يبدو أن الحرب الكلامية المشتعلة بين تركيا وإسرائيل قد تؤثر على العلاقة بينهما، ولن تهدأ بسبب تصميم “أردوغان” على إتخاذ مكانة الزعيم الذي يقود العالم الإسلامي ضد قرار الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” بإعلانه “القدس” عاصمة للكيان الصهيوني (إسرائيل)، ففي تقرير لصحيفة (معاريف) الإسرائيلية، أعترفت الصحافية الإسرائيلية “سمدار بيري” أنّ أكثر ردود الفعل الحادة التي تلقتها إسرائيل في أعقاب إعلان “ترامب” هو الردّ التركي، لافتة إلى ربط “أردوغان” القدس بأنها حق ديني للمسلمين، إلى جانب إستعداده لتكريس كلّ جهوده من أجل غزة، مضيفة أنّ “الشعب التركي يقف مع أردوغان وتوجهاته اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
تنتظر لحظة إنتقام..
كشفت الصحافية الإسرائيلية، “أنّ إسرائيل تنتظر لحظة إنتقام واحدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”، مقابل مواقفه تلك.
معتبرة أن “هذه اللحظة هي فشل القمة التي عقدت أمس الأربعاء في إسطنبول، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبحث تداعيات القرار الأميركي حول القدس، وذلك من خلال عدم مشاركة عدد من زعماء الدول الإسلامية والعربية والإكتفاء بحضور ممثلين بمستوى دبلوماسي أقل مما تطمح له تركيا”.
علاقات ملتوية..
قائلة أنّ إسرائيل لا تتمسك بتركيا، سوى لوجود مصالح متداخلة تتطلب هذه العلاقات الملتوية. مشيرة إلى أن هناك مصالح كثيرة تربط الجانبين منذ عودة العلاقات قبل عام.
وأعترفت أنه في الغرف المغلقة كان التحذير دائمًا من مواقف الرئيس “أردوغان” الداعمة للقضية الفلسطينية والمسلمين عمومًا، والمعروف عنه عدم تراجعه في كلّ ما يعتقد أنه حق وصحيح، كما حصل معهم في موضوع “حماس” وحصار غزة، عندما تصدى للإسرائيليين. واليوم كما نرى موقفه القوي الداعم للحق الفلسطيني في القدس المحتلة.
وكان الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” قد أعلن في خطاب متلفز من البيت الأبيض، الأربعاء 6 كانون أول/ديسمبر 2017، إعتراف بلاده رسمياً بالقُدس، (بشقيها الشرقي والغربي)، عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المحتلة.
إتهامات متبادلة..
كان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قد حذر “ترامب” بأن القدس خط أحمر للمسلمين، واصفاً إسرائيل بأنها دولة إحتلال وأرهاب في عدة مناسبات.
ورد “نتنياهو” بعد ساعات، متهماً إياه بقصف الأكراد ودعم “الإرهابيين”. لكن “أردوغان” لم يأت على ذكر “نتنياهو” في خطابه الأخير.
ونجح الرئيس “أردوغان” في حشد 57 دولة عربية وإسلامية خلال قمة إسطنبول الطارئة، بخصوص القدس التي تمت أمس الأربعاء، وخرجت ببيان ختامي يدين ويرفض الإعلان الأميركي بخصوص الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، الأمر الذي يزعج إسرائيل كثيراً.
يلعب بمصطلح الصديق العدو..
وزير الإستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، “يسرائيل كاتس”، قال إن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يلعب مع إسرائيل بمصطلح “فرينمي”، أي الصديق العدو.
25 % من تجارتها مع الخليج..
مضيفاً “كاتس”، خلال حوار مع صحيفة (إيلاف)، ونشرته صحيفة (معاريف) العبرية، أن “أردوغان يهاجمنا كثيرًا ونحن نعي ذلك، ولا يعني أننا لا نرد عليه، ولكن هجومه علينا لا يمنعه من جعل حجم التجارة عبر حيفا نحو 25 في المئة من تجارة تركيا إلى الخليج”.
وتابع: “نحن نتعايش معه بالرغم من ذلك، ونعرف أنه يعتبر نفسه قائد الإخوان المسلمين بالعالم، ويحاول أن يقود العالم الإسلامي، ولكن التجارة التركية معنا بمبالغ كبيرة وخيالية، لم تتأثر بذلك، بل على العكس، وشركات الطيران التركية أكبر شركات النقل الجوي من وإلى إسرائيل، وحجم التبادل التجاري ونقل البضائع عبر حيفا إزداد كثيرًا حتى قبل عودة العلاقات بعد أزمة مرمرة”.
وأعلنت تركيا وإسرائيل، العام الماضي، نهاية أزمة نشأت بينهما على خلفية إقتحام وحدة من القوات الإسرائيلية سفينة مساعدات كانت متجهة إلى غزة عام 2010، مما أدى إلى مقتل 10 نشطاء أتراك. وبعد عودة الأمور إلى مجاريها، فعل الطرفان تعاونهما، لا سيما في مجال الطاقة.
تهدد بتقويض العلاقة الهشة..
محللون غربيون يرون أن مواقف الرئيس التركي المنددة بإسرائيل وقرار الرئيس الأميركي “ترامب” بنقل سفارة واشنطن إلى مدينة القدس، ستزيد من الهوة بين أنقرة وتل أبيب وتهدد بتقويض “العلاقة الهشة” بينهما.
وفي تقرير لها، قالت وكالة الصحافة الفرنسية؛ إن “أردوغان” تحول إلى ناطق باسم الدول الإسلامية المعارضة لإعلان الرئيس الأميركي، حيث وجه إليه إنتقادات حادة قبل أن يحمل على إسرائيل، التي وصفها بأنها دولة “إرهابية تقتل الأطفال” الفلسطينيين.
وكان “أردوغان” قد أكد على أن قمة قادة دول “منظمة التعاون الإسلامي” ستشكل “منعطفاً” في التصدي لقرار واشنطن، في حين لم تتخذ الدول العربية الكبرى أي إجراء ملموس وأقتصرت مواقفها على الإدانة.
يستغله من أجل الانتخابات..
تقول الوكالة إن خطاب “أردوغان” هذا يلقى ترحيبا لدى القاعدة الانتخابية التقليدية له، بل ويحظى بشعبية في العالم العربي والإسلامي.
الباحث في مركز (كارنيغي أوروبا) والسفير السابق للاتحاد الأوروبي في تركيا، “مارك بياريني”، يقول: بأن “موقف أردوغان يتماهى مع الشعور السائد في صفوف قاعدته الانتخابية في تركيا”.
مضيفاً أن هناك خطراً جدياً يواجه تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية؛ بالنظر إلى رد الفعل الإسرائيلي على إنتقادات الرئيس التركي، مشيراً إلى أن هذا الخطر “يدركه الطرفان”.
من جهته، يقول المحلل من مركز (أتلانتيك كاونسل)، “آرون شتاين”، إن “أردوغان” يتطلع إلى الانتخابات المقبلة في تشرين ثان/نوفمبر 2019 في سعيه لولاية رئاسية ثانية تمنحه صلاحيات أوسع بموجب الاستفتاء الذي فاز فيه في نيسان/إبريل الماضي.
من أجل رئاسة مفصلة على مقاسه..
مضيفاُ “شتاين”: أن “أردوغان يخوض حالياً الحملة الانتخابية للعام 2019، سعياً لرئاسة واسعة الصلاحيات مفصلة على قياسه”، موضحاً أنه بوقوف “أردوغان” في الصف الأول في قضية القدس فإنه يطرح نفسه “مدافعاً عن المسلمين المحرومين في العالم”.
تطبيع العلاقات..
ترى الوكالة أن التصعيد الأخير يأتي في وقت تخوض فيه تركيا وإسرائيل عملية تطبيع لعلاقاتهما، بدأت العام الماضي، بعد أن أعلنتا نهاية أزمة نشأت بينهما بعد مهاجمة القوات الإسرائيلية سفينة “مرمرة”.
ويؤكد المحلل “شتاين” على أن الطرفين غير متحابين، إلا أن ذلك لا يحول دون قيام علاقات تجارية طبيعية بينهما، وقال: “أعتقد أن هذا الوضع سيستمر”؛ نظراً للحسابات السياسية لأردوغان والمشاكل السياسية والقضائية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”.
تغيّر بالتوجهات..
من جهته، يقول رئيس مركز (إيدام) لدراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، “سنان أولغن”، إن خطاب “أردوغان”، فيما يتعلق بقضية القدس، يعكس تغييراً في توجهات السياسة الخارجية التركية منذ وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى الحكم في 2002.
موضحاً أن تركيا كانت قادرة تقليديا على ممارسة دبلوماسية غير خاضعة لإعتبارات سياسة داخلية، “إلا أن هذا الأمر تبدل بشكل كبير مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، إلى حد أصبحت معه غالبية قرارات السياسة الخارجية تُتخذ بناء على حسابات محلية”.
مشيراً، المحلل، إلى أنه من هذا المنظار يجب قراءة الجهود التركية في قيادة الحملة ضد قرار واشنطن الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويقول إن “أردوغان” يعتقد أنه يحظى بتأييد شعبي، ما يبرر خطابه العدائي تجاه إسرائيل، حتى وإن جازف بافتعال أزمة دبلوماسية مع إسرائيل.
تلميع صورتها في المنطقة..
صحيفة (لوفيغارو)، رأت أنه يسعى إلى لعب دور الريادة في القضية الفلسطينية، وعادت على ما سمته “سباقاً ماراثونياً” لأردوغان وإتصاله بالعديد من زعماء العالم للتشاور حول إعلان “ترامب” حتى قبل أن يصدر هذا الإعلان.
ورأت الصحيفة أن أنقرة تحاول تلميع صورتها في المنطقة، ويسعى قادتها إلى إظهار هويتهم الإسلامية كدعامة ثقافية وسياسية، بعد أن عمدوا خلال سنوات إلى القطع مع الإرث العلماني لمؤسس الجمهورية “مصطفى كمال أتاتورك”.
خدمة أجندة داخلية ولبلوغ أهداف شخصية..
إنتقاد آخر للرئيس “أردوغان” نجده في صحيفة (العرب) اللندنية، ينقل عمن سماهم مراقبين، أن الرئيس التركي تسرع في تحديد موعد القمة دون تنسيق مع الدول المؤثرة، وهو ما رفضته دول كـ”السعودية ومصر”، هؤلاء المراقبون يرون أن “أردوغان” يستثمر القمة لخدمة أجندة داخلية ولبلوغ أهداف شخصية. ورفعُ سقف شعاراته لا يثير أي رد فعل من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، لأنهما يعرفان أنه دأب على إطلاق التصريحات دون أن يكون لها أي تأثير على علاقته الوثيقة بإسرائيل.
المصدر: موقع كتابات