الأطماع الفارسية المتجددة في الخليج العربي والمسرحية التي لاتنتهي فصولها!
أصعب شيء يواجه التاريخ هو الإستدلال به من قبل الجاهل الذي لا يفقه شيئا، وخاصة من الذين يبحثون عن نوازع انتقامية من ذات المستهدف الذين يدعون الإنتساب إليه عرقيا، وهم لايتكلمون لغته ولايعيشون بين مجتمعاته، ولا يمتون له بثقافة وعادات وسلوك، ولاتربطهم به صلة، كل مافي الأمر أنهم يسرقون علنا وبدون حياء نسب المستهدف، ويسخرونه في ذبح المستهدف، وتمزيق جنس المستهدف، وكأن الناس غبية فقط هم العقال، أو كأن الأعراق سلع إمتلاك قابلة للشراء والبيع.
كم هو غبيا من سخر التاريخ والأنساب في قضيته السياسية وهو يجهل مايقول.
عبر تاريخ طويل من الأطماع الفارسية التي أستهدفت أرض العرب، وعبر مراحل متعددة من موجاتها التي لم تنتهي مسرحيتها حتى هذه الساعة كان هناك حالة فريدة تتطور مع الزمن وتكيف نفسها مع كل حدث خطير مدمر، مثلها تمسك العربي بموطنه، وحصانته من الإذابة في الثقافات الدخيلة، حتى تلك التي تبقى ردحا طويلاً من الزمن.
عبر تاريخ منطقة الخليج، ومنذ نشأتها الأولى وحتى هذا اليوم كانت هذه الديار محط أطماع الموجات الغازية، سواء القريبة منها جغرافيا أو البعيدة عنها بعض الشيء، ولكن اللافت في كل هذا ويتناساه الكثيرون اليوم أنه لم تستطع أي قوة من تلك الموجات أن تكسر إرادة أهله، وتمسكهم بأرضهم وثقافتهم وعروبتهم.
فكلنا يعلم أنواع الدول التي حكمت في بلاد فارس، ويعلم تنوعها العرقي، وخطوط قدومها، ويعلم أين موقعها المركزي بالتحديد.
وأن فكرة إيران بيتنا أو تجمعنا هي فكرة قديمة يستعملها الفرس لتوسيع وتشريع تواجدهم الاستعماري في البلاد التي يحتلونها، وبعناوين مختلفة.
الخليج هو عربي العائدية بإمتياز، وأن أول من سكنه هم أجداد العرب الساميين والذين أنتشروا في كل إتجاهاته وسواحله.
وأن فكرة الخليج الفارسي التي روج لها أحد المؤرخين الرومان كانت غباءا معرفيا بإمتياز، فالمؤرخ الذي ذكر هذا المصطلح تناسى أنه كان ضمن حملة استكشاف للمنطقة، وأن بلاد فارس كانت إلى الشرق من خط سير الحملة التي أرسلها الأسكندر لتتبع مجرى نهر الفرات، ولشهرة فارس أنذاك وقوتها أشار هذا المؤرخ إلى الجهة الشرقية من الخليج باسم الخليج الفارس رغم عدم وجود أي أعراق أو مجتمعات فارسية.
وأن المؤرخين الرومان والأغريق ومن دون بعد ذلك عن عائدية الخليج الشرعية كان يشير بكل وضوح لمسميات عربية خالصة.
وحافظ العرب على هذا الوضع رغم أطماع الدول الفارسية المتعاقبة بمختلف أنواعها، والتي كانت تحتل بين الفينة والأخرى أجزاء منه وتنصب وكلاء لها هناك، معتمدة على نوع وظيفي من المرتزقة الموالون والذين يسمون بالمرزبان أو الأساورة، قبل أن يتم طردهم من قبل السكان العرب.
هذا حال عرب الخليج مع فارس التي تجاورهم في الشرق حتى عهد الإسلام، بعد ذلك تم طرد الفرس من كل بلاد العرب فتقوقعوا في معاقلهم الأصلية في قلب إيران جنوب بحر قزوين، وبدأوا يستثمرون في الاختلافات المذهبية وتسخيرها لتمزيق المسلمين، والعودة بوجه جديد أكثر حقدا وعدوانية، وهو ماحصل بعد ذلك بظهور الدولة الصفوية التي توسعت جنوبا وغربا، وماحلقات شاهات إيران الذين حكموا إلا مثالا راسخا على عمق الكره الذين يكنونه للعرب، إلى درجة أنهم كانوا يتعاونون مع الإستعمار الأوربي بكل حلقاته التي بدأت تجارية أول الأمر للاستحواذ على بعض مناطق الخليج قبل أن يتم طردهم مجددا، ولكن كانت التكلفة إنتزاع الساحل الشرقي للخليج العربي وانتزاع إقليم الأحواز وضمهما لدولة إيران الشاهنشاهية.
وبعد سقوط أخر شاه حاكم في إيران واستلام السلطة من قبل المعممين الجدد كانت اللعبة أكثر خطورة وعدوانية حيث رفع زعماءها شعار تصدير ثورتهم للخارج، وقصدهم بالخارج الغرب العربي عبر كل محاوره بلاد الخليج والجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام كمرحلة أولى ثم التوسع نحو شمال افريقيا في المرحلة الثانية.
وهكذا نجد تلك المسرحيات الهزلية والأماني المريضة حاضرة في ذهن كل فارسي عبر التاريخ، حتى تأتي تلك التصريحات الشاذه من هؤلاء اليوم تكملة لمسلسل الحقد الأعمى ضد بلاد العرب.
وما تلك الأصوات الناعقة في السراب اليوم إلا أستكمال لسلسلة طويلة لاتنتهي من تزوير الحقائق، والقفز إلى اعلى درجات الوقاحة والتدني في أسلوب جديد ينم عن مقدار الكره والحقد الذي يكنه الفرس للعرب.
أشك في أن من يطلق هذه التصريحات حول عائدية الخليج العربي لغير العرب أنه عاقل، أو أنه اطلع على التاريخ.
بقلم. د. عادل الأشرم ابن عمار الشمري