لا شك أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تشكل عامل استقرار مهم للدولة العبرية, لذلك يتابع المحللون وصناع القرار في إسرائيل التحولات الاستراتيجية الحالية في الشرق الأوسط, ويخشون من التداعيات على مستقبل السلام بين القاهرة وتل أبيب.
وفي هذا السياق نشر موقع (ميدا العبري)، مقالاً للباحث الإسرائيلي “افرايم عنبر”، مدير “معهد القدس للدراسات الاستراتيجية”، تناول فيه مستقبل السلام بين القاهرة وتل أبيب في ظل المتغيرات الاستراتيجية الإقليمية واحتمال أنضمام مصر لمحور إيران وروسيا وخطورة ذلك على مستقبل السلام بين مصر وإسرائيل.
بفضل السلام مع مصر تنعم إسرائيل بالهدوء والاستقرار..
يقول “عنبر”في بداية تحليله: “تحتفل إسرائيل، في هذه الأيام، بمرور 40 عاماً على زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس، والتي أعقبها توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل وأقوى دولة عربية, وهو ما أدى إلى تغيير آلية الصراع العربي الإسرائيلي. ولقد حطم السادات الحظر العربي ضد قيام علاقات حُسن جوار مع دولة اليهود، وأصبح الطريق مُمهدا لإبرام مزيد من اتفاقيات السلام. فيما أدى إخراج مصر من دائرة الصراع إلى إستبعاد إمكانية إندلاع حرب ضد إسرائيل على الجبهتين الشرقية والغربية, ووفر ذلك أموالاً طائلة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. أما الثمن الذي دفعته إسرائيل – وهو الإنسحاب الكامل من سيناء وتفكيك عدة مستوطنات – يُعد ثمناً باهظاً ولكنه مستحق لأن إسرائيل نعمت بالهدوء طيلة 40 عاماً”.
ولقد صمدت معاهدة السلام طيلة السنين، أمام تحديات جسام ومنها: مهاجمة المفاعل النووي العراقي في عام 1981, وحرب لبنان الثانية عام 1982, والانتفاضة الفلسطينية منذ عام 1987, ومحاربة إسرائيل لحملة “الإرهاب” الفلسطينية التي بدات عام 2000. وحتى نظام حكم الإخوان المسلمين في مصر (2012 -2013)، لم يلغي معاهدة السلام.
تطبيع العلاقات صعب المنال..
يرى “عنبر” أن رغم صموت معاهدة السلام أمام التحديات، إلا أن مصر لم تلتزم بكل بنود السلام, ولذا لم تتحقق الرغبة في تطبيع العلاقات بين البلدين. والسبب الجوهري لفشل التطبيع يرجع لوجود معوقات ثقافية ودينية كبيرة في العالم العربي حالت دون إقامة علاقات مع الدولة اليهودية، التي يعتبرونها كياناً غريباً في المنطقة. وإذا لم تقم الدول العربية المجاورة لإسرائيل بإجراء تعديل جذري في مناهج التعليم, فإن نظرة التعامل مع اليهود لن تتغير، وسيكون من المستحيل التوصل إلى علاقات كالتي بين كندا والولايات المتحدة. ويجب أن يكون مثل هذا التصور حاضراً لدى الإسرائيليين عند مناقشة أي ثمن ستدفعه إسرائيل نظير مبادرات سلام عربية مستقبلية.
الحروب تندلع حتى في ظل السلام..
يؤكد الباحث الإسرائيلي على أنه لا ينبغي على الإسرائيليين أن يتوهموا من صمود معاهدة السلام بين البلدين حتى اليوم أن الوضع سوف يدوم. لأن التاريخ أثبت أن الحروب تندلع عموماً بسبب إنتهاك اتفاقيات السلام. وصمود معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب لن يظل للأبد ولا يمكن أن يدوم تحت أي ظروف.
وهنا يجب أن نتذكر بأن تغير الموقف المصري حيال إسرائيل في السابق، كان أيضاً بسبب إبتعاد مصر عن الاتحاد السوفياتي واقترابها من الولايات المتحدة الأميركية. حيث أدرك المصريون أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي يمكنها التأثير على إسرائيل؛ فيما يخص إعادة سيناء إلى مصر, لكن السياسة الخارجية المصرية الموالية للولايات المتحدة ليست أمراً ثابتاً, لا سيما أن مكانة الولايات المتحدة في العالم أخذت تتراجع.
كما أن الولايات المتحدة، سواء في عصر “أوباما” أو “ترامب”، لم تعد تركز أهتمامها على الشرق الأوسط. وفي المقابل هناك تزايد في التواجد الروسي في المنطقة، ويبدو أن مصر تتجاوب مع الواقع الجديد, حيث تعقد صفقات الأسلحة مع روسيا وأشترت منها مفاعلين للطاقة النووية، وهو ما يخلق إرتباطاً بين القاهرة وموسكو لسنوات طويلة.
السيناريوهات المُقلقة..
يضيف “عنبر” أن تنامي القوة الإيرنية في المنطقة يبعث على القلق. وليس أمام دول المنطقة، التي تستشعر غياب التواجد الأميركي في مواجهة إيران، سوى خيارين وهما: إما تشكيل تحالف ضد إيران أو التقارب معها كما تفعل تركيا وقطر.
وتُعد مصر عضواً في المعسكر السني المعتدل، الذي يعمل لإحتواء النفوذ الإيراني, وهي أيضاً في حاجة للمساعدات الاقتصادية الضخمة من السعودية ودول الخليج. ومع ذلك فإن مصر دعمت “بشار الأسد” الذي هو حليف لإيران.
وإذا لم تتمكن دول الخليج من الصمود في وجه الضغوط الإيرانية، فمن المحتمل أيضاً أن تغير مصر موقفها مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية إيرانية. وسيقضي هذا التحول تماماً على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل, وحينئذ سيتوجب على إسرائيل أن تأخذ في الحُسبان تنامي قوة مصر برياً وبحرياً وجوياً, وخاصة أن مبدأ نزع سلاح سيناء، الذي كان يُعد ركيزة هامة لضمان استقرار السلام بين الدولتين، لم يعُد مصوناً بسبب الموافقة الإسرائيلية على زيادة القوات المصرية في سيناء لتمكين الجيش المصري من محاربة المتطرفين الإسلاميين.
وليس متوقعاً، في حقيقة الأمر إندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل ومصر قريباً, لكن هناك ظروف جديدة تجعل من السهل على مصر البدء في شن عمليات عدائية. لذا يجب إتخاذ كل الوسائل للحفاظ على السلام مع مصر, لكن لا ينبغي على الإسرائيليين أيضاً إستبعاد السيناريوهات المُقلقة.