مقاربة بين حدثين اجتمعا في تاريخ واحد
بقلم: احمد صبري
كثيرة هي المقاربات التاريخية في عالمنا العربي بحلوها ومرها، غير أن ارتدادات هذه المقاربات على واقعنا المعاش لا تبدو سعيدة ولم تؤسس لمستقبل واعد، كنا وما زلنا نحلم به، ونتطلع للعيش في ربوعه، غير أن المقاربة التي نحن بصددها كانت إيذانا بواقع جديد وضع أحمالا إضافية من الهموم والتيه والضياع على عاتق الحالمين بمستقبل واعد.
وربما هي المصادفة التي جمعت مقاربتين أو حدثين في تاريخ واحد، في مصادفة تاريخية لها دلالاتها السياسية، هو الثامن والعشرون من ـ أيلول، رغم تباعد وقوعهما واختلاف ظرفيهما .. غير أنهما تسببا بإصابة الأمة ومشروعها القومي بالصميم.
فالحدث الأول تمثل بانفراط عقد الجمهورية العربية المتحدة، بانفصال سوريا عن مصر في الثامن والعشرين من ـ أيلول عام 1961.
وبعد قرابة العقد من الزمن على كبوة أول مشروع وحدوي، يرحل رائده والمبشر بأهدافه الزعيم جمال عبد الناصر، في نفس اليوم الذي حدث فيه الانفصال في الثامن والعشرين من ـ أيلول عام 1970.
وما بين الحدثين وما أعقبهما شهدت مسيرة العمل العربي حالة من الإحباط والانكسار والتراجع، وضعت الأمة ومشروعها القومي على المحك، جراء ما أصابها بفعل ارتدادات الحدثين على مجمل الأوضاع العربية.
ورغم خيبة الأمل التي أصابت الحالمين بوحدة الأمة ومشروعها النهضوي بعد انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا، إلا أن رائد مشروع الوحدة ، لم ييأس أو يتخلى عن تحقيق حلم الأمة بتوحيد أقطارها، وإنما ازداد إيمانا بحتمية مشروع الوحدة؛ لأنه من ينقذ الأمة من حالة التخلف والانكسار ويحافظ على قوتها وهويتها.
لقد عمل عبد الناصر بجد على استنساخ تجربة الوحدة بصيغ ووسائل مختلفة طبقا للواقع العربي مع عدة أقطار عربية لتجاوز الأخطاء التي رافقت تطبيق وحدة مصر وسوريا؛ ليعيد الأمل للجماهير التي رأت في مشروع الوحدة أملا وخلاصا من التجزئة والانقسام والفرقة، وتحرير الإرادة واسترداد الحقوق، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتصدي لمحاولات الهيمنة الاستعمارية على القرار العربي المستقل، غير أن الموت أدرك عبد الناصر في لحظة تاريخية كانت الأمة بحاجة إلى دوره كضمانة لتوحيد الموقف العربي في مواجهة المخاطر الخارجية.
وعندما نستعرض حال الأمة والتحديات التي واجهتها منذ الانفصال ورحيل عبد الناصر واحتلال العراق، نستطيع القول، إن ارتدادات الحدثين على مجمل الأوضاع العربية رغم مرور العقود الستة الماضية على وقوعهما، ما زالت ماثلة للعيان، أدت بمجملها إلى تراجع مشروع الوحدة كخيار واستبداله بمشاريع بديلة، فتحت الطريق للتدخلات الخارجية بتقرير مصير الأمة وقضاياها، على حساب الأمن القومي العربي.
وأدى غياب عبد الناصر وتراجع أدوار اللاعبين في المحيط العربي والإقليمي إلى انعكاس ذلك على مسيرة العمل العربي، وظهور لاعبين وقوى جديدة، إلا أنها لم ترتق إلى مستوى ودور مصر عبد الناصر في التأثير وقيادة العمل العربي كضابط لإيقاعه في عملية الحشد والتعبئة المطلوبة للحفاظ على الأمن القومي العربي،
وعندما نرصد ما جرى على امتداد المسافة بين المقاربتين أو الحدثين وما أعقبهما من تطورات نستطيع القول إن فرصة النهوض من جديد رغم المصدات الكثيرة التي تحول دون ذلك، إلا أن هذه الفرصة قد تلوح بالأفق من جديد رغم أنها ليست مستحيلة.