوان قانون “كاتسا”، بالدرجة الأولى الى تقويض القدرات الدفاعية الإيرانية، حيث ينص على فرض إجراءات حظر ضد كافة الجهات المعنية ببرنامج إيران الصاروخي والحرس الثوري الإيراني ، وبعد إقراره في مجلس النواب سیعود مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ الذي سبق له وأن أقر مشروع القانون في مطلع حزيران/ يونيو للعام الجاری، بغالبية 98 صوتاً مقابل صوتين فقط، لكنه بحاجة الآن إلى التصويت عليه بصيغته النهائية.
يطلق على ( قانون كاتسا ) “العقوبات الأم” لاحتوائه حيّزاً واسعاً من الإجراءات؛ وفي حال صوّت مجلسُ الشيوخ لصالح الصيغة النهاية لهذا المشروع سيتمّ إرساله إلى البيت الأبيض من أجل الحصول على توقيع الرئيس (دونالد ترامب)، ومنذُ أنْ تمَّ تقديم هذا المشروع في الكونغرس الأمريكي، سربت بعض المصادر أنّه غيرُ مرحبٍ به لدى إدارة البيت الأبيض؛ لأنّه ينصُّ على بعض الآليات التي تمنح النواب الحقّ في التدخل في حال قرّر الرئيس (ترامب) تعليق العقوبات المفروضة حالياً على روسيا، وهذا ما يثيرُ غضبَ الرئيس (دونالد ترامب)، كأنّه يعكسُ رغبةَ المشرّعين الأمريكيين في تكبيل يدي الرئيس الأمريكيّ في هذا الصدد.
من هنا كانت إيران تخشى بدايةً من تفعيل (قانون كاتسا) إلى جانب العقوبات الأخرى من جانب الكونغرس، حيثُ وجهوا الكثير من الانتقادات عندما صوّت البرلمان الأمريكي على الصيغة المعدلة لمشروع قانون كاتسا، معتبرين هذا القانون سيُشكل تهديداً لخطة العمل المشترك المبرمة بينَ إيران، ودول خمسة زائد واحد.
هذه الخطوةُ الأمريكيّة تعدُّ خطوةً عدائية بنظر إيران، وتوعّدت حينها بالردّ على هذه الخطوة بالمثل.
ثانياً : إستراتيجية ترامب تثير هلع إيران :
هناك رؤية إيرانية باتت ترى بأن قانون العقوبات الأميركية على الحرس الثوري وحلفائها الأساسين؛ وفي مقدمتهم حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي سيفتحُ المجال أمام (ترامب) لفرض عقوبات جديدة متدرجة وقاسية على إيران في كل مرّة، مع ممارسة سياسة استهداف عسكرية محدود لحلفائها، حيثُ باتَ هناك مصلحة أميركية في ذلك. وهذا الأمرُ أخطر من خروج أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، هذا مع إدراك طهران بأنه لا يمكنُ الرّهان على الموقف الأوروبي والروسي والصيني؛ لأنّه لنْ يكون أمامهم من خيار إلا مواكبة الرئيس (ترامب) في سياسته ضدّ إيران حتى لو لم يكونوا مُقتنعين في نهاية المطاف، أمام شبكة علاقات هذه الدول المعقّدة مع أميركا .
ثالثاً : التزام إيراني بالاتفاق النووي لا يتعارض مع البرنامج الصاروخي وإطلاق يدها في الإقليم :
تدعي إيران بأنَّ (ترامب) لم يستطع تقديم أيّة أدلة قانونية وفنية لإثبات إدعاءاته حول خرق إيران للاتفاق النووي ، وتزعم أن هناك ثمانية تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد التزامها بالاتفاق النووي وعدم انتهاكها لأي من بنود خطة العمل المشترك، لكن وبموازاة ذلك هذا لم يمنع واشنطن من الاستمرار في تبني سياسة العقوبات ضد إيران ، ، إلى جانب بناء شبكة تحالفات إقليمية ودولية تمهيداً لتشديد الضغط على إيران ؛واتخاذ مواقف صارمة وتحفيز المؤسسات الأميركية للمضي بالخطوات الأكثر عدائية ضدها .
رابعاً : إيران تحت رحمة التوقعات :
تراهن طهران على متغيرات داخلية أميركية قد تنسف سياسة ترامب، مثل الإطاحة بالرئيس (ترامب) بتهمة التخابر مع الروس، وافتراض اغتياله والترويج لفكرة وجود خلافات بين وزيري الخارجية والدفاع الأمريكي مع مواقف (ترامب) المعلنة تجاه الاتفاق النووي مع إيران، أو حدوث انشقاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الموقف من إيران، وحتى الاعتماد على مواقف الدول الضامنة للاتفاق النووي للوقوف بوجه أميركا .
خامساً : كذبة إيران : الأمن العالمي في خطر :
تكرّرُ طهرانُ ادّعاءها بأنّ (ترامب) يسعى لتعريض الأمن القومي الأميركي والإقليمي والعالمي للخطر، وأنَّ الخطوات الأمريكية ضدّ إيران تسعى لتحقيق عدّة أهداف:
ضرب التحالف الدولي الذي تشكل نتيجة الحرب على الإرهاب، وكانت إيران أحد أطرافه االمهمين والأساسيين، فجاءت إدارة (ترامب) لتقول : إنّ اللعبة انتهت، ودقت ساعةُ الحساب معَ إيران .
الاستمرار الأمريكي في سلب القرار الأوروبي المستقلّ وبالتالي إبقاء دول الاتحاد الأوروبي والناتو تحت السيطرة وتحت المظلّة الأمريكية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً؛ خاصّة مع الصفقات الاقتصادية الضخمة بين إيران وأوروبا والصين كشراء الطائرات واستثمارات في البنى التحتية وكذلك اتفاقيات لتطوير آبار النفط من ناحية والحد من الدور الروسي والصيني الطامح كلاعب مهم في السياسة الدولية .
مجمل الرؤية الإيرانية لها علاقة بإستراتيجية (ترامب) الجديدة التي ستسعى طهران حتماً لاختبارها من خلال ساحة الأزمات الإقليمية البعيدة عن الجغرافيا الإيرانية، لتقيس على ضوئها جديّة ردّ الفعل الأميركي التي تؤكد وسائل إعلام الثورة الإيرانية أنّها جعجعة بلا طحن .
بالمقابل لا شكّ بأنّ شروط العاصفة التي وعد (ترامب) بإطلاقها قد بدأت فعلاً من خلال حزمة العقوبات التي ستطالُ الحرس الثوري وحزب الله، وستبدأ أولى موجاتها من خلال ترجيح إسناد مهمة تدمير حزب الله إلى إسرائيل قريباً، بعد ضمان هدوء جبهة غزه، إلى جانب الضوء الأخضر الروسي لإسرائيل؛ لتدمير القدرات الإيرانية في سوريا تباعاً بعد الانتهاء من فيلم داعش، ويبدو أنّ الرسالة الأميركية قد فهمتها طهران خطأ خاصّة مع توالي الزيارات الرسمية وغير الرسمية لمسؤولين عسكريين إيرانيين كبار، متعهدين برفع مستوى وجودهم وتعاونهم مع نظام بشار الأسد، الذي خانته الذاكرة هو الأخر، وتناسى عن عمد التحذير الإسرائيلي الذي توعّد بالقضاء عليه في حال تجاوز الخطوط الحمراء بالسير قدماً في تسليم سوريا لإيران .