“(جلال طالباني).. الزعيم الكردي، الذي إستخدم البراجماتية والدهاء والشخصية المخضرمة وأبحر سائراً وسط المسارات السياسية الخطيرة للشرق الأوسط، بعد أن نجا من حرب العصابات، ورعب (صدام حسين)، وتحول التحالفات ليصبح أول رئيس للعراق، بموجب الدستور بعد الحرب، وافته المنية الثلاثاء، الثالث من تشرين أول/أكتوبر 2017، في برلين عن عمر يناهز 83 عاماً”.
هكذا استهلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تقريراً لها حول شخصية الرئيس العراقي السابق، “جلال طالباني”، الذي توفى بعد صراع مع المرض أستمر لمدة 5 سنوات، متأثراً بنزيف في المخ وسكتة دماغية.
برع في الحفاظ على توازنه داخل بيئة طائفية لا ترحم..
توضح الصحيفة الأميركية إن الرئاسة العراقية، منصباً يعتبر صوري وعلى الورق فقط، ولكن “طالباني”، بنى من خلاله جسراً ماهراً إستخدمه في فترة ولايته من 2005 إلى 2012 ليكون رئيساً تنفيذياً بمحفظة مهام واسعة وقوية.
واضافت “نيويورك تايمز”: “كان السيد طالباني حرباء سياسية متلونة، بارع في الحفاظ على توازنه في البيئة الطائفية، التي غالباً ما تكون بلا رحمة في عراق ما بعد الحرب. على سبيل المثال، بعد أن جلبت الثورة الإسلامية آية الله الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979، أيد طالباني الأكراد الإيرانيين ضد النظام في طهران. وفي وقت لاحق، تحالف مع حكومة طهران في حربها مع بغداد”.
وضمن ملف عام 2007 الذي نشرته صحيفة “نيويوركر” الأميركية، قال عنه مستشار الأمن القومي في العراق، “موفق الربيعي”، بأنه: “من الصعب جداً تعريفه.. إذا كنت إسلامي، إنه يجلب لك الآيات القرآنية وإذا كنت ماركسياً، سوف يتحدث إليك من منطق الماركسية – اللينينية، والجدليات وديكارت”.
كيف رأته الولايات المتحدة الأميركية ؟
رأت إدارة الرئيس “جورج دبليو بوش”، (طالباني) حليفاً مهماً لها، وإن كان في بعض الأحيان ناقداً قاسياً للسياسات الأميركية والتكتيكات العسكرية. وكان البيت الأبيض أثناء فترة “أوباما” مهتماً بـ”طالباني”، حيث أجرى إتصال هاتفي معه بعدما تولى رئاسة العراق بأسبوعين ليناقش معه الأمور وكيفية دفعها قدماً.
وبعد تراجع الحرب في العراق خلال عام 2010، ظهر السيد “طالباني”، في خطط إدارة الرئيس الأميركي “باراك أوباما” لحكومة ما بعد الحرب.
شرح المراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز، “مايكل غوردون”، والجنرال المتقاعد “برنارد ترينور”، في كتابهما لعام 2012، (لعبة النهاية: القصة الداخلية للنضال من أجل العراق، من جورج دبليو بوش إلى باراك أوباما)، أن السيد “أوباما” وجه نداءاً سرياً إلى “جلال طالباني” طالباً منه التخلي عن الرئاسة العراقية، حتى يمكن تشكيل حكومة أكثر شمولاً تحت قيادة “إياد علاوي”، وهو شيعي يتمتع بدعم سني واسع. وكتب المؤلفين أن هدف الإدارة الأميركية كان مواجهة ما رأى البيت الأبيض بأنه إنحراف نحو الاستبداد تحت قيادة رئيس الوزراء “نوري كمال المالكي”، وعندما رفض “طالباني”، تم إنتخابه رئيساً لفترة ثانية بعد ذلك بأسبوع.
“طالباني” والأكراد..
كما عرف “جلال طالباني” على نطاق واسع بين الأكراد بإسم (العم جلال)، كان يستمتع بطاولات الطعام الوفيرة والسيجار الكوبي، بحكم تضخم ثروته من صفقات النفط غير الشرعية المهربة عبر تركيا.
لم تكن صحته قوية. بدأ رحلة المرض في شهر شباط/فبراير 2007، ونقلته طائرة عسكرية أميركية إلى مستشفى في عمان؛ الأردن.
عاد إلى المنزل بعد 17 يوماً، ولكنه سرعان ما توجه إلى الولايات المتحدة في آيار/مايو من نفس العام لعلاج البدانة، حتى هاجمته نوبة السكتة الدماغية، في نهاية عام 2012، قبل أن ينقل إلى ألمانيا لتلقي العلاج.