منذ نيسان 2015 دخل العراق في ازمة سياسية خانقة جراء الخلافات التي عصفت بمجلس النواب في 13 نيسان الماضي، وأنتجت برلمان برئاسة عدنان الجنابي غير مكتمل النصاب و برلمان اخر برئاسة سليم الجبوري، وتعطيل الدور الرقابي والتشريعي ورافقه اخراج وزراء واختيار وزراء جدد بدلاء فتأثرت تشكيلة مجلس الوزراء الذي كاد ان لا يحقق النصاب في اجتماعاته الاسبوعية.
وكانت جلسة البرلمان في 14 نيسان الماضي الانطلاقة الاولى لتشظي البرلمان العراقي المؤلف من 328 نائبا الى برلمان معارضة يديره عدنان الجنابي وبرلمان يديره سليم الجبوري ،وانشغلت وسائل الاعلام في تناول موادها الاخبارية والمعلوماتية التي غالبا ما كانت عبارة عن تصريحات متشنجة فيها لغة تخوين واتهام لاطراف الخلاف الثنائي ،وظهرت في ذلك شخصيات برلمانية تسمى بصقور الخلاف وشخصيات اخرى تسمى بحمائم الخلاف وقد تأزمت أوضاع البلاد كثيرا في وقت كانت الحرب ضد تنظيم داعش بلغت أعلى مدياتها وخطورتها.
ولما أشبعت قضية الخلاف بين طرفي البرلمان المتنازعين ضربا من التعصب والتمترس في رأي دون سواه لكلا الطرفين،ارتفع صوت المطالبين من المحكمة الاتحادية بان تنطق بالشرعية،مع العلم ان طرفي البرلمان المنقسم كل يريد ان يكون الحكم هو صاحب الشرعية، عندها ارتأت المحكمة الاتحادية الاستعانة بخبراء اعلاميين مؤلفة من خبراء اساتذة من كلية الاعلام،وكانت نتيجة تقريرها الذي صدر في جلسة المحكمة الاتحادية ليوم 8 حزيران عدم توفر الشرعية القانونية لنصاب جلسة برلمان المعارضة التي عقدت في 14 نيسان وصوت خلالها النواب المعارضين باختيار عدنان الجنابي رئيسا مؤقتا له، كما صوت على اقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري ونائبيه.و قدم تقرير لجنة الخبراء الاعلاميين رأيا فنيا بتوفر النصاب العددي لجلسة يوم 26 نيسان التي صوت فيها البرلمان في جلسة نقلت الى القاعة الكبرى المجاورة للقاعة الرئيسة المخصصة لعقد جلسات مجلس النواب،ولكن الطرف المتضرر رفض هذا التقرير، وعليه قررت المحكمة الاتحادية تشكيل لجنة خبراء جديدة تتألف من خمسة خبراء اعلاميين بينهم اثنان من اساتذة كلية الاعلام بالجامعة العراقية كلا من الأستاذ الدكتور فاضل البدراني والدكتور عبد القادر صالح والسيد عادل اللامي وخبيرين بصفة مونتير آخرين،و مارست اللجنة اعمالها بتنفيذ زيارات ميدانية لمجلس النواب والاطلاع على قاعات الاجتماعات واللقاء بالموظفين المعنيين بتثبيت اسماء الحضور والفنيين المختصين بتوثيق الجلسات فيدويا وصوريا، فضلا عن تفاصيل اخرى تطلب منها المزيد من الدقة والحرص على معرفة حقائق الأمور وتفاصيلها للوقوف عند الجواب الصحيح لكل ما قدمه طرفي الخلاف البرلماني من أسئلة واستفسارات عديدة تحمل في طياتها شحنات الرفض لحوار الاخر والتوصل لشراكة بالرأي معه.
لقد وصل المشوار الى نهايته في جلسة يوم الثلاثاء 28 حزيران،وكان الجميع يعرف بتفاصيل التقرير الذي قدمته لجنة الخبراء الاعلاميين في 26 حزيران للمحكمة الاتحادية التي بدورها وزعته على محامي الدفاع لطرفي قضية البرلمان ، ولما حان وقت انعقاد الجلسة في الساعة التاسعة حضر جمع غفير من نواب برلمان عدنان الجنابي كما يطلق البعض عليهم ومحامي الدفاع التابع لهم،وفي الجانب الاخر حضر محامي الدفاع عن برلمان سليم الجبوري، و لمجرد أن قرأ رئيس المحكمة القاضي مدحت المحمود فقرات تقرير الخبراء أشتط عدد من نواب برلمان الجنابي معترضين على نقاط تتسم بدقة التشخيص لأسماء النواب لجلسة 14 نيسان والبالغ عددهم 130 نائبا،وبموازاة ذلك أيضا أعطت رأيها بتوفر النصاب لجلسة يوم 26 نيسان بحضور 179 نائبا، مع الاشارة الى الفوضى التي أحبطت كل جهودها للوصول الى العدد الدقيق لعملية التصويت على اقالة الوزراء والتصويت على وزراء جدد.
لكن لجنة الخبراء دافعت بما تملك من خزين معلوماتها وتصوراتها في ضوء جولة البحث عقب تكليفها رسميا وهي بالاصل حقائق تتجسد بالارقام والصور والمعلومات الماخوذة من منابع مصادر رسمية دفعت رئيس المحكمة الطلب من الحضور جميعا مغادرة القاعة لغرض التشاور مع اعضاء المحكمة،وبوقت لا يستغرق خمسة دقائق نودي على الأطراف المعنية بالحضور،فنطق القاضي مدحت المحمود امام الجميع بابطال شرعية جلستي 14 نيسان و 26 نيسان وابطال القرارات التي اتخذت فيهما، في ضوء النقاط الفنية التي توصلت اليها لجنة الخبراء الاعلاميين،وبالتالي انقذت البلاد من ازمة خانقة توقف فيها نشاط السلطتين التشريعية والتنفيذية على مدى شهرين.
و اللافت للنظر ان النواب الذي شككوا بتقرير لجنة الخبراء الذي نسف شرعية جلستي 14 و 26 نيسان 2016 قبل ان تنطق المحكمة الاتحادية بعدالتها،أعتبروا ما بعد اعلان القرار القضائي، ان التقرير الاعلامي كان مهنيا وغير منحاز ،وعند الاستفسار عن سبب التشكيك به قبل اصدار الحكم القضائي أجاب أحد النواب، هذه قضية مناورة يجب ان نتخذها بعيدا عن حقيقة قناعتنا بحرفية تقرير لجنة الخبراء.