بقلم: بدر الدين كاشف الغطاء
الاعلام الصهيوني وإعلام ولاية الفقيه يشتركان في أنهما يعيشان في عالمهما الافتراضي المبني على عقدة التفوق العنصرية ويمرران سياساتهما التوسعية من خلال النفاق والكذب والتضليل وتدمير العقول والأخلاق والضمائر، ويتفوق اعلام ولاية الفقيه على الاعلام الصهيوني في النفاق أنه يقوم بذلك تحت شعار الدفاع عن المستضعفين والمضطهدين.
الأمثلة على نفاق “ولاية الفقيه” لا يسعها بحث، فقد كانت خلال الحرب العراقية -الإيرانية تلعن “الشيطان الأكبر” أمريكا ، والشيطان الأصغر الكيان الصهيوني في النهار ، وتشتري منهما السلاح وتنام معها على نفس السرير في المساء. وبعد هزيمتها في الحرب العراقية الإيرانية ساعدت ولاية الفقيه الامريكان على احتلال العراق ، ثم ادعت أنها من قاوم الامريكان واخرجهم من العراق ” إلاّ قليلا”.
ولاية الفقيه تمارس نفس النفاق إزاء القضية الفلسطينية، فمنذ استيلائها على السلطة في ايران عام 1979 جعلت القضية الفلسطينية غطاء سياسيا لها للنفاذ الى العالم العربي والتأثير في جماهيره لخدمة مصالحها ، وكذلك المساومة عليها في علاقتها مع الغرب.
وعندما انطلقت عملية طوفان الأقصى المباركة في السابع من أكتوبر 2023، ورأت ايران الهياج الجنوني الإسرائيلي -الأمريكي الساعي للانتقام من أي طرف وبأي ثمن، واستذكرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، سارعت للتبرؤ من حماس ومن طوفان الأقصى، وصرح خامنئي أنّ طهران لم يكن لها أي دور في عمليّة طوفان الأقصى، وكرر هذا النفي المسؤولون الإيرانيون كافه، وقالوا انهم تفاجأوا بعملية طوفان الأقصى، وأنها دفاع فلسطيني مشروع عن النفس في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال، وأكّد موقفهم حسن نصر الله في خطابه الشهير في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
وتوالت الأحداث ، وصمد شعب فلسطين ، وبالذات أهل غزة ، أمام حرب الإبادة الصهيونية، وأخذت كتاب القسام تكيل للصهاينة الضربات الموجعة، وكسبت قضية فلسطين تعاطفا شعبيا عالميا منقطع النظير، عندها شعرت ولاية الفقيه أنها الخاسر الأكبر من هذا الانتصار الفلسطيني، وأن سمعتها وسمعة ميليشيات “المقاومة الإسلامية” التي أنشأتها ونشرتها في المنطقة العربية وصلت الى الحضيض، وأن معزوفة “ما بعد ما بعد حيفا” لم تعد تطرب أحداً، ولذا قررت أن تركب الموجة بأن تفتعل مناوشات عبر الحدود اللبنانية ثم تحريك الحوثيين لعرقلة الملاحة في مضيق باب المندب، وإرسال طائرات مسيًرة نحو القواعد الأمريكية في العراق وسوريا ، وأردفتها بادعاء انها كانت وراء طوفان الأقصى، حيث صرح المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري العميد رمضان شريف يوم 27/12/2023 بأن “عملية طوفان الأقصى كانت إحدى عمليات الانتقام على اغتيال قاسم سليماني، وأن هذه الانتقامات ستبقى مستمرة”.
وبعد ظهور هذا التصريح المستفز بدقائق نفت حماس وبقوة صحة ما ورد على لسان المتحدث باسم حرس الثورة الإيراني وقالت “لقد أكدنا مراراً دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى، كما نؤكد أن كل أعمال المقاومة الفلسطينية تأتي رداً على وجود الاحتلال وعدوانه المتواصل على شعبنا ومقدساتنا”.
وإزاء هذا الرد السريع تنصلت ولاية الفقيه ، كالعادة، عن هذا التصريح ، وادعت إنه تصريح أهوج، الى آخر خزعبلات اعلام ولاية الفقيه، لكنها بالمقابل أوكلت لأحد قادة ميليشياتها في العراق المدعو علي الأسدي الذي هو (رئيس المجلس السياسي للمقاومة الاسلامية حركة النجباء) ليصرح لوكالة الانباء الإيرانية في اليوم الأول من كانون الثاني/ يناير 2024 قائلاً “نحن الان نعيش أيام طوفان الاقصى والنجاح الذي ترونه في الإعلام للفصائل الفلسطينية هو الإنجاز الذي تعجز عنه الجيوش وكله بفضل الحاج قاسم سليماني “، وأضاف “الحاج قاسم استطاع أن يجعل الفلسطينيين أن يذوبوا بقضيتهم” ، وأن “الحاج قاسم هو الذي أوجد خطط التسليح وهو الذي أوجد خطط الأنفاق ” ، وإن “الحاج قاسم كان جندياً للولاية وكان ولدا بارا للولي الفقيه”. والرابط أدناه يتضمن تصريحات علي الأسدي كاملة (https://ar.irna.ir/news/85339963).
وهكذا شطب الفرس على بطولات شعب فلسطين ونسبوها لسليماني قائد فيلق القدس الذي كانت مهمته إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح ولاية الفقيه، وهو الذي أشرف على انشاء الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا واليمن، وكان يوجه عملياتها ضد أبناء بلدانها، وهو الذي ولغ في دماء العراقيين وما ارتوى، حتى اشتكت وثيقة سرية للاستخبارات الإيرانية نشرت عام 2020 من ارتكابه جرائم إبادة ضد المدنيين في العراق ، وبالذات في منطقة جرف الصخر، وهو الذي اشرف على قتل (800) متظاهر وجرح الآلاف خلال انتفاضة تشرين في العراق عام 2019.
إنه درس للإخوة في حماس وفي الجهاد الإسلامي، لا تثقوا بولاية الفقيه ولا تقبلوا منها أي مساعدة، فإنها، وبلا أدنى خجل، تُجيّر جهادكم وجهاد الأمة لصالح النظام العنصري الطائفي في ايران. وتذكروا أيضا تصريحات قائد “مقر خاتم الأنبياء” في الحرس الثوري الجنرال غلام علي رشيد، الذي اعتبر حركة حماس أحد جيوش إيران الستة التي أسّسها قاسم سليماني للدفاع عن ايران.
السيد خالد مشعل يعرف حقيقة متاجرة ولاية الفقيه بعلاقتها مع حماس ، فقد قال في مقابلة مع القناة الفضائية “خليجية” الآتي: ” ايران لا تدعمنا مجاناً، والثمن، او بالأحرى الثمنين، هما عندما تدعم حماس الفلسطينية السُنيّة فهذا يجمّل صورتها في معظم العالم العربي الذي هو سُنّي، والثانية هي أنها أمام الغرب تقول لهم أنا علاقتي مع حماس قوية، ماذا تريدون من فلسطين أنا جاهزة”.
ودرس للحكام العرب: لا تُغلًبوا تناقضاتكم الثانوية مع الفصائل الفلسطينية على التناقض الرئيسي بين الأمة والصهيونية العالمية، وادعموا حركات المقاومة الفلسطينية لكي تحموها من استغلال ولاية الفقيه وغير ولاية الفقيه.
والله المستعان
بغداد ، في الأول من كانون الثاني 2024.