لم تكتفي الجمهورية الإيرانية بتصوير مسألة تحرير مدينة “البوكمال” السورية باعتبارها نهاية تنظيم “داعش” الإرهابي، وإنما سعت إلى تقديم هزيمة التنظيم في إطار استراتيجيات “علي خامنئي” ووجود “الحرس الثوري” على الأراضي السورية والعراقية.
فقبل يومين قال “محمد علي جعفري”، القائد العام للحرس الثوري في مؤتمر صحافي: “ثلث الشعب الإيراني أعضاء في منظمة التعبئة الشعبية (الباسيج)، والبقية من غير الأعضاء يمتلكون روح الباسيج”. وأدعى أنه لو تنظيم التعبئة الشعبية في سوريا والعراق لكان من السهل تقسيم هذان البلدان.
لأن ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي: “كان سبباً على تنظيم جبهة المقاومة بالشكل الذي هي عليه اليوم، وربما ما أمكننا تحقيق هذا المستوى من الاستعداد على جبهة المقاومة لولا ظهور تنظيم داعش… وما حدث ليس مجرد القضاء على داعش الإرهابي، وإنما اقتلاع لحاكمية وسيادة التنظيم”. كما نقلت صحيفة (كيهان) اللندنية المعارضة عن “جعفري”.
وهذه التصريحات تعكس، بحسب (كيهان) اللندنية، مساعي النظام الإيراني إلى تقديم نفسه باعبتاره الفائز المطلق بالشرق الأوسط، وكذلك الميل لاستمرار هذا المسار. وهذا الإستنتاج يزداد وضحاً مع تدفق تصريحات “جعفري”، حيث يقول: “مساعدتنا لجبهة المقاومة تمت بناءً على طلب الشعوب والحكومات، واليمن نموذج بارز على ذلك. فالحاكمية في اليمن اليوم لأنصار الله، بينما تقدم لهم إيران المساعدات الاستشارية والمعنوية فقط، وهى (إيران) لا تأسف على ذلك بل سوف تستمر على هذا المسار”.
تهديد السعودية بسهام المقاومة..
على افتراض أن “الحرس الثوري” يعتبر نفسه محور القوة في الشرق الأوسط، فقد صنف قائد هذه المؤسسة العسكرية والسلطوية للسعودية ضمن المحور الأميركي الإسرائيلي. إذ أكد “جعفري” على: “أنه من الطبيعي أن تتعارض مبادئ الثورة الإسلامية مع المصالح الأميركية والإسرائيلية وعملائهم. وللأسف فقد تبين أن السعودية من الدول التي تتعاون معلوماتياً وأمنياً مع إسرائيل، والسعودية لا تنكر ذلك وبالتالي تقع السعودية ضمن المحور المناؤى للثورة. والجمهورية الإيرانية لا تولي اهتماماً لعملاء الإستكبار العالمي وإنما نركز في عملنا على الشيطان الأكبر نفسه”.
لكن الجزء الأهم من تصريحات قائد “الحرس الثوري” في خطابه للمملكة العربية السعودية؛ هو: “أنصح السعوديين بالتوقف عن التعاون مع الإستكبار والانضمام إلى شعوب المنطقة، وإلا فسوف تنالها سهام جبهة المقاومة”.
وقد نقلت رسالة “قاسم سليماني”، قائد “فيلق القدس”، إلى “علي خامنئي” والتي بارك فيها بانتصار “محور المقاومة” على تنظيم “داعش”، اليد الإيرانية العليا في التطورات الإقليمية من الكيان العسكري للنظام الإيراني إلى الكيان السياسي.
ولطالما كان جزء من توجه المسؤولين الإيرانيين منصب على إسرائيل بشكل تقليدي بالتوزاي مع المبالغة حول قدرات “حزب الله” اللبناني، باعتباره الساعد “الرئيس” للمقاومة، لكن تعكس تصريحات قيادات الجمهورية الإيرانية تهديد شديد للسعودية، حتى أن “أحمد جنتي”، رئيس مجلس الخبراء، قال بعد تهنئة الإنتصارات العراقية والسورية: “آمل أن نقييم أعياد النصر في مكه وفلسطين بعد إقتلاع جذور آل سعود”. وبالتالي فالشرق الأوسط، الذي تطلع إليه إيران يخلو من إسرائيل والسعودية، وقد حققت على الأقل نجاحاً في ضخ هذه القضية داخل هيكل وأركان نظامها بالوسائل العسكرية والإعلامية، بغرض تصوير تحقيق هذا الهدف بـ”الرسالة”.
أتساع الطموح من فتح “بيت المقدس” إلى فتح “مكة” !
في تعليقه على تصريحات “جعفري”، غرّد “حسين دليريان”، مسؤول القسم العسكري بوكالة أنباء (تسنيم) المحسوبة على “الحرس الثوري”، قائلاً: “الآن الدور على اليمن، ويجب على المستشاريين الإيرانيين الإجهاز على أب داعش في اليمن”.
بدوره كتب رجل الدين، “محمد صدارت”، من أنصار “قاسم سليماني” على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر): “أبارك للقائد سليماني بهذه الإنتصارات التي تذكرنا بشهداء المدافعين عن الحرم، وإن شاء الله الصراع القادم هو تحرير مكة والمدينة من يد الوهابية”.
وقد أنتشرت المئات من مثل هذه الرسائل الصادرة عن أنصار النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، بالتوزاي مع تأكيد الإذاعة والتليفزيون ووكالات الأنباء الحكومية والصحف المتشددة؛ على مسألة تصدع أوضاع السلطة في السعودية بالشكل الذي يقود إلى سقوطها المحتم، وتصنيف ما تصفه السعودية بالاصلاح ومكافحة الفساد الاقتصادي ضمن شواهد وقرائن إنهيار النظام السياسي السعودي. بالتالي تزداد متطلبات الهيكل الاجتماعي لـ”محور المقاومة”، بحيث يتعدى الفتح “حيفا وبيت المقدس” إلى “مكة”، ويثور الحديث عن نواة المقاومة في “أفغانستان وباكستان وكشمير”.
لذا من الطبيعي، حين يهدد قائد “الحرس الثوري” بشكل مباشر السعودية أو إسرائيل، وتقوم المؤسسات الرسمية بترويج هكذا تهديدات، تكون أصداءها على الهيكل الاجتماعي لأنصار النظام أكثر تطرفاً، وبالتالي إما أن تنصرف على المنافسات السياسية الداخلية أو تظهر في شكل التهديد لمحيطها الإقليمي.