بقلم: سيف الدين الدوري
في تقرير نشر قبل سنوات ولا اعرف مدى دقته وصحته جاء فيه.
في الاول من تموز من عام 1990 بعث الرئيس العراقي صدام حسين برسالة الى الرئيس الامريكي جورج بوش الاب جاء فيها:
السيد جورج بوش رئيس الولايات المتحدة /واشنطن
ان العراق حريص تماما على علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية .. فالعراق لا يريد تهديد مصالح الدول الغربية في الخليج ويطلب احترام حقوقه التاريخية والثابتة في المنطقة.
اننا لا نريد أن نفجر حرباً في المنطقة واننا ما زلنا ننشد السلام في الحصول على حقوقنا المغتصبة من قبل العرب. اما اسقاط ديوننا مع الكويت فهي مسألة عربية – عربية ولن نسمح لاحد ان يتدخل بها من غير العرب. واذا اسقطت الكويت ديونها ستبقى شقيقتنا ، وإن رفضت ذلك فسنحترم ارادتها وستبقى شقيقتنا كذلك.
لقد ابلغتمونا انتم واحطتمونا علما ببعض الوقائع التي غابت عن ذهننا من سرقة نفط العراق من خلال الانابيب الكويتية المزدوجة التي تعمل على اراضينا دون ان نعلم بها. واحطتمونا ايضا برغبة الكويت في ان تمتد سيطرتها على بعض الحقول النفطية الاخرى … ولكن ساءني ما اطلعتُ عليه منكم من أن الكويت بدأت تثير هذه المسألة على النطاق الدولي، ولا ادري أي سبب أو مبرر لأن تقوم الكويت بشكواها لكم. لقد ابلغتني ممثلتكم لدينا ( السفيرة ابريل غلاسبي) فحوى كل الاتصالات التي تمت بينكم وبين الكويتيين ، وكانت دهشتنا كبيرة حين علمنا بها. وساورتنا الشكوك في ان تكونوا غير صادقين فيما ابلغتمونا به. ولكن عندما قمنا باتصالاتنا مع الدول العربية تأكد لنا ان الامر حقيقي.
وفي 3/7/1990 عقد مجلس الامن القومي الامريكي اجتماعا مهما جدا بناءا على طلب الرئيس جورج بوش استهدف بحث تطورات الوضع في منطقة الخليج واختيار الحلول الملائمة للحفاظ على المصالح الامريكية وضم الاجتماع 14 شخصا مع خبيرين استراتيجيين هما ( برانت مبراهام) و( وليام كيرتن) وترأسه ( سكوكروفت) مستشار الامن القومي الامريكي .
قال سكوكروفت: ايها السادة ان منطقة الشرق الاوسط هامة جداً لنا نحن نتوقع ان تكون هناك بعض القلاقل في الاسابيع القادمة. وان الامر لا يتعلق باسرائيل وانما يتعلق بمنطقة الخليج. وانتم تعرفون اهمية هذه المنطقة بالنسبة لنا اقتصاديا وأمنيا. وأن الامر اليوم يتعلق بالعراق . هناك معلومات كثيرة وصلتنا تفيد ان العراق يخطط للاستيلاء على الكويت. فالكويتيون رافضون التنازل عن ديونهم او ان يمنحوا العراق المساعدات الاقتصادية وهو ما حدا بالعراق ان يهدد الكويتيين في رسالة من صدام الى جابر بأنه سيلجأ الى الخيار العسكري. ونحن نتدبر الان كل الاحتمالات الممكنة . فالعراق هو الهدف بالنسبة لنا ، فهو بحاجة الى تأديب قوته العسكرية الضخمة . وصدام والجيش العرقي وحزب البعث اصبحوا كالسرطان الذي يهدد كل اجزاء الجسم .
واضاف سكروكروفت: كان تصورنا ان المنطقة العربية غير مستقرة سياسياً لكن سقوط الشاه ومجيء الخميني للحكم جعل الامر مختلفاً لأن الخميني مهما قدم لنا من عون يبقى الخميني له اطماع في العراق والخليج وهذا ما لا نريده . وتمكنا من جره الى الحرب الطويلة بينه وبين العراق لاشغال العراق عن اسرائيل ولحرق الترسانة العسكرية التي كنا قد اعطيناها للشاه وافهمنا الخميني ان العراق سيسقط خلال شهور قليلة ويكون لكم.
ويواصل سكروكروفت حديثه: لكن الخطر الذي لم يكن بحسابنا والذي ظهر بعد الحرب العراقية الايرانية هو قوة العراق العسكرية الضخمة التي خرج بها من الحرب والتي اصبحت رابع قوة عسكرية في العالم واصبحت تهدد اسرائيل بشكل مباشر.. ونحن نعلم ان العراقيين لو دخلوا الحرب مع اسرائيل فسيجبروا العرب على الدخول في الحرب معهم ومنهم دول الخليج. ولنتفق ان قيام العراق بعمل عسكري ضد اسرائيل هو اخطر من ان يقوم العراق بعمل ضد الكويت. .. على الرغم من أن تهديد الكويت او القيام بهذا العمل ضدها سوف يؤثر على مصالحنا النفطية وعلى نفوذنا في المنطقة. لذا فإننا لا نرغب بقيام حرب عربية – اسرائيلية من خلال اي دولة في المنطقة … ولذا فإن قيام العراق بعمل عسكري ضد الكويت وإن كان سيمثل خطراً على مصالحنا الاقتصادية في المنطقة ،إلا أن ذلك يمكن أن يكون مفيداً لنا اولاً عبر استغلال هذا العمل لكي نقوم نحن والقوى الدولية الاخرى بوضع ضوابط حقيقية للقوة العسكرية العراقية ، وهي الخطوة الاولى للقضاء عليها. .. اذ ان اي حرب عربية – عربية ستزعزع وحدة الموقف العربي ضد اسرائيل.
واضاف سكروكروفت : العراقيون ما زالوا لم يضعوا الخيار العسكري في خططهم ونحن ما زلنا نزودهم بصور الاقمار الصناعية حول سرقة النفط العراقي من قبل الكويت كل ساعة وندفعهم بإتجاه الحرب ، لكننا لا نرى منهم استجابة حقيقية بإتجاه العمل العسكري .
اما الكويتيون فإننا ما زلنا نحرضهم على عدم الاستجابة للمطالب العراقية والتشدد مع العراقيين بهذا الموضوع وضرورة ان لا يخرج العراقيون بأية مكاسب من هذه الضغوط. .. ان المشكلة بين العراق والكويت ما زالت تحت السطح وان العراقيين متى ما خطوا الخطوة العسكرية سنقابلهم نحن بكل حزم . سنتدخل لحماية مصالحنا والدفاع عنها . وتدخلنا سيكون خطوة بإتجاه اهداف اكبر اولها تواجدنا في المنطقة وسيطرتنا على النفط الخليجي والعراقي وتأمين حلفائنا في اسرائيل والاقتراب من الخطوط السوفياتية وايقاف العجلة العسكرية العراقية التي اصبحت تقلق الاسرائيليين وتدميرها . وبتواجدنا هناك سيكون بإمكاننا التدخل في شؤون أية دولة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً بل سيكون يامكاننا تغيير انظمة حكم لا نريدها بانظمة تخدم مصالحنا واولها نظام الحكم في العراق والقيادة الفلسطينية التي يقودها عرفات.
ويواصل سكروكروفت حديثه قائلاً: اننا نحاول ان ندخل العراقيين في مصيدة الكويت لاننا بهذا الفعل سنبدأ ولن نتوقف بعدها الا باسقاط صدام حسين. اما كيف فأقول اننا سنسير بقرارات دولية شديدة هدفنا منها عزل الشعب العراقي عن صدام حسين ونظامه واضعاف قوته العسكرية مع مراقبة دقيقة لكل ما يحدث في العراق ويكون الهدف من العقوبات هو ان يسقط العراقيون انفسهم صدام ونظامه او ان نتدخل نحن لاسقاطه.
بعد ذلك تحدث وليام كيرتن وقال : انا اقترح ان نفرض عقوبات دولية شديدة على العراق لبضع سنين لاضعافه وستكون الفائدة من هذه العقوبات هو اضعاف النظام العراقي عسكريا وسياسيا واقتصاديا وماليا ووضعه بعزلة داخلية وخارجية حتى يصبح كالمريض الذي لا يرجى شفاؤه ولا علاج له الا بالموت. وعلينا ان نتحرك اعلاميا لعزل صدام وقيادته عن الشعب العراقي وبعدها علينا ازاحة صدام وقيادته وان ندخل العراق بقواتنا ونضمن وجودا دائماً لنا هناك بأن ننصب قيادة عراقية جديدة لا تطلب خروجنا من العراق ولو فعلت فهذا يعني علينا ازاحتها من طريقنا وان نأتي ببديل عنها ونحقق عدة اهداف اهمها:
اولا- ضمان تواجد دائم لنا في الخليج والشرق الاوسط دون ان يقلقنا احد.
ثانيا – اجتثاث البعث في العراق وسوريا لما يمثله من خطر بالغ على مصالح اسرائيل والولايات المتحدة .
ثالثا – ازاحة الجيش العراقي بالكامل من طريقنا وذلك بحل هذا الجيش لأن خبراته التي اكتسبها من حربه مع ايران لا يمكن ان تمحى الا بازالته من الوجود نهائيا وملاحقة قياداته بالاعتقال والقتل او منع اية محاولة لعودة هذا الجيش واستبداله بقوات طائفية او مليشيات موالية لنا يسهل السيطرة عليها ويسهل ازاحتها لو اقتضت الضرورة.
وهنا عقب سكروكروفت قائلاً: إن قرار ضرب العراق متخذ منذ فترة وما علينا الا اختلاق الذريعة التي سيتم تسويقها على مجلس الامن لاستصدار قرار دولي بالامر.
خلاصة القول كما جاء في التقرير ان الخطة لضرب العراق قد اكتملت يوم 3 /7/1990 اي قبل دخول الكويت بـ( 30) يوما وكانت التحركات الامريكية كما لو ان الحرب قد ابتدأت بالفعل . وعربياً كانت الامور هادئة جداً وضمن الخطة التي وضعتها الخارجية الامريكية للتحرك . فعلى الصعيد العربي لعبت السفيرة الامريكية في بغداد ابريل غلاسبي دوراً اساسياً في تصعيد الخلافات الكويتية وكانت قد ابلغت المسؤولين العراقيين بصور الاقمار الصناعية الامريكية وتقارير اخرى حول التجاوزات الكويتية ضد العراق . وفي المقابل وبضغط من السفير الامريكي في الكويت على المسؤولين الكويتيين حتى لا يطرحوا اية تنازلات للعراق .