رئيس التحرير / د. اسماعيل الجنابي
الأحد,19 مايو, 2024

مذبحة الضرائب الفلسطينية.. هل تقرأ إسرائيل دروس التاريخ؟

بقلم: رامي الشاعر
صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية، يوم أمس الأحد، على وجوب تجميد الأموال التي تحوّلها السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية

في عشرينيات القرن الماضي، تمكن اليهود الألمان من التداخل والتكامل مع المجتمع الألماني كمواطنين ألمان، حيث اعتمد الاقتصاد الألماني على إسهامات يهودية كثيرة في عدد من القطاعات الحيوية، علاوة على إسهامات اليهود في العلوم والثقافة والفنون في البلاد.
ولكن حينما أصبح زعيم حزب العمال الاشتراكي الألماني، أدولف هتلر، مستشاراً لألمانيا في 30 يناير 1933، كان المسؤولون النازيون يؤمنون بأن اليهود كانوا سبباً في هزيمة الحرب العالمية الأولى، وفي التضخم المفرط، وأزمة الكساد العالمي، وبأن الأقلية اليهودية الألمانية، التي تمثّل حوالي 500 ألف مواطن (0.77% من السكان)، تمتلك حوالي 20% من ثروات ألمانيا. وهو ما دفع هتلر والنظام النازي لتبني قرارات سياسية تهدف إلى مصادرة الممتلكات، وطرد الموظفين اليهود من الوظائف العامة، انتهاءً بالمظاهرات الشعبية العارمة التي كانت تستهدف ممتلكات اليهود من تجارة وأعمال وحتى أماكن عبادة، تحت مباركة ورعاية النظام النازي.
وفقاً لهذه السياسات اتخذت الضرائب المصادرة على الممتلكات اليهودية 3 أشكال رئيسية، كان أولها فرض ضريبة على الهجرة (دخلت حيز التنفيذ في 1933) لوقف هروب رأس المال، وتم تغييرها عام 1933 لفرض ضريبة ثروة بنسبة 25% على جميع تحويلات الثروة خارج ألمانيا. علاوة على ذلك أضيفت أجزاء كبيرة من الأصول المحلية المتبقية إلى حساب البنك المركزي الألماني، ولم يسمح بتحويل سوى جزء بسيط إلى عملات أجنبية. وكان اليهود الذين يتقدمون بطلب للهجرة يعاملون تلقائياً كمشبوهين بمحاولة التهرب الضريبي، وهو ما كان يعني كذلك أن الأصول المباعة لغير اليهود تحت الإكراه كانت بأسعار أقل بكثير من قيمتها السوقية لغرض حساب ضريبة الهجرة، التي ارتفعت من 62.5% عام 1933 إلى 77.2% عام 1937 (المصدر – Ritschl).
ثاني هذه الضرائب كان ضريبة رأس المال على الثروة اليهودية، والتي فرضت عام 1938 بعد ضمّ النمسا.

وكانت جميع الأصول اليهودية قد تم تسجيلها في مكتب الضرائب المحلّي، وكان التقييم، كما هو الحال مع ضريبة الهجرة، على أساس القيمة الدفترية، وفقاً لقانون الضرائب لمنع التحايل. تم تحديد ضريبة رأس المال لأول مرة عند 20%، ثم زادت لاحقاً بأثر رجعي إلى 25%، حينما لم يتحقق هدف الإيرادات المقصودة في الأصل.
كان الشكل الثالث من مصادرة الضرائب من جبايتين إضافيتين، استهدفت الأولى عائدات الرهن على الأعمال التجارية اليهودية المتبقية، والتي فرضت بعد مذابح “ليلة الكريستال” في نوفمبر 1938، والتي اندلعت إثر اغتيال الدبلوماسي الألماني إرنست فوم راث على يد مراهق بولندي يهودي. أما الثانية فكانت في النقل النهائي لجميع الأصول السائلة المصادرة سابقاً إلى ميزانية الحكومة المركزية بموجب أمر تنفيذي في نوفمبر 1941. وقد بلغت تلك المصادرات في الفترة من 1938-1941 زهاء 2.648 مليار رايخ مارك، من أصل 4.5 مليار رايخ مارك، قيمة الأصول التي كان يمتلكها اليهود، بنسبة 58% من تلك الأصول.
يوم أمس الأحد، 11 يوليو 2021، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية بالإجماع على المقترح الذي قدّمه وزير الدفاع، بيني غانتس، بوجوب تجميد الأموال التي تحوّلها السلطة الفلسطينية لصالح أسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ووفقاً لمكتب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، فسوف يتم تجميد المبلغ من المستحقات الضريبية (عائدات المقاصة) التي تحوّلها إسرائيل شهرياً للسلطة الفلسطينية.
رداً على القرار، صرح رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، اللواء قدري أبو بكر، بأن مصادقة المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية على خصم 597 مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية هي “جريمة تفوح بالإرهاب والقرصنة”.
وعائدات المقاصة هي مستحقات ضريبية فلسطينية، تجبيها تل أبيب على الواردات الفلسطينية، ومن خلالها بمتوسط شهري 200 مليون دولار، وتحوّلها نهاية كل شهر لخزينة السلطة.

وتلك ليست المرة الأولى التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي باقتطاع أموال السلطة، حيث أقرّ “الكنيست” الإسرائيلي قانوناً مشابهاً لاقتطاع جزء من عائدات المقاصة في 8 يوليو 2018.
اليوم تغتصب السلطة الإسرائيلية، ممثلة في المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية، حقاً من أبسط حقوق الفلسطينيين، ولا نقول ضرائب الهجرة أو ضرائب رأس المال أو الأعمال وغيرها، مثلما كانت تفعل حكومة النازي بحق اليهود، بل إنها تغتصب حقوق أمهات ثكلى، ويتامى محرومين من آبائهم، وتمنع وصول تلك الأموال لمستحقيها في ظلم تاريخي يتجاوز ما فعله النازي بمراحل.
لعل من أهم مقومات المسؤول وصانع القرار السياسي قراءة التاريخ، تاريخ أمته، ولا أقول تاريخ المنطقة أو تاريخ العالم. بل تاريخ الأمة اليهودية نفسها، ولا بأس بعدها من التباكي على الهولوكوست، واستثمار الظلم (الحقيقي في بعض أجزائه بالمناسبة) الذي وقع على أجيال سابقة من هذه الأمة، ولكن الأهم والأجدى والأكثر اتساقاً مع الناموس البشري العام، ولا أقول مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، هو عدم تكرار نفس الظلم والافتراء والنهب والسرقة العلنية بقوانين سياسية تجاه شعب أعزل، يدافع عن قضية عادلة أبسط مطالباتها الشرعية إيقاف الاستيطان، والانصياع لقرارات هيئة الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 242 بالانسحاب من الأراضي (وليس أراضٍ كما في النسخة الإنجليزية) التي احتلتها إسرائيل في نزاع 1967، واحترام سيادة دول المنطقة، وحل مشكلة اللاجئين، وإقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، مروراً بالقرار 2334 في 23 ديسمبر 2016، الذي حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967، وانتهاءً بوقف أنشطة الهدم والطرد لأهالي القدس الشرقية، واتخاذ إجراءات أحادية الجانب تؤدي إلى تفاقم التوترات، وتقوّض قابلية تطبيق حل الدولتين.
فهل لنا أن نطمع في القدرة على قراءة واستيعاب دروس التاريخ (تاريخهم لا تاريخنا!) من جانب المسؤولين والسلطات الإسرائيلية الغاشمة، التي تمارس أبشع أنواع القمع والتعذيب والقهر والتعسف تجاه شعبنا الفلسطيني، دون أن يهتز جفن لأحد، ممن يتابعون خروقات الدولة اليهودية المارقة، بينما ينتفض الجميع، وتقوم قائمة العالم، حينما يمس أحدهم من قريب أو من بعيد الهولوكوست، حتى ولو من خلال دراسات أو أبحاث تاريخية وعلمية، أو يصبح، لا قدر الله، محل شك بالتلبّس بالتهمة الفظيعة والمرعبة والمدمرة المسماة: “العداء للسامية”.

كاتب ومحلل سياسي

اقرأ أيضا

أخبار ذات صلة

Next Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.