في تقرير مشترك لكل من كولام لينتش ودان دي لوس في مجلة «فورين بوليسي» قالا فيه إن الحصار المفروض على اليمن يهدد بمجاعة كبيرة في وقت تشير فيه إدارة ترامب بأصابع الاتهام لإيران ومسؤولية الأخيرة عن إطلاق الصاروخ الباليستي على العاصمة السعودية الرياض. وقال الكاتبان إن البيت الأبيض يصغط على المؤسسات الأمنية لرفع السرية عن معلومات استخباراتية تربط إيران بالهجوم الباليستي كجزء من حملة علاقات عامة تهدف لإقناع الدول الأخرى في الأمم المتحدة أن إيران هي المسؤولة عن تغذية النزاع في اليمن. ويقول الكاتبان إن جهود تحميل إيران في وقت تواجه فيه السعودية حملة دُولية بسبب الحصار على الموانئ الحيوية وهددت بإدخال البلاد في كارثة وباء واسعة. وتأتي محاولة نشر المعلومات الاستخباراتية كجزء من محاولات لعزل طهران في مجلس الأمن الدُّولي وبالتالي تبرير أية خطوة لفرض العقوبات الجديدة على طهران. وتعلق المجلة إن جهود ترامب في الأمم المتحدة اعتراف بأهميتها كنقطة تعبئة لجهوده الدولية وهو الذي وصفها أثناء حملته الرئاسية بدكان للثرثرة والكلام.
وعانت جهود عزل إيران وفرض عقوبات عليها من نكسة هذا الشهر عندما قال فريق من الخبراء في المؤسسة الدُّولية إنهم لم يتلقوا أي دليل بقيام طهران بتزويد المتمردين الحوثيين بالصاروخ الباليستي الذي سقط قرب مطار الملك خالد الدُّولي في الرياض. وكان الهجوم مبررا ساقته السعودية لفرض الحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة وهو توجه اعتبرته المنظمات الإنسانية عاملا سيعبد الطريق أمام المجاعة. وكانت السلطات السعودية قد أعلنت أنها ستعيد فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء وهو تحرك انتقدته لجنة الإغاثة الدولية بأنه حل غير مكتمل وسيمنع من استيراد المواد التجارية والوقود اللازم. ويقول النقاد إن محاولات البيت الأبيض نشر معلومات عن شحنات أسلحة يشك أن إيران زودتها للمتمردين خطوة محسوبة لحرف الجدب الدُّولي والانتقادات والغضب في الكونغرس الموجه للرياض بسبب الحصار الذي تفرضه على اليمن. ونقل عن بروس ريدل، الضابط المتقاعد من سي آي إيه الذي قدم النصح للرؤساء السابقين «يريدون تغيير الحوار بعيداً عن الأطفال اليمنيين الجوعى والحديث عن الأشرار الإيرانيين». و»لكنني متشكك بنجاحها لأن صور الأطفال التي نشاهدها على بي بي سي و 60 دقيقة أقوى من صورة وثائق استخباراتية يكشف عنها». إلا أن المسؤولين في الإدارة سارعوا للدفاع عن السعودية قائلين إن لديهم أسبابا للقلق. وحسب مسؤول بارز «كيف سيكون موقف الدول لو ضربها صاروخ باليستي».
وفي واشنطن حاول مسؤولو الأمن القومي يوم الاثنين إقناع الدبلوماسيين في الأمم المتحدة وأعضاء لجنة الخبراء بأن إيران تقوم بتسليح الحوثيين. وفي الوقت نفسه سافر فريق من الأمم المتحدة إلى الرياض لمعاينة حطام الصاروخ. وطالبت الأمم المتحدة السعودية تسهيل عملية الحصول على معلومات وأدلة عن الهجوم. إلا أن الحكومة السعودية تخشى الاعتراف بوجود نقاط ضعف في نظام دفاعها الصاروخي وتحب الحفاظ على معلوماتها بسرية. ولهذا ترددت في البداية بنشر معلومات عن الهجوم كما يقول المسؤولون الأمريكيون. ونقلت المجلة عن مسؤول في إدارة ترامب قوله: «إن الكشف عن أشياء كان جديدا بالنسبة لهم». ومنعت الأمم المتحدة لسنوات طوال من تطوير أسلحة باليستية أو نقلها وفحصها خشية أن يتم استخدامها في تطوير برامج نووية سرية. إلا أن المنع تحول إلى مناشدة بناء على الاتفاقية النووية عام 2015 وطلب منها التوقف طوعا عن تطوير صواريخ باليستية. ونفت طهران رغبتها بتطوير رؤوس نووية واعتبرت ما ورد في الاتفاقية خطًا أخضر للمضي في فحص صواريخها الباليستية.
إقناع الأوروبيين
وتحاول إدارة ترامب على مدى أشهر حشد الدعم الدولي ضد إيران التي تؤثر في شبكة من الجماعات الشيعية بالمنطقة التي تعتمد عليها لتوسيع نفوذها لكن الجهود هذه عرقلتها محاولات ترامب تخريب الاتفاقية النووية. وتأمل الولايات المتحدة بإقناع لجنة الخبراء في الأمم المتحدة أن إيران خرقت قوانين تصدير في التقرير المقبل المقرر تقديمه إلى الأمين العام انطونيو غويترس في شهر كانون الأول /ديسمبر. ولو نجحت فستكون قادرة على إقناع الدول الأوروبية التي عمقت صلاتها الاقتصادية مع إيران لتبني مواقف متشددة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه يمكنهم ربط إيران بهجوم الرياض الصاروخي الذي تقول الحكومة السعودية إنها اعترضته مع اقترابه من مطار الملك خالد الدولي قرب العاصمة. وقالت نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة في نيويورك إن الحوثيين أطلقوا صاروخاً قصير المدى «القائم1» على مدينة ينبع. واحتفظ الجيش اليمني بترسانة من صواريخ سكود- بي وهاوسانغ-6 التي تم تعديلها حسب تقرير الأمم المتحدة. وتقول لجنة الأمم المتحدة إن هناك إمكانية لدور إيراني في مشروع اليمن الصاروخي. وقالت إنها لا تستبعد إمكانية حصول اليمن على دعم فني من «خبراء صواريخ أجانب» وأشارت إلى الكشف عن شحنة لمعدات صناعية بما في ذلك أجهزة تشبه التي يتم استخدامها لصواريخ سكود قصيرة المدى. وحسب اللجنة فإن المعدات جاءت بالتأكيد من الجمهورية الإسلامية. وزعم الحوثيون أنهم استخدموا في الهجمات على المطار ومصفاة البترول صاروخا اسمه «بركان 2 أتش» الشبيه بصواريخ سكود. ولكن مدى سكود عادة ما يصل إلى 700 كيلومتر. وقال مسؤول بارز في الإدارة إن حطام الصواريخ التي أطلقت على الرياض ومصفاة البترول تظهر شبها بصاروخ «القائم» الباليستي. وكشف المسؤول عن صور للمجلة تظهر تشابها مع الصواريخ الإيرانية. ومع ذلك قالت لجنة الخبراء هذا الشهر إن الأدلة التي اطلعوا عليها لم تكن كافية لإثبات أن الإيرانيين متورطون «إن الأدلة التي قدمت في هذه التقارير هي أقل من المستويات من أجل نسبة الهجوم إلى صاروخ القائم-1». وإضافة للحطام الذي تم الحصول عليه هناك أدلة استخباراتية أخرى تسهم في التأكيد أن الصاروخين جاءا من إيران. وهناك خطط لتقديم بعضها إلى لجنة الأمم المتحدة حسب مسؤول أمريكي. وقال: «»أكد الإيرانيون بشكل مستمر أن لا عناصر لهم في اليمن وأن هذه هي نتاجات علمية ذكية للحوثيين».
يد إيرانية
ويقول المسؤول إن الأدلة لو تم الكشف عنها تمثل «فرصة لإخبار الحلفاء الأوروبيين بما يقوم الإيرانيون بعمله». وإضافة للأدلة المتعلقة بالهجوم الباليستي يقول المسؤولون إن إدارة ترامب تريد أن تكشف عن الدور الذي لعبته في تطوير قدرات الحوثيين في مجال صواريخ أرض- أرض حيث أعطتهم القدرة على الدقة. وقالت وزارة الخارجية السعودية إن المحققين الذين يحققون في الصاروخ الذي تم اعتراضه يؤكد «دور النظام الإيراني في صناعتها». وقال مسؤول سابق في الخارجية: هناك أدلة متعددة تعود إلى أكثر من عام حول تقديم إيران السلاح للحوثيين» وأضاف «لا توجد أية مصداقية لكلام الحوثيين أنهم قاموا بتصنيعها». ويأمل الخبراء أن تؤدي جهود إدارة ترامب للكشف عن دور إيراني بحيث يساعد على اتخاذ مواقف متشددة. ويقول مسؤول بارز إن هناك الكثير من الأدلة تقترح وجود يد لإيران في النزاع اليمني. فقد كشف عن استخدام قارب تابع للحوثيين سيطر عليه الإماراتيون كمبيوتر مصنوع في إيران.
وتختم المجلة تقريرها إن المبادرة الدبلوماسية تأتي وسط النقد في الكونغرس والخارج للحصار السعودي وقال يان إيغلاند، المستشار البارز في الشؤون الإنسانية بمجلس اللاجئين النرويجي إن الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء السعودية «أمامهم أسابيع قبل أن يصبحوا متواطئين في مجاعة تشبه المجاعات التي وصفت في الإنجيل».