أكد وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، أن المعطيات الأولية المتوافرة لدى السلطات تظهر أن الموساد الإسرائيلي يقف خلف مقتل محمد سرور، الذي تتهمه واشنطن منذ سنوات بتسهيل نقل أموال من إيران إلى حركة حماس وفرضت عليه عقوبات.
وقال وزير الداخلية، بسام مولوي، في مقابلة مع وكالة “أسوشييتد برس”، إنه تم العثور على مسدسات مزودة بكواتم صوت وقفازات في دلو فيه خليط من الماء والمواد الكيمياوية في مكان الحادثة، ويبدو أن المقصود من الأمر إزالة بصمات الأصابع وغيرها من الأدلة. وقد تُركت آلاف الدولارات نقداً متناثرة حول جثة سرور، كما لو كان ذلك لتبديد أي تكهنات بأن السرقة كانت الدافع.
اتهام الموساد
وقال مولوي، في إشارة إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي، إن الأجهزة الأمنية اللبنانية لديها شبهات أو اتهامات بأن الموساد كان وراء هذه العملية. وأشار إلى أن الطريقة التي تم بها تنفيذ الجريمة أدت إلى هذه الشكوك.
ولم يقدم أي دليل محدد على ادعاءاته. وقال مولوي إن التحقيق لا يزال مستمراً، وبمجرد الانتهاء منه سيتم إعلان النتائج وإحالتها إلى الجهات القضائية.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على سرور في عام 2019 بسبب تحويلاته المالية المزعومة من إيران عبر حزب الله إلى حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.
وقال مولوي إن نشاط محمد سرور في مجال الصرافة معروف، وكذلك تحويل الأموال من أي جهة إلى أي جهة.
وجاء مقتل سرور في وقت سابق الشهر الحالي بالتزامن مع محاولة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين اتخاذ إجراءات صارمة ضد تحويل أموال إلى حماس. وتكثفت هذه الحملة في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، وأدى لاندلاع الحرب المدمرة في غزة، التي امتدت آثارها إلى أنحاء المنطقة.
حث مسؤول بارز في وزارة الخزانة الأميركية، أثناء زيارته لبيروت الشهر الماضي، السلطات اللبنانية على منع تحويل أموال إلى حماس من خلالها. والتقى جيسي بيكر، نائب مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية، كبار المسؤولين السياسيين والماليين اللبنانيين.
استدراج سرور ليومين متتاليين
من جهته قال الجيش الإسرائيلي إنه قتل عدداً من العاملين في مجال الصيرفة في غزة بزعم تمويلهم حركة حماس.
وبات واضحاً أن مقتل سرور كان مخططاً له مسبقاً. وقد قال ثلاثة مسؤولين قضائيين لبنانيين مطلعين على التحقيق، لـ”أسوشييتد برس” إن رجلاً تظاهر بأنه عميل اتصل بسرور من الخارج، وطلب منه تسليم تحويل نقدي إلى سيدة في بلدة بيت مري الجبلية.
وأضافوا، شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب استمرار التحقيقات، أن سرور توجه إلى العنوان مع ابن أخيه، وغادر بعد أن سلم المرأة الأموال.
وأضافوا أن نفس الشخص اتصل به وكرر نفس الطلب بعد يوم. لكن هذه المرة ذهب بمفرده، وبعد ذلك فقدت عائلته الاتصال به.
وقال مولوي إن الهاتف الذي استخدمته السيدة للاتصال بسرور “لم يكن مفعلاً إلا للاتصال به هو فقط”.
وأضاف أن الجناة حاولوا أولاً استئجار شقة في بلدة الحازمية جنوب شرقي بيروت، وهي تفاصيل لم يعلن عنها سابقاً، لكنهم ألغوا هذه الخطط لاحقاً لأنهم “لم يعثروا على شقة مناسبة لتنفيذ العملية”.
وذكر مولوي أن القتلة انتقلوا بعد ذلك إلى بلدة بيت مري الهادئة، والتي تشتهر بمنازلها الفارهة ذات الأسطح المصنوعة من الطوب الأحمر، والموقع الأثري الذي يعود إلى العصر الروماني، حيث استأجروا فيلا مكونة من ثلاثة طوابق على أطراف البلدة باستخدام بطاقات هوية لبنانية مزيفة.
وأضاف: “مديرية الأمن العام اللبنانية تحقق في هويات الأشخاص الذين دخلوا البلاد، وخرجوا منها خلال فترة القتل”.
واختفى سرور في 3 أبريل/نيسان في بيت مري، وتم العثور على جثته بعد أسبوع داخل الفيلا.
وقال مولوي إن المحققين عثروا على “عدد كبير من الجروح الناجمة عن طلقات رصاص” في أجزاء مختلفة من جسده، ومن بينها ذراعيه وساقيه، كما كان مكبل اليدين.
عدم تسجيل عقد إيجار الفيلا
وتقع الفيلا في شارع جانبي هادئ مليء بالأشجار.
وقال كريستيان فرانسيس، الذي يعيش في الشارع المقابل للفيلا التي قتل فيها سرور: “لم نسمع أي شيء. معظم الناس هنا لديهم كلاب في المنطقة شديدة الحراس، حيث توجد نقطة تفتيش قريبة تابعة للشرطة، كما يوجد مركز للجيش اللبناني على بعد بضع مئات من الأمتار”.
من جهته قال رووي أبو شديد، رئيس بلدية بيت مري، لـ”أسوشييتد برس”، إن الشقة تم تأجيرها أواخر فبراير/شباط الماضي لشخص مجهول لمدة عام مقابل 48 ألف دولار.
وأضاف: “الأسرة المالكة للفيلا لم تسجل عقد إيجار لدى البلدية، لكنها سددت الضرائب في موعدها في نوفمبر/تشرين الثاني. تم تنفيذ هذه العملية بطريقة أكثر من احترافية”.
وذكر أبو شديد أن الجيران لم يشكوا في أي شيء، واستغرق الأمر بعض الوقت لكي تحدد الأجهزة الأمنية المنزل الذي كانت فيه جثة سرور.
ورفض متحدث باسم حزب الله التعليق على جريمة قتل سرور، قائلاً إن التحقيق لا يزال مستمراً. كما رفض المتحدث الإفصاح عما إذا كان سرور عضوا في حزب الله، لكنه قال إنه عمل في الماضي لصالح مؤسسة “القرض الحسن”، الذراع المالية للحزب.
ولإسرائيل تاريخ طويل من عمليات القتل الاستهدافي في لبنان، تضمنت غارات بطائرات مسيرة أسفرت عن مقتل قادة بارزين في حزب الله خلال الأشهر الستة الماضية. وقتلت إسرائيل نحو 260 من أعضاء حزب الله في تلك الفترة.
علم حزب الله فوق نعشه
واتهمت الولايات المتحدة سرور بتحويل عشرات الملايين من الدولارات سنوياً من الحرس الثوري الإيراني إلى كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. وزعمت أنه بدءا من عام 2014، كان سرور المسؤول عن جميع التحويلات المالية من الحرس الثوري إلى كتائب القسام.
ولم يجر أفراد عائلة سرور أي مقابلات إعلامية منذ العثور على جثته، لكنهم قالوا في بيان متلفز إن جميع معاملاته المالية “كانت شفافة”، وإنه كان يعمل في مجال صرف العملات. وطالبوا الأجهزة الأمنية بسرعة العثور على الجناة.
وخلال جنازة سرور في مسقط رأسه بلدة اللبوة شمال شرقي لبنان، وضع علم حزب الله فوق نعشه، وهتف عشرات الرجال والنساء “الموت لأميركا والموت لإسرائيل” أثناء سيرهم نحو المقبرة.