بقلم: علي الحسن
ترى ما الذي كان يحلم به السجناء، وهميرصفون بالحجارة
القاسية «جادة خليل باشا» الشارع الجديد، مثلما سماه الانكليز؟. ارجلهم مقيدة بالسلاسل ويرتدون زيا غريبا مصنوعا من «أكياس الجانفاص – الكواني» وهم يدكون الحجارة على الارض ويصفونها بـ» المدكات» بحماس، مسقطين احلامهم المكبوتة وغواية الحرية، على الشارع، الذي شق قلب مدينة السلام ليكون متنفسا للبغداديين والعراقيين عموما؛ إذ انتشرت دور اللهو ومحال التبضع ومكاتب الشركات والمقاهي، على جانبيه؛ تمنح المتعة والجمال والمال، لابناء المدينة العريقة.
وكانت السينمات، هبة العلم التجريبي للقرن العشرين، الاكثر ابهارا واستحواذا على عقول وافئدة الجمهور، الذين تهافتوا عليها منذ عروضها الاولى، العام 1909 في الكرخ، وبعد سنتين، اسس تاجر مكائن يهودي يدعى بلوكي، اول سينما تعرض افلاما، في الرصافة قبيل وصول الكهرباء الى بغداد، حملت اسمه؛ فشاهد الجمهور مساء الثلاثاء 5 أيلول 1909، افلاما صامتة، ذاع صيتها الى حد ان اكتظت مقاعد قطار البصرة – بغداد بالاهالي، القادمين لمشاهدة «سحر السينما العجيب».
ومن اوائل دور العرض، التي انشئت قبل الحرب العالمية الاولى، سينما رويال، في باب الاغا، ومع دخول الانكليز الذين جلبوا الكهرباء معهم، شيدت سينمات في شارع الرشيد، ابرزها: «العراقي» في الميدان، و»سنترال» في محلة العمار، و» اولمبيا» في المربعة، و» الوطني» في سيد سلطان علي، وكل هذه السينمات تقع على «واجهة الجادة الجديدة « مثلما يذكر المؤرخان فخري الزبيدي وعباس العزاوي.
أما دور العرض التي تاسست في العام 1932، فهي «الرافدين» و»الحمراء» قرب جامع مرجان و»الزوراء» في المربعة ومجمع سينما «روكسي» بتمثاليه الذهبيين، الذي شيدته عائلتا «سودائي ومسيّح» اليهوديتان، على انقاض ثكنة عسكرية.
واذا اعتبرنا سينما الخيام، التي تقع في شارع فرعي قصير يربط ذراعي الجمهورية والرشيد، من ضمن سينمات الشارع العتيد، نكون قد احصينا هذا العيد المتنقل من الفرجة، اعتمادا على الذاكرة وماتيسر من مصادر شحيحة.
اطلعني المصور الفوتوغرافي والمؤرشف كفاح الامين.. صاحب مشروع «البنك الثقافي» على اعلان نشرته الصحف البغدادية العام 1927، مفاده: ان «سينما الوطني، خصصت اماكن للنساء» وهي مبادرة شجاعة في ذلك الزمان، والطريف ان سينما «الوطني» شهدت عرض اول فيلم ناطق في العراق، عنوانه «ملك الموسيقى» اول ايام عيد الفطر.. 19 شباط 1931، فكان مثار دهشة وذهول البغداديين، حتى ان بعضهم ترك صالة السينما، وهو يصرخ «انها علامات الساعة».