بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حربٌ عُظمى لا هوادةَ فيها بأساليبَ متعددة ولعل حَربُ المخدراتِ من أقذرِها، وما تضمنته الإحصاءات من ضبط لكمياتٍ تفوق الخيال جزءٌ من هذه الحرب، وهي حربٌ سريةٌ تسري في جسدِ الوطن في ظلمة الليل البهيم سريان النار بالهشيم.
انها والله حربُ إبادةٍ صامتةٍ ، وتدميرٍ خفي.. حربٌ لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل، ولا يرى فيه لهيب الصواريخ، إنها حرب الإبادة بالسموم البيضاء، إنها حرب المخدرات.! ولن تتوقف هذه الهجمات على هذا الوطن الكريم حتى يُحَقِقَ صانِعُوها أهدافَهم، ولكنَّ الله تعالى لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.
بين الفينة والأخرى تَأَمُ بلاد الهواشم المباركة ، قَوافلُ مظلمة تَتَسَلَلُ من منافذِها الخارجية تحملُ السمَّ الأبيضَ الزعاف، من تجارٍ مُغْرضِين يهدفونَ للربحِ على حسابِ إفساد عقولِ ابناء ارض الرباط قبلَ أجسادِهم، وعصابات ممنهجة من خلف الحدود تريد النيل من هذا البلد واستقراره والعبث بأمنه التي تحرسه القلوب قبل العيون.
ولكن بفضل الله تعالى وتوفيقه، ثم الجهودٍ المباركة من رجال الأمن والجمارك المخلصين، تم إحباط معظم محاولات التهريب القذرة.. وهذه الجهود المباركة لهؤلاء الرجال المخلصين ، كفت الشر والاذى عن حياض هذا الوطن العزيز ومنعوه وكم من باغٍ على الفضيلة كبحوه، ومتستر على المخدرات كشفوه، وحاملٍ للبلاء أمسكوه .
إنَّ جميع الإحصاءات التي اعلنتوما تضمَّنَته من حقائقَ مخيفة ومفزعة، تؤكد لنا بالدليل القاطع مقدارَ الهجمةِ الشرسة على المملكة الاردنية الهاشمية ، وما اعلنت عنه الجهات المختصة، حتى نُدركَ حجم المخاطرَ التي يواجِهُها هذا الوطن المسالم حامل المسك وصديق الجميع ، وبهذا ندرك حجم المسؤولية الملقاة علينا جميعاً لدرءِ هذا الشر الدَاهِم، والخطرِ المحدق بارض النشامى لذا يجب على الجميع رصَّ الصفوفِ، والوقوفَ صفاً واحداً أمامَ هذه الحرب وتُجارها المُروجين ، وتقديمَ المعلومات عنهم إلى أجهزة الأمن المعنيةِ بمكافحةِ المخدرات من أجل إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده.
ان هذه الحرب ليست جديدة على المملكة وانما قديمة من حيث التأثير والفعل ، ويقف ورآها دولٌ وعصابات ممنهجة من أعداءِ الإسلام والإنسانية وعُبادِ المادة ورفقاءِ الشيطان، يروجون تجارة الموت في جسد الأمة، وينشرون هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب ذكوراً وإناثاً من أجل تدميرهم وتحويلهم إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل؛ حتى يصبح العنصر البشرى في بلادنا أداة هدم وإجرام وليس أداة بناء وتعمير.
وهذا يؤدي إلى إلحاقِ الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني، والبنيانِ العائلي والاجتماعي والثقافي، ويكون سبباً في الإخلالِ بالأمن والنظامِ العام، ونشرِ الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجبِ أنظارِ الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية وتوجيهِها للانشغالِ في محاربةِ عصابات المخدرات من اجلِ استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، والقضاءِ على معتقدِها، واستنزافِ خيراتها، ثم الاستيلاء على أراضيها، وتدنيسِ مقدساتها.
ان وقائع التاريخِ تثبتُ أن سلاحَ المخدِّرات يُوجَّه للأمم بهدفِ نخرِها من الداخل، وتجريدِها من أهمِ عناصرِ القوةِ فيها وهو الشبابُ القويُ الواعي المنتمي لدينِه ووطنِهِ، الغيورُ عليه، والحريصُ على مُقدراتِهِ.
ولنا في هذه الحرب البيضاء دليل وقصة ، فقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن اقذر حروب التاريخ وهي حرب الأفيون “الحشيش” ضد الصين ، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمنه كثير من الشعب الصيني؛ وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون.! وأخيراً نجحت بريطانيا في هذه الحرب، وحققت ما تريد. وكذلك تفعلُ إسرائيل تدعم الترويج في جميع الدول الإسلامية.
إن هذه البلاد المباركة -وهي حصن السنة الأخير- مستهدفة، فبعد أن فشل دعاة الانحراف الفكري وكذا الانحراف العقائدي من تحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، ورأوا تماسَكهم وتمسكَهم بقيادتِهم وانتماءِهم لوطنِهم، سلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات، ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط؛ ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خططهم.
وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة.. ولن تتوقف هذه الهجمات؛ بل ستزداد! وعلينا اليقظة والاستعداد التام، حما الله بلادنا والمسلمين من كيد هؤلاء، وكيد كل مَن يريدها وأهلها بشَرٍّ مهما كان.. والدعاء: لحراسِ البلاد من رجال مكافحة المخدرات والجمارك غيرهم ممن يقومون على كشف هذا الشر.. ثم الدعاء: بالحفظ لأولادنا من أن يقعوا في براثن هذه الررذيلة.