طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية، أول أمس السبت، رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بإعلان نتائج التحقيقات بشأن «انتهاكات» حدثت أثناء العمليات العسكرية في الموصل شمالي البلاد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
وتأتي مطالبة المنظمة الحقوقية على خلفية انتشال جثث نحو 80 شخصاً من منزل مدمّر في مدينة الموصل في آذار/ مارس الماضي.
واستمرت عملية تحرير مدينة الموصل، التي كانت تعدّ مركزاً لـ«خلافة» تنظيم «الدولة» في العراق، نحو تسعة أشهر، ابتدأت في أواسط تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وانتهت بإعلان العبادي في تموز/يوليو 2017 تحرير المدينة بالكامل.
وقالت المنظمة في تقريرها إن «الحادث وقع في 29 آذار/ مارس، إذ نقل موظفون حكوميون رفات حوالي 80 جثة من منزل مدمر، لافتا إلى أن الحادث يثير شكوكا بالتغطية على عمليات قتل لمن يشتبه في احتمال انتمائهم إلى تنظيم الدولة».
لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، قالت: «بالنظر للانتهاكات الخطيرة التي جرت في الأسابيع الأخيرة من المعركة ضد داعش في مدينة الموصل القديمة، كان ينبغي الحفاظ على الموقع والرفات كأدلة محتملة للمحققين الشرعيين».
وأضافت: «إذا أراد العبادي أن يؤكد حدوث تغيير في ثقافة الإفلات من العقاب للقوات التي ترتكب أفظع الإساءات، عليه اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الأدلة المحتملة حول جرائم حرب، وإحضار خبراء الطب الشرعي للتحقيق قبل فوات الأوان، بشفافية وعلى الملأ».
ووثّقت المنظمة، قيام القوات العراقية باعتقال المشتبه بانتمائهم إلى «الدولة» وتعذيبهم ثم إعدامهم قرب الموقع ذاته، وكانت بعض هذه القوات من فرقة بالجيش دربتها قوات أمريكية، في إشارة إلى جهاز مكافحة الإرهاب.
وخلال الفترة نفسها نُشرت 4 فيديوهات على «فيسبوك» قيل إنه تم تصويرها غرب الموصل، تُظهر جنوداً وعناصر من الشرطة الاتحادية يضربون المعتقلين ويقتلونهم بدون محاكمات، وفقاً للمصدر ذاته.
وطالبت «هيومن رايتس واتش» في تقريرها رئيس الوزراء العراقي «بإعلان نتائج التحقيقات التي أجرتها حكومته في الانتهاكات أثناء العمليات العسكرية ضد داعش، بما فيها الموصل، وتفصيل حالات محددة».
كما دعته إلى أن يأمر مسؤولي البلدية في الموصل بالإعلان عن مكان الجثث التي شوهدت في الحادثة المذكورة والسماح لخبراء الطب الشرعي بفحصها.
خروقات غير ممنهجة
النائب عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي، أكد عدم تسجيل أي «خروقات ممنهجة» خلال عمليات تحرير مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى الشمالية، لكنه رجّح في الوقت عينه حدوث بعض الحالات التي وصفها بـ«الفردية»، كما هو الحال في جميع مسارح العمليات.
وقال لـ«القدس العربي» إن «الخروقات التي سجلت في الموصل تعد قليلة جداً، إذا ما قارناها ببقية عمليات التحرير في المحافظات الأخرى».
وأضاف: «القوات الأمنية وخصوصا الحشد الشعبي، تم تشذيب أدائهم، واستفادوا من الأخطاء السابقة التي نفذتها عناصر مندسة»، مبيناً أن «تجربة الموصل تختلف عن بقية المناطق، وسجلت انضباطا كبيراً، على الرغم أنني لا أنفي حدوث بعض الخروقات، لكن الطابع الغالب على عمليات تحرير الموصل كان إنسانيا».
وأشار إلى وجود أخطاء عسكرية، منوهاً إلى «إقرار التحالف الدولي والولايات المتحدة الأمريكية بحدوث خروقات وسقوط مدنيين، على الرغم من تقنياته الدقيقة».
وكشف عن حادث استهداف قوات جهاز مكافحة الإرهاب منزلاً قرب مستشفى الرحمة في الجانب الأيمن من الموصل أدى إلى سقوط 136 قتيلاً من المدنيين، مؤكداً أن الحادث «وقع عن طريق الخطأ ولم تكن عملية ممنهجة أو مقصودة».
وتابع: «عند وقوع الحاث، ألقيت بياناً في مجلس النواب حوله. هناك جهات قالت، وقتها، بأن المنزل كان ملغما من قبل داعش. وهناك من قال إن عناصر التنظيم كانوا يتواجدون في المنزل».
وواصل: «حينها قلت إن على القوات الأمنية، أن تكون بالشجاعة نقشها التي واجهت بها الإرهاب، وتعلن الأخطاء التي، بكل تأكيد، لم تكن مقصودة».
ضحايا الأقبية
الجانب الأيمن لمدينة الموصل، وتحديداً المدينة القديمة، شهد أكبر عدد من الخروقات والحوادث، نظراً لطبيعة المعركة، وفقاً للويزي، الذي أوضح أنه «كلما كانت القطعات الأمنية تتقدم في عملية تحرير الموصل، كان الأهالي يتراجعون إلى الخلف، خصوصا إن التنظيم الإرهابي لم يكن يسمح للأهالي بالتوجه صوب القوات الأمنية، ونشر عدد من وسائل الإعلام مقاطع فيديو توضح استهداف عناصر التنظيم للأهالي».
الأيام الأخيرة من معارك التحرير، شهدت زخماً للمدنيين والإرهابيين في المدينة القديمة، كلما ضاقت عليهم الرقعة الجغرافية، وهذا أحد الأسباب الثلاثة التي تحدث عنها اللويزي، التي أدت إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.
ومضى قائلاً: «طبيعة منازل المنطقة القديمة، تحتوي على أقبية، كان المدنيون يختبئون فيها، الأمر الذي فاقم المشكلة بكون إن هذه البيوت القديمة والمتهالكة كانت تسقط على رؤوس الأهالي نتيجة استخدام الأسلحة الثقيلة والعمليات العسكرية وحدّة المواجهات مع داعش. الأهالي كانوا يجتمعون في هذه الأقبية من دون القدرة على الخروج، فكثير منهم توفي خنقا أو بسبب نقص المؤن».
وأشار أيضاً إلى أن «عناصر التنظيم استقتلوا في هذه المنطقة، خصوصاً إن القوات الأمنية ـ وللأسف الشديد ـ لم تترك لهم أي منفذ للخروج من المدينة، الأمر الذي دفع التنظيم للاستقتال والاستماتة في هذه المنطقة، وبالتالي سقوط مزيد من الضحايا».
أكثر من 20 ألف
كذلك، لفت النائب عن نينوى إلى أن الحديث عن اعتقال القوات الأمنية لمشتبه بهم بالانتماء للتنظيم وتعذيبهم ومن ثم قتلهم، «متروك لمن كان متواجداً في الخطوط الأمامية، أي في الأماكن التي يمكن أن تشهد مثل هذه الحالات المذكورة».
وأوضح أن «هناك بعض الأشخاص من حشود نينوى، كانوا موتورين، فضلا عن وجود بعض العناصر في القوات الأمنية المشتركة، ربما تقوم بمثل هذه الحالات عند استشهاد أحد زملائهم من المقاتلين».
وكشف عن «سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى ـ من القوات الأمنية، خلال عمليات تحرير الموصل، يقدر بنحو 20 ألف شخص، توزعوا بواقع 17 ألف جريح و3 آلاف شهيد».
أما بالنسبة للضحايا في صفوف المدنيين، فأكد المصدر أن «ما تم انتشاله من جثث بعد انتهاء المعارك، بلغ أكثر من ثلاثة آلاف جثة، في حين هناك أرقام غير مؤكدة، قد تكون مبالغة، تحدثت عن 40 ألف قتيل مدني قضوا في الموصل».
وطبقاً للويزي، «من غير الممكن إحصاء عدد القتلى لأن عملية إجلاء الجثث من تحت الأنقاض لا تزال مستمرة»، منوهاً بأن «المدينة القديمة تحولت إلى ركام وتلال، من مخلفات البناء والدور المهدمة».