بقلم:أ.د عبد الرزاق الدليمي
في الوقت الذي يبدو فيه مسلسل قتل الثائرين، في العراق مستمرا مثل استمرار سؤال ربما ليس من السهل العثور على إجابه له وهو لماذا لايحاسب المسؤول عن قتل هؤلاء الثائرين؟ في ظل استمرار الصراعات على المغانم بين الاحزاب الفاسدة واللصوص والقتله الذي جعل اغلب العراقيين ينكفأ على واقعه المزري منذ احتلال بلده في نيسان2003 غير ابها بما يجري خارج حدود معاناته اليومية التي لم يرى لحد الان بصيص أمل ينبئ بنهاياتها .في ذات الوقت يتابع العالم بأهتمام بالغ ونحن على وجه الخصوص نتائج الانتخابات الأمريكية وما سيتمخض عنها حيث تفصلنا (24) ساعة عن اعلان نتائجها ، رغم أننا ندرك مسبقا ان النتائج سوف لن تكون مختلفة ، لاسيما وأن هناك شبه استقرار في جوهر السياسة الخارجية الامريكية يتغير في السياسة الأمريكية الداخلية منها والخارجية كنتيجة مباشرة للانتخابات، وإذا كان ثمة تغير سيحدث، فذلك ليس بسبب تغير الرئيس، ولا سياسة الحزب الحاكم (الجمهوري أو الديمقراطي)، وانما لاسباب واعتبارات اخرى تحددها مصالح المؤسسات العظمى التي تدير الولايات المتحدة والعالم وإذا كان ثمة تغير سيحدث، فذلك سيكون نتيجة مباشرة وغير مباشرة، لمجمل التطورات السياسية الداخلية والخارجية على الصعيد الاقتصادي بالدرجة الأولى، وحسابات المعطيات الهامة على مسرح السياسة الدولية…والتاريخ الأمريكي يؤكد ما نذهب إليه في هذا التقييم.منذ عام 1853 يتبادل الجمهوريون والديمقراطيون الحكم بشكل متوال منذ عام 1853 وغالباً يعاد انتخاب الرئيس لولاية ثانية إلا ما ندر (بسبب الوفاة أو الاغتيال، أو الاستقالة) او تغيير تكتيكي في بعض المواقف الظرفية كما حصل مع جورج بوش الاب.( ترشح بوش في انتخابات عام 1988 ليخلف الرئيس ريغان، وهزم خصمه الديمقراطي مايكل دوكاكيس . غطت السياسة الخارجية على رئاسة بوش:العمليات العسكرية في بنما وحرب الخليج الثانية؛ سقوط جدار برلين في عام 1989، وحل الاتحاد السوفيتي بعد عامين. وقع بوش أيضا اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا )التي شكلت كتلة تجارية تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، رغم أن الاتفاق لم يصدّق إلا بعد تركه منصبه. على الصعيد المحلي، تراجع بوش عن وعده في حملته الانتخابية، ودخل في صراع مع الكونغرس حول زيادة الضرائب، وقام بالتوقيع على الزيادة بعد أن أقرها الكونغرس. شهدت رئاسته انتعاشا ضعيفا من الركود الاقتصادي، واستمرار العجز في الميزانية وتقليص دور السياسة الخارجية كقضية رئيسية بعد الحرب الباردة، فخسر الانتخابات الرئاسية عام 1992 أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون.غادر بوش العمل السياسي في عام 1993).وقانون انتخاب الرئيس الأمريكي معقد بدرجة قد لا يفهمه المواطن الأمريكي العادي، وأما الترشيح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فمعقد غاية التعقيد تنفذ الديمقراطية الأميركية عبر آلية فريدة على الصعيد الوطني وهي المجمع الانتخابي. وبدلا من التصويت مباشرة لمرشحهم المفضل، يصوت الأميركيون في الواقع لـ 538 ناخبا يقومون هم بانتخاب الرئيس،ومن أجل الفوز في الانتخابات، يتعين على المرشح الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الهيئة الناخبة، ما يجعل من 270 الرقم السحري.هناك 230 مليون أميركي يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية، رغم أن القسم الأكبر منهم لا يشارك فعليا. لكن انتخابات 2020 قد تشهد نسبة مشاركة قياسية.وتجاوزت نسب التصويت المبكر الأرقام التي سجلت في السنوات السابقة، إذ فضل العديد من الناخبين ملء بطاقات الاقتراع التابعة لهم مسبقا لتجنب الوقوف في طوابير طويلة يوم الانتخابات، التي تجري في ظل وباء كوفيد-19. وأدلى نحو 84 مليون شخص بأصواتهم حتى منتصف الجمعة.حطمت الحملات الانتخابية أرقاما قياسية لجهة الإنفاق في 2020 إذ تم إنفاق 6.6 مليار دولار من قبل المرشحين للرئاسة، أي أكثر بملياري دولار من المبلغ الذي أُنفق خلال المنافسة بين ترامب وكلينتون قبل أربع سنوات، بحسب دراسة أجراها مركز “ريسبونسيف بوليتيكس”.وتفوقت حملة بايدن من هذه الناحية، إذ أغرقت الإذاعات في الولايات الرئيسية بالإعلانات السياسية.وتم بالمجمل إنفاق أكثر من 14 مليار دولار في الفترة التي سبقت انتخابات 3 نوفمبر، إذ تم تخصيص أكثر من سبعة مليارات دولار من هذا المبلغ لانتخابات الكونغرس.أن السياسة الأمريكية تنبع من المصالح الأمريكية، والرئيس الأمريكي مطبق لها ومنفذها، وكان اختيار دونالد ترامب كشخصية اقتحامية، مناسبة لحل الأزمات المتراكمة للولايات المتحدة، فمثل ترامب البلدوزر المطلوب، ويبدو أن هذه السياسة الأمريكية سوف تتواصل، سواء على يد ترامب أو على يد بايدن، ولكن بنعومة وفي كل الاحوال فأن ما سنشهده ستقرره دوائر الأمن القومي والمخابرات الأمريكية (CIA) والبنتاغون والخارجية. يعتقد كثيرين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألحق الكثير من الضرر بعلاقات امريكا مع حلفائها. وبقاؤه أربع سنوات إضافية سيكون بمثابة كابوس بالنسبة إلى الكثيرين من الدول في العالم.أما في حال فرض جو بايدن نفسه في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فستكون هناك آمال بالنسبة للعلاقات بين ضفتي الأطلسي. ولكن ليس هناك أحد بهذه السذاجة ليعتقد أنه ستحصل عودة إلى وقت ما قبل ترامب. لكن الأمل يسود في أن الأمور قد تتحسن، وإذا لم ينجح مرشح الديمقراطيين في الحل محل الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، فإن الخبراء يخشون أن تسوء العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء وتأمل غالبية دول كثيرة في العالم في فوز جو بايدن كرجل ليبرالي ليس له شحناء في خطابه. ومع كل التحفظات ففي النهاية ستقف تلك الدول شاءت ام ابت في صف واحد لتمثيل مصالحها مع الولايات المتحدة بصرف النظر عمن سيجلس في البيت الابيض.
العراق خارج معادلة الانتخابات الامريكية
سبق ان كتبنا عدة مرات ومن خلال منبرنا (الدستور) ان العراق لن يجني شيئا مهما من تغيير منفذ القرار الامريكي(نظرية ابو الحصين) حيث اللافت أن العراق خارج حسابات الانتخابات الأمريكية الجارية الآن، فالمرشحان لم يشيرا اليه من بعيد أو قريب، ليس ذلك فحسب حتى ايران لم تدخل حمى التنافس بين مرشحي الحزبين الرئيسيين، بل ذهب الأمر ابعد من ذلك حينما غابت ساحة الشرق الأوسط أيضا برغم ماتشهده من تغيرات عاصفة هي الأخرى. ولكن ينبغي الاشارة هنا الى أن الاهتمام بالشأن العراقي بقي محصورا بين الجهات ذات العلاقة في المؤسسات التقليدية بما يجري في العراق مثل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وغيرهما من المؤسسات المعنية بالتواجد الأمريكي في العراق والشرق الأوسط.والغريب في الأمر ان المختصين بالشأن العراقي باتوا لا يعرفون كيف ستكون طبيعة السياسة الامريكية إزاء العراق خلال مرحلة مابعد الانتخابات، وثمة جدل واسع يدور حاليا بين المهتمين بهذا الملف حيال شكل ونوعية هذه السياسة، لكنهم يتفقون بالظاهر على أن العراق لن يحظى بأي أولوية لدى الإدارة الامريكية القادمة في المستقبل القريب على الأقل، بغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة هذه الانتخابات.إذا فاز الرئيس الحالي ترمب بالدورة الثانية، فمن المتوقع استمراره بنفس السياسات الحالية والتمادي بها الى حدود اكبر، لإنه سيعتقد ان سياساته السابقة كانت ناجحة وهي التي تقف وراء منحه الثقة بولاية ثانية، وليس خافيا بأن شركاء واشنطن التقليديين غير متحمسين لفوز ترمب بولاية ثانية، مقابل اشد المتحمسين لفوزه من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية والامارات.من المتوقع أن يستمر بالضغط على طهران من خلال تشديد الحصار القائم حاليا جراء العقوبات المفروضة عليها، والضغط لمزيد من الإذعان والتسليم، خاصة وأن تلك العقوبات قد حققت أهدافها في شل الإمكانيات الإيرانية الاقتصادية وجعلها في اسوء حالاتها. وأن الاستمرار بهذه السياسة سوف تفضي الى تصعيد وتوتر الأوضاع بالداخل الإيراني، حيث لن يكون بإمكان طهران الاستمرار لاربعة سنوات أخرى من الحصار الاقتصادي المتشدد. ولعل من اهم ساحات التصعيد هي الساحة العراقية حيث أن إيران لديها من الإمكانيات اللوجستية والأمنية ما يمكنها من تهديد المصالح الأمريكية في العراق، وقد يعود مشهد الهجمات الصاروخية على السفارة الامريكية في بغداد والقواعد التي تضم القوات الامريكية، ولا يخفي الجانب الإيراني سعيه المعلن الى الضغط بكل الوسائل لدفع أمريكا على مغادرة المنطقة برمتها.ليس خافياً على الجانب الأمريكي حجم الازمات التي تعصف بالعراق من الجانب المالي والاقتصادي والأمني والخدمي، وقد وقع العراق وامريكا مذكرات تفاهم للتعاون في هذه المجالات، ولعل الأزمة الإقتصادية هي الأخطر على العراق ومستقبله وان الإدارة الامريكية بغض النظر عن الفائز بالانتخابات لن تعمل على مساعدة العراق ماليا ودعمه من دون إجراء إصلاح حقيقي من قبل حكومة بغداد، ومن غير الوارد ان الطبقة المنتفعة من الفساد في العراق تريد إجراء الإصلاحات بالرغم من إعلانها من مسرحية ماسمي بالورقة البيضاءالتي هي مجرد حبر على ورق، خاصة وأن حكومة تخدير العراقيين برئاسة الكاظمي لم تخطُوا بأي خطوة عملية لتنفيذ ولو فقرة واحدة من الورقة السوداء والتي هي ليست بحاجة الى مصادقة من البرلمان الفاشل، وإنما مشروع تنفيذي يتعلق بمهام الحكومة وواجباتها الأساسية، وبهذا الصدد يراقب الجانب الأمريكي خطوات الحكومة العراقية عن كثب ولا يخفي خيبة أمله من عدم إجراء تلك الإصلاحات حتى اليوم.من الواضح ان المسؤولين في العراق يتمنون دعما أمريكيا لإخراجهم من الأزمات التي تعصف بالبلاد، وهناك قيادات عراقية يعتقدون بان التغير في الإدارة الامريكية قد يكون كفيلا بتغير التعامل الأمريكي مع العراق في حين ينكرون حقيقة ان الإدارة الامريكية سأمت من طلباتهم المتكررة للمساعدات من دون إبداء أي حرص لإصلاح ومعالجة الأزمات القائمة، لذا من المتوقع ان تتعامل الإدارة الامريكية أيا كان على رأسها مع الشأن العراقي بنوع من الفتور خلال المدى القريب. وأن أي تغيير جذري في السياسة الأمريكية اتجاه العراق ليس وارداً، إلا اذا حصلت معجزة من الشعب العراقي الثائر وغير من اسلوب مناهضته للعملية السياسية السيئة قلبا وقالبا؟!!ملاحظة : وفقا لتصورات ترامب وقربه من المؤسسات الامريكية صانعة القرار العالمي ومنها(منظمة أيباك الصهيونية) وما حققه لهم من انجازات تاريخية فأما ان يفوز ترامب او ترامب.