بقلم: موفق الخطاب
الموصل تحت المجهر//
*
1- (هزيمة داعش وتسلط المكاتب الاقتصادية* ! )
اعتذر اولا عن الإطالة لكن الموضوع في غاية الأهمية وحاولت جاهدا إختزاله.
اغلب من إلتقيتهم وتحدثت معهم من أهالي الموصل الكرام ومن الذين شهدوا فترة حكم تنظيم داعش الإرهابي وبقوا في المدينة ونجوا من سطوتهم ومن كلا جانبيها الأيمن والأيسر كان يتكلم بمرارة عن تلك الأيام العصيبة بتفاصيل مروعة ومأساة فرض حصار عليهم في مساكنهم لأسابيع وقد نفذ منهم القوت والمؤن وبالتالي تيبست منهم العروق ومات المئآت منهم في عقر دارهم عطشا وجوعا ومرضا وضجوا الى بارئهم يشكون ظلم الطغاة للبشر , فضلا عن القصف الوحشي الذي لم يميز بين ارهابي وطفل ومدني!!
ويدين الناجون منهم بالفضل للجيش العراقي وقادته وكيف كان تعاملهم الإنساني مع الأهالي وكيف استقبلوهم بالزغاريد ممزوجا بدموع الفرح وخاصة قوات مكافحة الإرهاب المهنية ,كما اكد لي اكثرهم بانهم لم يشاهدوا في حينها أي تشكيل من الحشد الشعبي ولا من باقي المليشيات مرافقة لتلك القطعات والذين للأسف ما زال بعض ضعاف النفوس منهم من يتبجح على الفضائيات وفي وسائل التواصل الاجتماعي أنهم من دحروا داعش وحموا الأعراض وذلك عيب والله ولا يمنّ ولا يتكلم به من كان عراقيا شريفا عنوانه الشيمة والنخوة.
وأسدل الستار على ذلك التنظيم الإرهابي الذي لا يمت للدين الإسلامي الحنيف بصلة بعد ان استخدمه الأعداء كورقة مفضوحة لتدمير تلك المدينة الصامدة التي كانت دوما رأس رمح عراقي في مقارعة جميع الاعتداءآت والغزوات والاحتلال على مدى تاريخها الممتد لآلاف السنين.
وكان اهالي المدينة يتأملون ان تستعيد مدينتهم مكانتها بنفس وتيرة القضاء على داعش وهزيمته.
لكنه وبعد ان وضعت الحرب أوزارها تراجعت الى الوراء قوات التحالف وتقلصت لأدنى حد طلعاتها الجوية وعادت القطعات العسكرية الى ثكناتها مخلفة وراءها مدينة ممزقة لا تصلح للعيش مع إنهيار تام للبنى التحتية و القطاع الصحي والخدمي وجميع جسورها غاطسة في نهر دجلة في مشهد يدمي القلب، ولم تسلم حتى دور العبادة بكنائسها ومساجدها وآثارها ومنارتها الحدباء التاريخية التي جثت على الأرض قهرا ولا دوائرها الخدمية ولا المدارس ولا جامعة الموصل واقسامها وحرق مكتبتها العريقة ولا المصانع ولا محطات الكهرباء المتهالكة اصلا ولا محطات تصفية المياه وهوت بيوت الناس فوق رؤوس ساكنيها والانقاض متناثرة في كل مكان في مشهد وكأن المدينة قد تعرضت لحرب كونية او قد ضربها زلزال بقوة 9.9 على مقياس ريختر!!
وبقي الامر قرابة اربع اعوام عجاف ولم يحرك احد ساكنا ولم تكلف نفسها وتبادر اي جهة حكومية أو أممية ولم يتحرك المجتمع الدولي لمداواة جراحها ونجدتها ولا حتى بإنتشال الضحايا من تحت تلك الأنقاض !!
وكل من زارها على المستوى الداخلي كان لأغراض الدعاية ومؤخرا لكسب الاصوات وخصوصا ان الانتخابات على الأبواب ,اما زوارها من الرؤساء والسفراء وغيرهم فهو لجس النبض ولأجندات خاصة بدولهم ولم يتحقق الى حد الساعة اي بادرة ولم يوقع أي عقد ذو اهمية يذكر ومازال مطارها المدمر شاهد على ذلك!
وطال صبر الناس شهرا تلو شهر علّ الضمير الإنساني تنفخ فيه الروح لكن دون جدوى ,ولا يعفي ذلك الدور الحكومي فهي مسؤولية مجتمعية و وطنية تتحملها اعلى سلطة في الهرم الحكومي وكذلك المجتمع الدولي الذي صد وما زال عن تلك المدينة المنكوبة .
حيث كانت وما زالت تخصص لها مبالغ سنوية بائسة من الميزانية الاتحادية لا تتناسب مع ثقلها السكاني ولا وضعها الإستثنائي وللاسف فإن نوابها لم يعترضوا يوما على ذلك مع كثرتهم لكنهم غثاء كغثاء السيل!
اما ما شاهدناه من مشاريع قامت بها منظمة الامم المتحدة للاغاثة والاعمار
UNDPفهي متواضعة امام حجم الدمار الذي لحق بالمدينة فليس من اختصاصها اعادة تأهيل الجسور ولا المستشفيات العملاقة ولا محطات التوليد والتصفية ولا اعادة بناء عشرات آلاف المساكن ولا اعادة النازحين ولا المشردين ولا تعويضهم واغلب اعمالها هي ترميم المدارس وبعض الدوائر وبناء مراكز صحية اغلبها خارج حدود الموصل , ولا ننكر جهد الحكومة المحلية الذي سنتناوله في مقال لاحق في اعادة شيء من الحياة للمدينة,
ويبدو ان القرار السياسي إستبعد الموصل من أولوياته نتيجة التجاذبات والصراع داخل اروقة مجلس النواب والكتل الكبيرة مع ضعف اداء نواب الموصل كذلك خلو الميزانية بعد الانهيارات والسرقات الفلكية الترليونية لحكومات فاسدة متعاقبة ,وكانت حكومة السيد العبادي ثم عادل عبد المهدي ثم السيد الكاظمي عينهم على المانحين للقيام بدورهم , والمانحون يصدون عن ذلك لعد اسباب أولها عدم الاستقرار الأمني في العراق ثم حجم الفساد المستشري وسيطرة المليشيات والاحزاب على الشارع والسلاح المنفلت فضلا عن ان المانحين ينظرون للعراق على أنه من الدول الغنية ويستطيع ان يتعافى ولا داعي للمنح ولا للقروض التي ستتسرب لجيوب المليشيات والفاسدين.
ويبرز هنا موضوع شائك وفي غاية الخطورة وربما يكون احد اهم اسباب تراجع إعمار المدينة وعزوف المقاولين والمستثمرين عنها من داخل وخارج العراق ويتمثل بإنتشار ما يسمى (باللجان أوالمكاتب الاقتصادية )والمتواجدة في جميع دوائر ومؤسسات الدولة هنالك دون ان يكون لها يافطة ولا مقرا ولا عنوان بل هي متغلغة وذائبة وغير منظورة كما الملح الذائب في الماء وقد تغير طعمه ليكون علقما وهو في الظاهر صافيا رقراقا يسر الضمآن.
وتلك المكاتب في الحقيقة تتبع لأحزاب متنفذة في السلطة وهي تتمول عن طريق نشاطهم الاقتصادي وبشكل غير شرعي, اي على تسمية البعض (خاوة) تقابلها بالمعنى جزية داعش فالمسميان وجهان لعملة واحدة !!!.
ولا اتكلم عن فراغ فقد تم طرح هذا الموضوع على مجلس الوزراء العراقي لغرض السيطرة على هذه المكاتب وغلقها وكبح جماحها لانه لايوجد اي شرعية لها وقد ابتدعتها الأحزاب بسطوة السلاح, وقد اوعز في حينها السيد فالح الفياض رئيس هيأة الحشد الشعبي بغلق جميع تلك المكاتب وتبرئة الحشد منها, لكن دون جدوى وبقيت تعمل تلك المجاميع وتنشطر بتزايد وخاصة في المناطق المحررة من تنظيم داعش الارهابي تحت قوة وبطش السلاح دون اي خوف من الدولة ولا سلطة القانون.
فحالما تنوي اي جهة التقديم لأي عطاء وفي اي دائرة خدمية وخاصة للمشاريع الضخمة تتفاجئ ان هنالك كارتل (بلطجية) داخل تلك الدائرة يبلغونهم بضرورة دفع الحصة للجهة الفلانية مع تهديد ضمني بعدم السماح بالمباشرة قبل الدفع نقدا ولديهم التفاصيل الدقيقة للعقد وربما المبلغ المطلوب من المقاول دفعه وقد يوازي نسبة ارباحه ,مما يدفع المقاول او المستثمر ان كان عراقيا بالدفع مرغما او العزوف عن المقاولة ان كان المبلغ ضخما وقد انسحب هذا التصرف حتى على كل من ينوي ممارسة اي نشاط خدمي وتجاري في المدينة فعليه الدفع بالحسنى او ان المصير واضح بالضبط كما كانت تفعله القاعدة والتنظيمات الارهابية في الموصل قبل وقوعها في يد التنظيم!
ولا يقبل بهذ الطريقة المهينة في التعامل المستثمر الأجنبي ولا الشركات الرصينة ذات الثقل فتعزف عن دخول السوق العراقي عند سماعها لتلك القصص المخزية اويصدم بها عند التفاوض!!
وربما تجد ان هنالك بعضا من الشركات الاجنبية غير المعروفة عالميا وغير المتخصصة او المرخصة اساسا ومن دول متخلفة وفاسدة تقبل بهذه العروض المهينة فتتفاوض وتدفع ما مطلوب منها لتنفيذ مشاريع لكن دون المواصفات وبجودة رديئة وهي تشكل خطرا محدقا من الممكن ان تنهار في اي لحظة كما أنها تشكل عبئا على الاقتصاد العراقي نتيجة الارقام المهولة التي تضاف على العقد , كما حصل مع مبنى البنك المركزي العراقي المصمم من قبل الراحلة زها حديد والمؤلف من 33 طابقا والمحال لشركة أذرية غير متخصصة في المشاريع العملاقة وهو مهدد بالإنهيار ويجب التحرك الفوري وايقاف العمل به لوجود اخطاء قاتلة في الأسس والأعمال الكونكريتية .
وهنا يأتي دور الدولة وقضائها ومؤسساتها وبرلمانها بضرورة القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة إن كانوا يبحثوا حقا عن عراق مستقر ينفتح عليه العالم ..
ملفنا القادم عن الموصل
(الصحة في غرفة الإنعاش.)