تحت المجهر
بقلم: موفق الخطاب
ما كدنا نصدق رؤيتنا لبصيص ضوء في نهاية النفق وإخماد نار الحروب المستعرة في عقر دارنا والتفاوض الطويل و الشاق لتحجيم دور المليشيات وعودة اليمن و الانفتاح على سوريا ومحاولة دمج العراق في محيطه العربي ، فإذا بنا نصحى على صوت أزيز الراجمات والصواريخ وجعجعة السلاح وأعمدة الدخان المتصاعد وهي تغطي سماء الخرطوم بعد أن حزمت قوى الشر معداتها لتنتقل من قارة آسيا بعد أن أنجزت مهمتها في شل وتدمير دول بعينها وإخراجها من المعادلة كمجموعة قوى مؤثرة وشعوب عربية كانت تشكل يوما خطرا على استقرار وأمن إسرائيل لتحط بعدها في قلب قارة افريقيا وتحديدا في بلد عربي مسلم(السودان) و كالعادة، بعد أن غذّت الصراع بين الفرقاء حتى وصلت بهم الى حافة الإنهيار بإندلاع صراع بإمرة جنرالات ورجالات وتجار حروب بقلوب جلفة يدعي كل منهم وصله بليلى ولا داعي بالخوض في أسمائهم ومسمياتهم .
الكثير من المراقبين للوضع السياسي في السودان كانوا يتوقعون حدوث صدام بين الفرقاء لكن ليس بهذا التوقيت ولا بهذا الحجم من التصعيد الخطير ، فمنذ عقود والوضع السياسي مرتبك ومتلبك والصراع الخفي بين الأقطاب على التمسك بالسلطة هو كالنار تحت الهشيم فما أن هبت رياح صفراء من فوقه حتى تطاير الرماد وتعالت النيران، بعد أن ارسى قواعد الصراع و هيأ ألأجواء فيها الديكتاتور المخلوع( عمر البشير ) ،فضلا عن اتخاذ شماعة التطبيع مع إسرائيل بين مؤيد ومعارض لشحن ودغدغة مشاعر الجماهير ، والمماطلة بل التعمد بالحنث عن الوعود الكاذبة بنقل الحكم الى سلطة مدنية، وما زاد الطين بلة و أجج الصراع بين الاجنحة العسكرية هو التخابر مع بعض الدول و الأنظمة من أجل كسب التأييد و تدفق المزيد من المال والسلاح، فجميع تلك العوامل شكلت أرضية مناسبة لنشوب الصراع بعد تفكك الجيش النظامي والذي تم اختراقه من قبل المليشيات التي اتخذت عدة عناوين ومواقع داخل جسم الجيش و السلطة المفككة اساسا وكل ذلك شكل عقبة كئداء في طريق التفاوض والجلوس الى مائدة مستديرة لتغليب مصلحة السودان على المصالح الحزبية والشخصية .
إن الإنزلاق الى حرب أهلية هو أمر متوقع وسيكون من الصعب تداركه و له تداعياته وهو أشد تعقيدا من أي مشهد مماثل نظرا لما يشكله موقع السودان الجغرافي في القارة الأفريقية ، ويكاد يشبه موقع العراق في موقعه وتأثيره على قارة آسيا والخليج العربي التي ما زالت المنطقة تدفع ثمنا باهضا بالتغافل عن احتوائه في حينها حتى خرجت عن السيطرة وإكتوى بنارها الجميع .
اليوم جميع الدول المحيطة بالسودان تعيش أجواء الحرب حتى وان لم تعلن ذلك صراحة، والأنظمة فيها تستشعر الخطر لكن دون أن تتحوط أو تضع أي خطط عملية لتفاديها وإنقاذ شعوبها ،مع غياب تام لأي مبادرات وحلول لإحتوائها.
وما يثير الدهشة حقا أن الدول العربية ومنظماتهم وجامعتهم العجوز ما زالوا مكتوفي الأيدي والنار تقترب من ديارهم وكأنهم غير معنين بشررها !
وأخيرا فلقد قرع و من الغرب ناقوس الخطر مدويا ، فلم يمض على الصراع في السودان سوى عدة إيام حتى بادرت أغلب الدول بغلق سفاراتها وإجلاء رعايها وهذا مالم يحدث حتى في أوكرانيا مركز الصراع وبذرته لحرب عالمية هي على الأبواب و التي مضى على اندلاع الحرب فيها أكثر من عام ! وهذا يعطينا مؤشرا خطيرا أن الجميع بات متيقنا أن الصراع سيتفاقم و سيتدفق بسببه حشود هائلة من اللاجئين والمشردين وستنصب الاف الخيام وسيطول الصراع اكثر مما هو متوقع ولن ينتهي الا بتقسيم هذا البلد الى كاتونات ودويلات وستبقى متصارعة، ولا نستبعد ان يمتد شرره لعدة عواصم عربية من القارة الأفريقية .
أفلا يمثل كل ذلك يا قادتنا المبجلين في أمتينا العربية والاسلامية وأولياء الألباب طوفانا و خطرا محدقا بالشعوب ودخانا أسودا فوق السرايا والقصور والقباب ومدَّخلا واسعا للفوضى والإرهاب ؟