تداعيات الحصار القطري و اﻷزمة اليمنية على العلاقات المغربية-السعودية
بقلم: عبد الاله العلمي
شكلت العلاقات بين المملكتين المغربية و نظيرتها السعودية عبر اﻷزمنة إطارا مرجعيا و عمقا إستراتجيا مبلورا لتعاون حقيقي و ذلك في مختلف المجالات و على جميع اﻷصعدة فيما بينهما،و يعزى هذا التناغم و التجانس في مواقف البلدين إزاء بعضهما البعض إلى جملة من المعطيات نظير الدين اﻹسلامي بمدرسته السنية و التي مهدت إلى تعاظم أواصر و روابط التلاحم بين المملكتين.
لكن ما سيشهده اﻹقليم الخليجي مؤخرا من ارتجاجات ارتدادية عنيفة بدءا بحرب اليمن، ثم الحصار القطري إضافة إلى الصراع اﻹيراني ﻷمريكي ستفضي إلى زعزعة بناء التجمع الجهوي سواء بين أعضائه، أو من خلال تباين طرحهم الدبلوماسي على المستوى الخارجي و خصوصا مع الحلفاء المرجعين،كحال سلبية الموقف السعودي اتجاه المغرب بعدما عبرت الرباط بوضوح على نصرة بلدان ضحايا اﻹقليم.
و بالرجوع إلى تدهور العلاقات بين العربية السعودية ونظيرتها المغربية و التي تمظهرت بشكل واضح عقب إقدام رئيس اﻹتحاد السعودي لكرة القدم على إستمالة بل و التنسيق مع اﻹتحادات الوطنية للعبة بهدف دعم الملف اﻷمريكي-الكندي-المكسيكي بغية الظفر بتنظيم النسخة المونديالية لسنة 2026 ضدا على شقيقه المغرب، هاته الخطوة التي لقيت إستياء كبيرا لدى الرأي العام المغربي ستترجم فصولها بشكل علني حينما أبلغ الديوان الملكي ولي العهد السعودي و هو في جولته المغاربية متوجها إلى اﻷرجنتين لحضور قمة العشرين بعدم رغبة العاهل المغربي في لقائه بالعاصمة و هو عاقد العزم على زيارة المغرب.
و كرد فعل على موقف الرباط قامت قناة العربية المحسوبة على المملكة العربية السعودية تقديم روبورتاجا يشكك في مغربية الصحراء علما أنه إجراء يناقض اﻷدبيات السياسة لعاصمة شبه الجزير العربية باعتبارها الممولة لبرنامج المسيرة الخضراء،لكن نشر جريدة الرياض بعد ذلك تقريرا يثبت من جديد المسلك الحقيقي لقضية الصحراء جنوب المغرب قد أريد به إستدراك السلوك الطبيعي لدبلوماسية آل سعود.
فباستعراض تفاصيل تشنج العلاقات بين الطرفين و التي بدأت إرهاصتها حين ناهض العاهل المغربي خطة الرياض و المتمثلة في عزل دولة قطر متحججا بتجنب ثغرة جديدة في الصف العربي المنهار أصلا، بل أكثر من ذلك سيعمل محمد السادس على إرسال طائرة محملة بمساعدة غذائية إلى العاصمة القطرية بعيد فرض الحصار عليها ليحدث بذلك تغييرا جذريا في عرف البلوماسية المغربية و هي تنعطف نحوى الدوحة على حساب محور الرياض-أبو ظبي.
هذا و ستتعمق هوة الخلاف بين الطرفين بعد إعلان المغرب عن إنسحابه من التحالف العسكري التي تقوده الرياض بمعية أبو ظبي في اليمن.
فكما هو معلوم فالمشاركة المغربية في عاصفة الحزم راعت فيهما عاملين
أساسين؛ قصر مدة الحرب حفاظا على اﻷرواح البشرية و الممتلكات بالموازة/العامل الثاني مع التنسبق اﻷممي و ذلك في أفق إيجاد حل توافقي بين الفصائل المتناحرة و تجنيب اليمن مما تعيش عليه اليوم،و هو ما دأب عليه بشكل منسجم المبعوث اﻷممي الخاص/جمال بنعمر و الذي كان قد جنب البلد في وقت سابق من الوقوع في حرب أهلية حينما أقنع فرقاء النزاع على الجلوس حول طاولة المفاوضات بهدف إيجاد مخرج للأزمة،إلا أنه سيتعرض لسيل من الضغوطات من المحور الثنائي سواء من خلال تعريضه لموجة نقذ لاذعة متهمين إياه بالتحيز لصالح الحوثيين، أو الدعوة القضائية التي سترفع ضده من طرف ممول حملة ترامب اﻹنتخابية إليوت برودي و المقرب من زعيما التحالف العسكري بتهمة العمالة لصالح قطر، لتدرك أنذاك دبلوماسية الرباط تمويهات عاصفة الحزم و تقرر اﻹنسحاب.
و خلاصة القول فالمملكة المغربية من خلال اﻷزمتين عملت على تغليب منطق الحكمة على البراغماتية اﻹقتصادية و السياسية في علاقاتها مع أشقائها في المنطقة، فبرفضها اﻹصطفاف إلى جانب الطابور المعادي للدولة القطرية تكون قد حافظت على حبل الود بين شعوب اﻹقليم و هي تستحضر تجانس التركيبة البشرية للمجموعة الخليجية القائمة على وحدة العرق و الجغرافية ثم الدين بشقه السني تحديدا من جهة،ثم تأمين الوحدة المذهبية و الترابية للتجمعات اﻷنفة من خلال تجنيب الدوحة من اﻹرتماء بين أحضان مرشد الثورة اﻹيرانية كنتيجة منطقية لكسر عزلتها اﻹقليمية، بالمقابل فاﻹنسحاب من التحالف العسكري في اليمن جاء نتيجة إنحراف الجيش العربي عن المسعى اﻹيجابي بعدما أضحت تدخلاته العشوائية تنحدر إلى مصاف جرائم ضد اﻹنسانية و جعل حياة الشعب اليمني رهن برامج المنظمات اﻹنسانية.