بقلم: د. علي القحيص
كثير من القوميات والاقليات والأثنيات العرقية ، قاتلت وطالبت واحتجت وحملت السلاح ضد الدول المركزية ،التي تعيش على أراضيها أو تنضوي تحت سيطرتها وأدارتها، أو حتى استحلت واستولت على أراضيها بالضم وبالقوة ، ولكنها لم تحظى بدعم وتشجيع أو مساندة أو منح تقرير المصير لتلك المجاميع ، ولم تحظى بدعم دولي لتحريرها أو انفصالها أوتحريرها حتى تحقق أهدافها على أرضها وبيئتها.
وحاول الأحوازيون أن يتحرووا أو يقيمون دولة عربية لهم ولم يفلحوا بسبب تجاهل قضيتهم وعدم دعمهم ولا مساندتهم التي أحتلت بلدهم عام 1925م.
وكذلك الفلسطينيين التي احتلت عام. 1948م.لازالوا يحاولون حتى انقسمموا على بعضهم مما أضعف مطالبتهم الشرعية بحقهم في تقرير المصير وقيام دولتهم المستقلة وترك الأمر لهم وحدهم يصارعون الإحتلال الاسرائيلي.
وكذلك الكشميريين والأفغان وغيرهم من بعض الشعوب المسلمة وغير المسلمة العربية وغير العربية الذين لازالوا يحلمون بتقرير مصيرهم أو أثبات وجود هويتهم على أرضهم .
ولكن الاكراد في شمال العراق أصروا وبقوا واستماتوا حاربون ويحاولون على مدى أكثر من مئة عام وهم مصرين على الانفصال الدائم و القتال المستمر وإلبقاء والثبات على أرضهم ، صامدين على مبدأهم ورأيهم وتمسكين بقوميتهم بالنضال المستمر الدؤوب واستخدام النفس الطويل والقتال الشرس والمد والجزر ، والحرب المستمرة مابين كر وفر، ومابين جذب ومد واتفاق وخلاف ، ومابين مفاوضات ومواجهات ، مع الدولة العراقية التي كانت ترفض أن تمنحهم حق أو تتقبل أنفصالهم عن الدولة الأم المركزية، حتى استطاعوا أن يحققوا أهدافهم ورسالتهم ويضعوا لهم موطيء قدم ويقيمون أقليم ومنطقة لهم في( شمال العراق ،غرب آسيا ،جنوب تركيا ، شمال سوريا وشمال غرب أيران) ، بقوة السلاح الخفيف وصمود أبناء الأكراد الثوار الذين دفعوا آلاف الضحايا والارواح من الشباب الكردي، رغم قوة الخصم ضدهم، نتيجة إيمانهم بقضيتهم وبوحدة شعبهم وتقرير مصيرهم و صمودهم وطموحهم، الذي تحقق رغم قسوة المعاناة التي مرت عليهم . واستطاعوا أن يقيموا إقليم (كردستان ) عام 1992م.
وتصبح له عاصمة خاصة مدينة (أربيل)، بمساحة كردستان الإجمالية حوالي 5 مليون كيلومتر ، وعدد سكان الإقليم أكثر من خمسة ملايين كردي حسب إحصاء عام 2014م، يحكمه نظام برلماني ، يعتمد فيه العملة العراقية، ويرفع لهم علم خاص ونظام مؤسسي كردي .
يتحدثون سكان الأقليم اللغة الكردية والعربية، وعقيدتهم الدين الإسلامي المذهب “السني الشافعي”، واجمالي عدد الأكراد بالعالم يقدر حوالي 35 مليون نسمه منتشرين بالعالم وهم أكثر فئة عرقية لاتملك دولة مستقلة ، مماجعلهم أن يشكلون تكوينات و مجموعات وتنظيمات مسلحة وظهور حركات ضد بعض الدول التي يعيشون فيها ويرفضون أن تذوب هويتهم بها.
يدافعون عن حقوقهم وتقرير مصيرهم ، ومن عام 1920 وعدوا بذلك بموجب اتفاقية (سيفر) وهي عبارة عن معاهدة دولية صيغت لحمايتهم بالاتفاق مع( الأكراد وأمريكا وفرنسا وبريطانيا )، ورسمت في حينها خارطة كردستان الكبرى، ولكن ذلك لم يتم ولم تحقق الهوية الكردية مرادها، لعدة إعتبارات وظروف وخلافات ونزاعات وتدخلات سياسية دولية وإقليمية .
عام 1958 قام الزعيم القبلي الكردي مصطفى البرزاني (1903_ 1979). بحركة تمرد انتفاضة كبرى ، ضد الحكومة العراقية المركزية وحارب لمصلحة موطنه الأصلي شمال العراق، ليقود حركة تمرد وانتفاضة عارمة من أجل تأسيس وتكوين وإنشاء دولة كردية منفصلة، وقد قاد حرب إستنزاف ضد الحكومة العراقية حتى عام 1970، للحصول على الحكم الذاتي للأكراد بالاتفاق مع الحكومة العراقية آنذاك التي منحتهم هذا الحق المشروع في زمن حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي ، ختى أن بعض الدول العربية أحتجت على هذا القرار !
ولم يستمر ذلك الاتفاق طويلا بسبب المفاوضات الطويلة المستمرة مع الحكومة العراقي في تلك المرحلة بسبب مدينة كركوك الغنية بالنفط المتنازع عليها، التي تمسكت بها الحكومة العراقي تحت سيطرتها ونفوذها ، فيما اعتبرها الاكراد من ضمن حدود ومدن الأقليم الكردي ، ولازال النزاع قائم على هذة المشكلة. وانهارت المفاوضات في حينها وعادت المناوشات والمشاحنات والاقتتال المستمر لحتى عام 1992 وبسبب ضعف حكومة المركز أثناء أحداث عام 1990 بعد دخولها للكويت ، تم إنشاء وتأسيس أقليم كردستان الذي يتكون من عدة محافظات هي: ( أربيل ،السليمانية، دهوك) واربيل، ودهوك وحدودهما تحت تصرف وقيادة مسعودالبرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحافظة السليمانية وحدودها تحت سيطرة وقيادة جلال طلباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاتي ،الذي يتخذ من السليمانية مقرا له.( 1933_ 2017).
وفي عام 1994 ،حصل بين الحزبين مواجهات عنيفة وخلافات حدودية ومنازعات وقتال شرس، بعد انسحاب الجيش العراقي من المنطقة عام 1991، دفع الطرفان آلاف القتلى والجرحى، إلا إنهما اتفقا في النهاية على قيام اقليمهم الكردي ، الذي يعيشون فيه الآن، مماجعل هذا الأقليم الكردي منطقة آمنة مستقرة ومزدهرة أكثر من مدينة الحكومة العراقية المركزية الحالية، الاي عجزت عن تشكيل حكومة وطنية قوية تحميها من التدخلات الإقليمية والدولية؟!
* كاتب سعودي