بقلم د. آلاء المصطاف
يبدو ان أغلبية الشعوب تمتلك ذاكرة الاسماك ولا تتذكر إلا آخر الأحداث تأثيرا. مجلة” THE HILL ” الأميركية نشرت مقالا في ضوء نشر استطلاعات للرأي العام حول من هو الأفضل و الاسوء ممن تقلدوا منصب الرئيس عبر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية،الإستطلاعين موجهين الى الشعب الأمريكي اجريا من قبل موقعين هما ”YouGov و ”THE ECONOMICS “. يشيرالاستطلاعان ان المشاركين في كليهما قد اتفقوا ان افضل
رئيس هو باراك اوباما وقد اشادوا بدوره التاريخي في الحفاظ على الديمقراطية الامريكية، في ذات الوقت أكدوا ان الاسوء تاريخيا هو دونالد ترامب معللين اختيارهم له بالأسوء نتيجة لدوره في التحريض على اقتحام مبنى مجلس الكابيتول كنوع من الاحتجاج على نتائج الانتخابات التي اجريت في نوفمبر المنصرم وهو بذلك ينقلب على الاسس الديمقراطية التي طالما تبجح بها الاميركيون امام انظار العالم. وعلى ما يبدو ان تأثر الجمهور الامريكي برئيسهم اوباما وبرنامجه الصحي ” Obama Care ” الذي قلل من معاناة الاميركيين في مواجهة صعوبات الحصول على الدواء في اثناء رئاسته ولو استمر هذا البرنامج لقلل الى حد كبير من معاناتهم في ظل الجائحة، وكما بدا واضحاً ان هذه المعاناة كانت المحفز الاساس لانتخاب بايدن على امل ان يستمر بنهج وسياساته زميله في الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من الانجازات التي حققها ترامب وخاصة في المجال الاقتصادي وانخفاض نسبة البطالة الا ان الشعوب الحية تعاقب من يخل بإلتزاماته تجاههم، لا نعلم حقيقةً اذا كان الشعب الامريكي على صواب في اختياره ام لا! دعونا نتصفح بعض المواقف لنرَ من وجهة نظر خارجية ومحايدة ما اذا كان اختيارهم خطأ ام صواب من مبدأ ان الانسان لا يستطيع ان يرى صورة وجهه بالماء المغلي ونحن هنا خارج الماء وربما نرى الصورة بشكلٍ اوضح.
لو عدنا الى حقبة الرئيس أوباما لوجدنا ان سياسته الخارجية لم تكن جيدة في جميع انحاء العالم وعلى وجه التحديد منطقة الشرق الاوسط ودور ادارته في استعار لهيب الارهاب ان صحت التسريبات وما كشف النقاب عنه في مراسلات وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون و دورها في تأسيس ودعم التنظيم الارهابي. رغم ان هذا الرئيس استهل فترته الرئاسية بمنحه جائزة نوبل بالسلام وعلى ما يبدو ان هذه الجائزة قد منحت له بالنوايا وليس بالتطبيق اذ لم يشهد العالم اي سلام طيلة فترة رئاسته البالغة ثمان اعوام. اما في مجال السياسة الداخلية فلم ينعم الامريكان باي نوعٍ من الرخاء، ومن الجديربالذكر ان حجم الدين الخارجي للولايات المتحدة الامريكية قد بلغ 22 تريليون دولار وفقاً لمصادرنشرها موقع ” CNBC” الامريكي، كما تجدر الاشارة الى ان الامريكان يتكلفون قيمة شراء ادوية الامراض المزمنة بما يقارب 10 اضعاف جارتهم كندا بالنسبة للمشمولين بنظام التأمين الصحي وما يقارب 33 ضعف للفئات غير المشمولة بالتأمين الصحي بحسب ما اورده تقريرل”France 24″، ان هذه المعاناة مستمرة منذ زمن ليس بالقصيربالرغم من تحسنها بشكلٍ نسبي بوجود برنامج Obama care الذي تم الغاءه من قبل الجمهوري ترامب. وبعد وصول بايدن الى سدة الرئاسة والذي توسم به الامريكان خيراً كسابقه أوباما الذي عمل معه كنائب للرئيس طيلة فترتي رئاسته، كان من المفترض ان يكون اعادة العمل به من اولى اولوياته معتبرين ان سبب انتخابه وعزوف اغلبية الشعب عن غريمه الجمهوري هو خطته للخروج من ازمة كورونا وما رافقها من متاعب في الجانب الصحي، لكن رجل النهايات السائبة كرس جهده لاجل الاطاحه بغريمه الجمهوري حتى بعد استسلامه لواقع الحال وخروجه من منصب الرئاسة وجعل اولويته محاكمة وعزل رئيس سابق ولا ارى اهميةً لعملية العزل هذه الا لاسبابٍ معنوية فقط.
لنتابع معاً ما يجري من احداث حول العالم منذ تنصيب الرئيس بايدن في اواخر يناير 2021 ولغاية الان ،لم ندرك لحد الان رؤية الادارة الجديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، دعونا نستعرض اهم الحداث ابتداءاً من رفع اسم الحوثيين من لائحة الارهاب! وماتلاه من اعتداءات متكررة على المملكة العربية السعودية وتصريحات الحوثيين باستمرارهم بهجماتهم وفق ما يرونه يصب في مصالحهم، ضاربين عرض الحائط المبادرة الامريكية في استهتار واضح بأمن المنطقة علماً ان الجانب الأمريكي لم يصدر عنه اي رد فعل جراء عدم اكتراث الحوثيين بقراراتهم التي اعتبروها ذات “طبيعة انسانية” بل تركوا النهاية سائبة. في استعراضٍ ثانٍ اعلانهم العودة الى الاتفاق النووي مع ايران الذي قوبل من الجانب الايراني بالاستمراربزيادة نسب عمليات التخصيب حتى صارت تلوح ايران انها قاب قوسين او ادنى من امتلاك السلاح النووي علماً ان الجميع يعلم واولهم أميركا ان امتلاك ايران للسلاح النووي سوف يجعل المنطقة في حالة سباق محموم للتسلح نووياً وان دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والتي فاجأها الامريكان بإلغاء صفقات السلاح معها رغم اعتزازهم بها كحليف سوف لن تقف بإنتظار موافقة حليفها الأزلي وستسعى جاهدة لإمتلاك التقنية النووية من الخصوم المتربصين بأميركا وفي اعتقادي الشخصي ان المصالحة السعودية القطرية اتت بالوقت المناسب لاعادة لم الشمل الخليجي الذي بات مهدداً بالتفتيت لنراه بالمستقبل القريب قوة نووية تواجه المد الايراني المستهتر في تهديده الدائم لدول المنطقة، ولا ننسى ان دول الخليج لديها القدرة المادية والدبلوماسية لاستقطاب حلفاء ستراتيجيين جدد، خاصةً بعد ان ترك التصعيد الإيراني بنهايةٍ سائبة ايضاً ودون أي ردعٍ يذكر.
لنكن منصفين و محايدين ربما هماك ما يدعو للقلق في الداخل الامريكي والذي تحاول جميع الاطراف اخفاءه جعل الإدارة الجديدة منهمكةً في حلهِ غير آبهةً بما يحدث بالخارج على الرغم من إدعائها بكونها ستعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط وستتعامل مع الدول من خلال ملفات حقوق الإنسان لذلك نراها تتعامل برفق شامل مع الأنظمة التي تراعي حقوق الإنسان مثل النظام في إيران الذي ربما الغى عقوبة الاعدام دون ان يعلم العالم وقد خص الادارة الجديدة بالخبر دون غيرها، والحوثي وتعامله مع الشعب اليمني وكيف قضى على العصابات الاجرامية التي تقتل النساء بوضح النهار وامام اطفالهم، لا أعلم اي حقوق إنسان تتحدث عنها هذه الإدارة الغائبة عن الوعي.
لنعد الى ما رصده المفكرين مما اعتبروه أخطاءاً في سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب حيث كتب برادلي بومان المستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مقالا نشرته مجلة ال” Foreign Policy” ناصحاً الرئيس الحالي بضرورة تصحيح ما اقدمت عليه سياسة سلفه من اخطاء في المجال العسكري جعلت وضع اميركا متراجعاً وبشكل ملحوظ على المستوى العسكري باعتبارها مركز القوة الاصلب على مدى عقود من الزمن.
يحدد كاتب المقال خطأين فادحين من الصعب جداً تفاديهما وعلى الإدارة الجديدة الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لوقف الإستمرار بهماوهما:
- سحب التواجد العسكري الأمريكي من المانيا للضغط على الحكومة الالمانية لاجل زيادة حجم الانفاق العسكري الالماني لحلف الناتو بالرغم من الزيادة التي اقرتها المانيا والتي لم يعتبرها رجل الاعمال الذي لا يفقه ابجديات العلم العسكري دونالد ترامب الذي حتماً تجاهل رأي مستشاريه بالمجال العسكري. ويضيف ان التواجد الامريكي في المانيا منذ انهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس حلف الناتومهم جداً من وجهة نظره لاسباب اولها ان هذا التواجد قد حظي على مدار العقود الماضية بدعم تقني وتدريبي وحتى على مستوى الخبراء كامل فضلا عن ان تواجده في المانيا التي تتمتع بموقع ستراتيجي مهم يجعله على مقربه من مواقع كثيرة بالعالم تستوجب التواجد الامريكي الفوري بها متى ما اقتضت الضرورة. والاهم بالامران الانسحاب الامريكي من المانيا مؤشر خطير على تصدع الناتو وان هذا الحلف قد ضعف بالفعل وهذا ما يعزز نقاط القوة لدى اعداء اميركا في روسيا والصين.
- سحب التواجد الامريكي من كوريا الجنوبية والتي ستعزز انطلاق الوحش النووي الشمالي. التواجد العسكري الامريكي في كوريا الجنوبية يمثل رادع قوي امام انطلاق الصواريخ النووية لشقيقتها الشمالية العابرة للقارات والتي تستطيع من خلالها ضرب القواعد الامريكية داخل اميركا نفسها فضلا عن ان هذا التواجد يمثل نقطة رصد ستراتيجية.
هاتان النقطتان التي اعتبرها الكاتب نقاط جوهرية على الادارة الجديدة الاسراع في حسمها لانها تمثل تهديد للامن القومي الامريكي. ويتطرق المقال الذي اتخذ طابع النصائح لادارة بايدن الى نقاط اخرى أهمها:
- تقليل حجم التواجد العسكري في افغانستان من جندي في 100000 جندي في عام 2007 الى 2500 جندي. ان مكمن الخطر هنا ليس طالبان فحسب بل ان الدبابير التي انشقت من طالبان قد بايعت تنظيم داعش الارهابي وعلى الرغم من التشابه الايديولوجي بين التنظيمين الا ان طالبان يعتبر تنظيماً محلياً على العكس من رديفه الذي اتخذ طابعاً دولياً وانتشر كالنار في الهشيم بمناطقٍ عديدة حول العالم. ولا اعلم لماذا غض النظر كاتب المقال عن رسائل البريد الالكتروني التي رفعت السرية عنها من قبل الادارة الامريكية السابقة والتي كشفت ضلوع ادارة اوباما بتأسيس ودعم هذا التنظيم الذي دفعت مناطقنا ثمن وحشيته اللامتناهية. ولا يفوتنا قرب افغانستان من باكستان النووية والتي لو تمكن داعش من تأسيس ولايته في افغانستان المجاورة سوف يسبب تهديداً خطيراً للسلم العالمي.
- تقليل حجم التواجد الامريكي في سوريا، وهنا ستعاد لعبة الانسحاب الامريكي من العراق وترك الباب مفتوحاً امام ايران لسد الفراغ العسكري الذي ادى الى نتائج كارثية نراها بشكل واضح الان. ان الانسحاب الامريكي من سوريا سيترك فراغا ً سرعان ما يستغله الاتراك المتساهلين مع داعش بحسب وجهة نظر الكاتب هذا اولا، وثانياً الايقاع بقوات سوريا الديمقراطية التي خسرت نحو 11000 مقاتل في حربها لفرض تواجدها بالمنطقة، كان من الممكن ان يكون هذا العدد من قتلى قسد على حساب الجنود الامريكان. فضلا عن فسح المجال لسيطرة الحلف الروسي التركي على سوريا بالكامل.
- سحب القوات الامريكية من العراق والتي اعتبرها الكاتب قمة الكوارث حيث ان العراق يشكل مركز الشرق الاوسط ستراتيجياً ولوجستياً واي خلل في التواجد العسكري الامريكي سيولد حالة من انعدام التوازن، مشيراٍ الى ان ترك العراق لقمة سائغة لايران أمراً خطيراً حتى لو جلست الاخيرة للتفاوض .
فضلاً عن اضعاف الجيش العراقي الذي يعاني اساساً بضعفٍ شديد في بنيته وخبراته سوف يؤدي الى سحقه بين ضربات الايرانيين والتنظيم الارهابي. وفي اعتقادي ان هذا بالفعل ما يحصل في العراق والذي ادى الى تفوق ملحوظ للميليشيات المدعومة ايرانياً ومحاولاتها الحثيثة لانهاء اي دور لتكوين جيش عراقي وطني قادر على مجابهة التحديات التي فرضت على المنطقة بشكلٍ عام والعراق تحديداً.
رجل الاعمال دونالد ترامب لم يذكر التواجد الامريكي في منطقة الخليج العربي، ربما لاعتقاده ان دول الخليج العربي ظلت حريصة على دفع مستحقات التواجد الامريكي في القواعد المقامة على اراضيها بانتظام، بما يشير الى ان هذه الدول من وجهة نظر الادارة السابقة دولا مثمرة على عكس الدول التي هددت بشكلٍ او باخر بزيادة حجم مدفوعاتها او تركها للانهيار بعد تعمد اضعافها .بما لا يقبل الشك ان تضارب سياستي الادارتين والتي بدت واضحةً للقاصي والداني لم تثمر خارجياً او داخلياً، فسياسة الجبايات المالية والقنص المالي التي اتبعها رجل الاعمال لزيادة حجم الواردات للداخل الامريكي لم تؤتي ثمارها ونسيها اطلاقاً شعبه وكانت رصاصات الشعب الامريكي التي وجهها للادارة الجمهورية واضحةً جليةً في الانتخابات الاخيرة في ذات الوقت انها سياسة جعلت من الامن القومي الامريكي في خطر محدق .
لقد قلنا في بداية حديثنا اننا سنكون موضوعيين محايدين كأطرافٍ تراقب من الخارج، ومن خلال ملاحظتنا للسياسات التي اتبعتها الادارات المتلاحقة والتي اثبتت انها لا تتبع سياسة تكاملية كما كان يشاع عن الادارة المؤسسية التكاملية في الولايات المتحدة بل انها سياسات حزبية يقودها اعلام نشيط و بارع في تظليل الرأي العام فكلا الحزبين لم يحقق للشعب الامريكي ما يجعله بمأمن من المخاطر .
أما ما يخصنا كعرب من هذه السياسات ومن خلال فهمنا لما نشر في التقارير ،فاننا فريسة لراعي البقر اما بتأسيس الكيانات الارهابية التي تقتل وتفتك وتخرب حواضر المدن ثم تأتي حمامة السلام الامريكية لتهدمها على رؤوس ساكنيها بحجة تحرريها أو اننا تحت ارهاب الابتزاز لكي يستمر تواجدها بحجة حمايتنا من اعداء تخلقهم لتبرر استمرارها بالابتزاز. ان البلدان التي تدعي اميركا انها ستتعامل معها من خلال ملفات حقوق الانسان والتي تمثل الدول الاكثر انتهاكا لحقوق البشر تضرب اميركا عرض الحائط وتنفذ اجندة توسعات نفوذها على حساب شعوبنا مستغلةً ارضنا ومواردنا، غير ابهةً بقوة وجبروت راعي البقر الذي ترك كل شيء سائباً وانشغل بممحاةٍ يمحي بها قوانيناً اقرها سلفه فهل سيستطيع رجل النهايات السائبة جمع الشتات واعادة سطوة الراعي؟