زار الرئيس المصري، “عبدالفتاح السيسي”، الاثنين، العاصمة الروسية، “موسكو”، في زيارة هي الرابعة منذ الإطاحة بالرئيس السابق، “محمد مرسي”. ويلتقي “السيسي” في تلك الزيارة، التي تستغرق ثلاثة أيام، نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، ورئيس الوزراء، “ديمتري مدفيدف”، وعدد من أبرز المسؤولين الروس.
ومن المقرر أن يناقش “السيسي” مع نظيره الروسي؛ سبل تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات واستمرار التعاون والتشاور بشأن الملفات الإقليمية والدولية المشتركة. كذلك سوف يجري، “السيسي”، مشاورات مع “مدفيدف” والمسؤولين الروس تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، بحيث تلبي تطلعات الشعبين المصري والروسي.
مصر.. بين روسيا وأميركا..
وبحسب برنامج الزيارة؛ سوف يلقي “السيسي” خطابًا أمام “المجلس الفيدرالي الروسي”. ويعتقد الخبراء والمحللون أن زيارة الرئيس المصري إلى “روسيا” وتأكيد “القاهرة” على توطيد العلاقات مع “موسكو”، بعد توقف دام سنوات، تنطوي على جانب كبير من الأهمية.
فلقد اتسمت علاقة البلدين بالمتانة قديمًا، لا سيما في عهد “عبدالناصر”، لكن في العام 1972، وبعد إعتلاء “أنور السادات” كرسي السلطة، تغير إتجاه “القاهرة” بشكل كامل. إذ أعتقد “السادات” أن الأفضل لـ”مصر” أن تبحث عن بديل أقوى، (أي أميركا)، من “الاتحاد السوفياتي”. ولذلك تبنى “السادات” إستراتيجية الانفتاح على الغرب، وطرد في أسبوع واحد، أكثر من 17 ألف مستشار روسي ليقطع بذلك التعاون العسكري بين البلدين ويستبدل “الاتحاد السوفياتي” بـ”الولايات المتحدة”. واستمرت تلك السياسة في عهد “حسني مبارك”.
لكن؛ وبعد تطورات الصحوة الإسلامية بشمال إفريقيا، سعى الروس، (وقد كانوا بصدد استعادة قوتهم)، للعودة مجددًا للمنطقة، لا سيما “مصر”. ولم تنجح مساعي “بوتين” في توطيد العلاقات مع “مصر” وتوجيه دعوة رسمية للرئيس السابق، “محمد مرسي”، في تحطيم السد الأميركي المنيع ضد “روسيا” في هذا الجانب من “قناة السويس”. بحسب ما نشرته صحيفة (المثقفون) الإيرانية.
مفترق طرق..
والإطاحة بـ”محمد مرسي” من السلطة؛ وصعود “السيسي”، وصل السلطة المصرية إلى نتيجة مفادها أن “أميركا” لم تعد جديرة بالثقة، ولابد من التحول تجاه الشرق. ولم تقبل “الولايات المتحدة الأميركية”، التي تحالف الأنظمة الاستبدادية، بالتطورات المصرية ووصفتها بالإنقلاب وقطعت على الفور مساعداتها السنوية إلى “مصر”، بقيمة مليار و300 مليون دولار، كما علقت مبيعات (إف-16) إلى “القاهرة”. الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات المصرية مع الغرب، وبخاصة “أميركا”.
وهذا ليس بالتأكيد محل الخلاف الوحيد بين البلدين. ففيما يتعلق بالأزمة السورية أعلنت “أميركا” وحلفاءها دعم المتمردين، بينما عارضت “مصر” تقسيم هذا البلد ودعمت فوز القوات الروسية المناصرة لـ”الأسد”.
كما إنتهى القرار الأميركي بشأن “القدس”؛ والإنحياز الكامل للكيان الصهيوني، في تقويض مصداقية “واشنطن” باعتبارها وسيط في ملف السلام الفلسطيني، وتوجهت الأنظار صوب “موسكو”.
وبغض النظر عن الخلافات “المصرية-الأميركية”؛ فلقد دفعت نقاط الاشتراك بين “موسكو” و”القاهرة”، (وتحديدًا الحيلولة دون تنامي نقوذ الإخوان المسلمين)، الجانب المصري إلى تغيير بوصلة سياسته الخارجية بزاوية 180 درجة.
وقد استفادت “روسيا” من هذه الفرصة التاريخية، وعلى عكس “أميركا”، سعى الروس إلى توطيد العلاقات مع “مصر” في كافة المجالات. وهذا جزء من الإستراتيجية الخارجية الروسية؛ والتي تفرض على “موسكو” رفع مستوى العلاقات مع “أميركا اللاتينية” و”إفريقيا” و”غرب آسيا”، بحلول 2020، بالشكل الذي يؤهلها إلى التعامع مع القضايا العالمية وتأمين مصالحها.
القاهرة والتحول إلى الشرق..
لم تنجح، رغم التماهي شبه المطلق مع السياسات الأميركية، في الاستفادة من هذا الأمر. لقد كان نصف الشعب المصري، البالغ 80 مليون نسمة، يعيش تحت خط الفقر بعد الإطاحة بالمخلوع، “حسني مبارك”، فلم تكن “أميركا” على استعداد لإصلاح الوضع الاقتصادي المصري.
وعلى عكس الأميركيين؛ سعى الروس إلى تطوير التعاون مع “القاهرة” في كل المجالات، ولعبت دورًا بناءً، بحيث تحولت العلاقات إلى رابطة إستراتيجية.
وعليه أعلن “سيرغي لافروف”، وزير الخارجية الروسي، مؤخرًا أن “روسيا” تعتزم إنشاء منطقة صناعية روسية خاصة في “قناة السويس” المصرية. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، حاليًا، حوالي 6 مليار و500 مليون دولار.
وقد وقعت البلدين، العام الماضي، اتفاق يتيح لكل منهما استخدام المجال الجوي للآخر مدة خمس سنوات. كذلك نجحت “روسيا” في مليء فراغ المعدات العسكرية الأميركية في “القاهرة” وعقدت اتفاقيات تسليح بعدة مليارات تتضمن مقاتلات (ميغ-29)، و(هليوكبتر 35)، ومنظومات صاروخية، ومختلف الدفاع الجوية والأسلحة والذخيرة الخفيفة. وبلغ التعاون بين البلدين أعلى مستوياته بإعتزام “روسيا” بناء “محطة نووية مصرية”.