هل سيدفع وباء كورونا إلى إعادة لملمة الشعوب المغاربية ؟
بقلم : عبداﻹله العلم
كوفيد19 الفيروس الذي أجبر أكثر من نصف سكان الكون على المكوث في منازلهم تطبيقا لبرنامج الحجر الصحي،و ذلك في خطوة إستباقية تروم إلى محاصرته ،سيعمل أيضا على تعطيل مختلف اﻹنشطة اﻹنتاجية مع إرغام الدول على إغلاق حدودها من و إلى حتى إشعار أخر، بالمقابل سيميط اللثام على الوجه الحقيقي للقوى التقليدية/الغرب الموهمة للشعوب المستضعفة بفلسفة الحقوق و التضامن اﻹنسانين، و لعل سلوك الطبيبان الفرنسيان القاضي بتجريب عينات للقاح الفيروس على مواطنين أفارقة على شاكلة فئران التجارب قد أثنى على طاعون القرن الواحد والعشرين نصف وجهه الحسن ، و هو يكشف وضاعة و خبث ثقافة الغرب الواهية و المغلفة بلفافة الديمقراطية و حقوق الانسان، لكنها تخفي في جوهرها عمق نظرة الفرنسيان.
من جهة ثانية،ستحرم الولايات المتحدة الأمريكية الشقيقة تونس من شحنات و معدات طبية لمواجهة الداء،و طائرتها تعود أدراجها فارغة من العاصمة الصينية بعد تحويل مؤونة الشقيقة المغاربية لمنكوبي واشنطن،بالموازة مع مصادرة كمية اﻷدوية من طرف الحكومة اﻹسبانية و هي موجهة إلى المملكة المغربية و بعض دول القارة اﻹفريقية.
هاته اﻷمثلة التقريبية كشفت النقاب على حقيقة الغرب المكولسة في علاقاته مع بلدان العالم الثالث،و المختزلة مسبقا في الهيمنة و إستغلال الثروات الوطنية و ما المبادئ و الشعارات المعلنة سوى طلاء كشف وباء كورونا حقيقته.
تلكم صفعات موجعة و موجهة لكل شعوب بلدان العالم اﻷخر سيما لتلك الحكومات التي وضعت كل بيضها في سلة الغرب المسيحي-اليهودي،
ليفرض المنطق معاودة طرح السؤال؛ألم يعود حريا بالبلدان العربية و خصوصا منها المغاربية أنموذجاً أن تكف عن صراعاتها البينية و المتجاوزة في أفق تركيز جهودها على صياغة خريطة فكرية جديدة، تستجمع فيها قواها مستثمرة لروابطها المشتركة إنطلاقا من الدين و الحضارة اﻷمازيغية و اﻹسلامية في استقلال تام عن الدولة الكولونيالية المنشغلة بحربها البيولوجية، إذ ابتعدت للحظة من خانة الإقليم فما كان لشبابه أن ابتكروا و أبدعوا في مجمل التخصصات،مما يفسر القمع الفكري الممنهج و المسلط عليهم من طرفها بشكل أو بأخر.
فهاهم الشباب المغاربة إستطاعوا تحقيق اﻹكتفاء الذاتي للمملكة من الأغراض الطبية المعدة سلفا لمواجهة هذا الوباء – الكمامات و أجهزة التنفس الصناعي ثم طائرة الدرون – في استغناء تام على السوق الصيني نظير إبتكاراتهم و إبداعاتهم، كما اسطاع الشباب الجزائري و في خطوة جبارة إلى إختراع معهدا للتحاليل المخبرية في أفق التخلي على معهد باستور،علاوة على اﻹبتكار التونسي المتمثل في الربوت و الموظف في تنظيم الحركات المرورية بهدف ضمان الحجر الصحي، إنها المستلزمات اﻷساسية و الضرورية لمقاومة و محاصرة هذا الفيروس بمعنى جهوزية السوق المغاربية إذا ما جلس صناع القرار حول طاولة مشتركة في أفق تكثيف المنتوج و تمكينه من مواطني التجمع الجهوي،ثم اﻹرتقاء بلغتهم الفظة و جعلها قابلة لولوج جوهر متطلبات و طموح شعوبهم عن طريق إستغلال ثرواتهم الوطنية الموجهة بخسا إلى الأسواق الفرنسية،مع اﻹحتفاظ بالمقابلات المادية مكدسة في أبناك اﻷخيرة.
و من أجل ضمان إستنزاف المقدورات المغاربية تماشيا مع الموجة الثانية من اﻹستعمار الغير مرئي و اﻷكثر فتكا،عملت القوة الكولونيالية وفق تكتيكاتها على خلق لوبي مفرنس،يعمل على توجيه أجيال هاته الشعوب وفق إستراتجيتها باستنساخها لأشباه مواطنين ينظرون بعضهم البعض بنوع من الدونية مقارنة مع الفرنسي (السيد)،لتضمن من هذا النهج جعل العداء تيمة مشتركة و دائمة لهاته الشعوب فيما بينهم رغم أنهم يتدينون لنفس العقيدة و المشكلين عرقيا من نفس البناء الجينيالوجي،كما هو الشأن بالنسبة للشقيقين المغرب و الجزائر،بالمقابل يتفقان و يجتمعان على محور واحد و هما يمكناه من خيراتهما الوطنية حينما يتعلق اﻷمر بالمستعمر التاريخي/فرنسا.
من ناحية أخرى، ستتخطى غطرسة الديك الأزرق مستعمراته التقليدية و عينه على الضلع اﻷخر المشكل للخماسي المغاربي،و هو يقف ضد الشرعية الليبية و حكومتها المنتخبة ديمقراطيا، ليساند اﻹنفصالي خليفة حفتر، كونه الكفيل و الضامن على إجهاض حقوق و مكتسبات المواطن الليبي في إستغلال خيراته الجوفية، و الحريص على مد فرنسا نصيبها اﻷوفر من غاز و نفط مصراتة،بثمن رمزي قد لا يعدو مجرد تنصيب الجنرال المتقاعد كومبارسا على القصر الجمهوري.
إن الموجة الوبائية بقدر ما شكلت ضربات موجعة للأقطاب الكبرى باﻷساس،قد تنصف في الزاوية اﻷخرى،الشعوب المغلفة برداء التحرير،و التي عاشت بين نار اﻹستعمار المباشر و أخر ضمني،بعيد اﻹستقلال المشروط، علما أن فلسفة النهجين معا تقتضي تبئيس اﻷهالي و خلط أوراقها في أفق إطالة أمد إستغلالها و إستنزاف ثرواتها كحال البلدان المغاربية،و ما تعيش عليه البلدان الخليجية في الضفة اﻷخرى.
فهل سيشكل وباء كورونا منعطفا أكثر وضوحا و واقعية في الدفع بشعوب العالم الثالث إلى التحرر الفعلي من هيمنة و شيطنة الغرب؟
ً